بعد مرور مئتي يوم من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، تتردد أصداء مآسي القطاع في أروقة الجامعات الأميركية، التي تشهد مواجهات بين الشرطة وعشرات الطلاب المحتجين، وحملة اعتقالات تطال عشرات الطلبة.
فمن جامعة كولومبيا مرورًا بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وليس انتهاء بميشيغن، تغزو حركة احتجاج طلابية واسعة أعرق الجامعات الأميركية، وترتج جنباتها بالهتافات المتضامنة.
وتنتقل الاحتجاجات إلى مؤسسة تعليمية جديدة كل يوم، وتضطر عدة جامعات لإغلاق أبوابها واللجوء للتعليم عن بعد.
في المقابل، يقيم الطلبة مخيمات اعتصام ويغلقون حركة المرور غضبًا على ممارسات التضييق، لتتطور الأمور إلى صدامات وحملة اعتقالات نفذتها الشرطة بحق عشرات الطلبة بعدما داست بأقدامها الحرم الجامعي في منحى لافت لم تشهده الولايات المتحدة منذ عقود.
فلم ترق أصوات الطلبة المناداة بقطع علاقات الجامعات الأميركية الاستثمارية والتعليمية مع إسرائيل وإدانة عدوانها على غزة للساسة. وشُنّت حملة مضادة ضد مطالب الطلبة، بدأت باتهامهم بمعاداة السامية والإساءة للمعتقدات الدينية والإضرار بالممتلكات العامة وتعطيل حركة المرور والجمهور.
دور حركة الاحتجاج الطلابية بتغيير الموقف الأميركي
وقد أثار التضييق الذي يواجهه الطلبة حفيظة واستغراب كثير من المشرعين والسياسيين، حيث أن هذه المؤسسات تحتضن نخبة العقول الشابة وتعمل على تنمية أساسيات الديمقراطية والتفكير الناقد.
ولم تثمر فاعلية الاحتجاجات عن تحقيق مكاسب يسعى لها الطلبة حتى اللحظة، لكن حركة الاحتجاج الطلابية الواسعة في الولايات المتحدة تعيد إلى الذاكرة دورها الفعال في تغيير مجرى عدد من الصراعات العسكرية التي خاضتها الإدارات الأميركية مثل فيتنام، وكمبوديا، وأفغانستان، والعراق، وعودتها مجددًا تثبت حصول تحول في عقلية الطلبة الأميركيين الجدد، وتبدل نظرته صوب الصراع الفلسطيني الإسرائيلي في ظل حركة احتجاج عالمية تشهدها العواصم الغربية أجبرت الكثير من الدول على مراجعة سياستها مع الاحتلال بعدما شدت على يدي نتنياهو تأييدًا مع بداية العدوان.
الديمقراطية وحرية التعبير
وفي هذا الإطار، تشير أستاذة العلوم السياسية في كليتي هوبارت وويليام سميث جودي دين إلى أن الطلاب في الولايات المتحدة الأميركية يعبرون عن تضامنهم مع الفلسطينيين منذ بدء الحرب على قطاع غزة. وتلفت إلى أن هؤلاء الطلاب يرون على مواقع التواصل الاجتماعي الصور التي توثق ما يجري في غزة.
وفي حديث إلى "العربي" من نيويورك، تقول دين :"إن الجامعات حاولت قمع حراك الطلاب عبر القول إن تضامنهم مع فلسطين بشكل ما يجعل الأمر غير آمن للجميع"، معتبرة أن هذا الكلام "تطورًا غريبًا يقوده بعض الأشخاص من اليمين في الولايات المتحدة الأميركية الذين يحاولون قمع التحركات الطلابية".
وتشدد دين على أن الجميع يعلم أن المزاعم الأمنية "ليست حقيقية أو واقعية".
كما تعتبر أن الجامعات "لا ترى أن الديمقراطية وحرية التعبير عن الرأي تنطبق على كل ما يتعلق بحرية فلسطين بل أن الحرية والديمقراطية في التعبير عن الرأي تنطبق فقط في ما يتعلق بالاحتلال ونظام الفصل العنصري والإبادة".
وتشيد دين بالدور الذي يقوم به طلاب الجامعات الأميركية عبر إصرارهم على الدفاع عن فلسطين وبالتالي الدفاع عن حرية التعبير. وتقول: "لا أرى أنه تم طرد أشخاص من الجامعات لدفاعهم عن إسرائيل".
معارضة الحرب
ومن جهتها، تؤكد الأستاذة في معهد الدوحة للدراسات د. لارا شيحا أن قمع الاحتجاجات الطلابية ليس أمرًا جديدًا في الولايات المتحدة.
وتعتبر في حديث إلى "العربي" من الدوحة أن موقف الطلاب الداعم لفلسطين ليس قضية إنسانية فقط بل هو إعلان منهم لإدارات الجامعات والإدارة الأميركية بأنهم "ضد الاستعمار والاستيطان والإمبريالية والحرب".
كما تلفت شيحا إلى أن موقف الطلاب يؤثر على سمعة إسرائيل، حيث يتمسكون بموقفهم المعارض لموقف الإدارة الأميركية والإبادة في غزة.
وحول دور اللوبيهات الصهيونية، تشير شيحا إلى أن استخدام تهمة "معاداة السامية" لم يعد يجدي نفعًا. وتضيف: "الناس لا يصدقون"، معتبرة أن "الديمقراطية في الولايات المتحدة الأميركية كذبة طويلة".
حركة تضامنية واسعة
مؤسسة البرنامج الأكاديمي للجاليات العربية والمسلمة البروفيسورة رباب عبدالهادي تشير بدورها إلى أن الإدارة الأميركية تمنع الطلبة والأشخاص المعارضين لإسرائيل والمتضامنين مع الفلسطينيين من التعبير عن رأيهم فيما يُسمح للشريحة التي تتلاءم مواقفها مع الإدارة الأميركية بالتعبير عن رأيها.
وتؤكد عبد الهادي في حديثها من سان فرانسيسكو أن الحركة المتضامنة مع الفلسطينيين في الولايات المتحدة واسعة جدًا وتشمل اليهود المناهضين للصهيونية والآسيويين وسكان أميركا الأصليين واللاتينيين.
كما تعتبر عبد الهادي أن "الإدارة الأميركية متواطئة مع إسرائيل في المجزرة التي تنفذ في غزة، الأمر الذي يدفع إلى إسكات الأصوات الناقدة للإدارة الأميركية"، مشيرة إلى أن "قاعدة الحزب الديمقراطي الشعبية تضم العرب والتقدميين الذين يعرفون أن أيادي الرئيس الأميركي ملطخة بالدم بسبب إرساله الأسلحة لإسرائيل".
وترى أن اللوبي الصهيوني والمؤيدين له يعتبرون أن مصلحة أميركا مرتبطة بمصلحة إسرائيل لذلك يحاولون السيطرة على الوضع في الداخل الأميركي عبر حلفائه في الجامعات الأميركية والكونغرس، مؤكدة أن "ثمن المعارضة في الولايات المتحدة بات أكبر".