في الشهر الثالث للعدوان الإسرائيلي على غزة، يبرز التساؤل عن حركة "فتح" وموقفها من الأحداث، وحول دورها في المستقبل بعد انتهاء العدوان في حلحلة الأزمة وسيناريو اليوم التالي.
فعقب عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، حولت الإدارة الأميركية اهتمامها نحو الضفة الغربية.
وعبّر الرئيس جو بايدن عن رغبته في أن تتحمل السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس مسؤولية إدارة قطاع غزة بعد انتهاء الحرب.
وبالرغم من تعرض السلطة الفلسطينية إلى ضغوط عسكرية إسرائيلية مكثفة منذ نحو 3 أشهر، إلا أن قاعدة "فتح" تطالب الحركة بعودتها إلى "الكفاح المسلح"، وتوحيد الصف السياسي مع الفصائل الأخرى وأساسًا مع حركة حماس.
هذه مطالب ترتبط في مخيلة الشارع الفلسطيني بتاريخ الحركة، إذ تعد من أوائل حركات المقاومة الفلسطينية تأسيسًا وتأثيرًا في المستوى الشعبي الفلسطيني منذ عام 1965 إلى عام 2004 تاريخ رحيل زعيمها ياسر عرفات.
وفي وقت لم تتعد فيه مقترحات قيادة السلطة الفلسطينية حدود دعوات لوقف الحرب، وإغاثة غزة، لم تغب مظاهرات الغضب والمقاومة المسلحة لا سيما من قبل كتائب "شهداء الأقصى" تضامنًا مع القطاع.
هذا الواقع دفع تل أبيب إلى زيادة وتيرة هجماتها على حركات المقاومة في الضفة الغربية المحتلة، واستهداف قيادات من كتائب شهداء الأقصى التابعة لحركة فتح.
لكن هذا المشهد يقابله نهج سياسي اختارته الحركة تدريجيًا منذ اتفاق أوسلو في عام 1993، والذي حاد بها عن خيار الكفاح المسلح.
فقد تجنب مسؤولون في حركة فتح تأييد عملية طوفان الأقصى، وحمّل بعضهم الغرب مسؤولية ما آلت إليه الأحداث في القطاع، وحذرت قيادات من بينها نائب رئيس حركة فتح محمود العالول من غياب أفق سياسي لهذه المرحلة.
وزاد هذا التباين في المواقف بين قواعد حركة فتح وقياداتها بشأن العدوان على غزة من وتيرة الانتقادات الموجهة من حيث أدائها السياسي والنضالي.
أي دور لحركة فتح بعد العدوان على غزة؟
وفي هذا الإطار، يرى الباحث في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات وعضو في المجلس الثوري في حركة فتح سابقًا معين الطاهر، أن حركة فتح صاحبة الرصاصة الأولى مغيبة وسط معركة طوفان الأقصى، مشيرًا إلى أن الثورة في الحركة الفلسطينية بدأت تتراجع منذ ما بعد اتفاق أوسلو أو قبله بقليل.
وفي حديث إلى "العربي" من استديوهات لوسيل، يوضح الطاهر أن فكرة حركة فتح الرئيسة تمثلت بجمع الشعب الفلسطيني على مختلف اتجاهاته الفكرية والأيديولوجية في إطار حركة وطنية فلسطينية ديمقراطية واسعة وعريضة تستطيع أن تستوعب مختلف الاتجاهات.
ويضيف أن فتح تمكنت بالفعل من أن تحوز على ثقة هذا الشعب، وأن تطلق الثورة الفلسطينية المسلحة في عام 1965، وأن تقود النضال الفلسطيني لمرحلة طويلة، لكنه أشار إلى أن قيادات حركة فتح تخلت عن هذا الدور.
ويتابع الطاهر أن الراحل ياسر عرفات هو من فجر الانتفاضة الثانية، لافتًا إلى أن الحركات الطلابية التابعة لحركة فتح تتحدث عن هذا الماضي، وتتجنب الحديث عن الواقع الحالي، وقال: "عن ماذا سيتحدثون، عن التنسيق الأمني مع الاحتلال؟ أم عن التحاق فتح بركب سلطة فلسطينية عليها العديد من العلامات؟ هل سيتحدثون عن رفض قيادة الحركة وقيادة منظمة التحرير الالتزام بقرارات المجلس المركزي بوقف اتفاق أوسلو وسحب الاعتراف بإسرائيل بوقف التنسيق الأمني؟ هل سيتحدثون عن منظمة التحرير الفلسطينية التي كانت تقودها حركة فتح، والتي كانت إطارًا ديمقراطيًا يضم مختلف الفصائل الفلسطينية؟".
ويضيف: "إننا نفتقر الآن إلى حركة وطنية فلسطينية جامعة، ونحن بأمس الحاجة إلى إعادة تأسيس تيار وطني ديمقراطي يمثل الحركة الوطنية الفلسطينية العريضة في الشارع الفلسطيني، وهو الضمانة الوحيدة لحماية المقاومة واستمرارها بأشكالها المختلفة، ولضمان إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية وإحيائها، وهو أيضًا الضمان لاستمرار مسيرة الشعب الفلسطيني وعدم تصفية القضية الفلسطينية".
ويلفت إلى أنه "من الواضح أن قيادة حركة فتح تلقت في الأسبوع الأول من الحرب رسائل تقول إنه خلال أسبوعين أو ثلاثة سيتم تصفية المقاومة في غزة، وإن السلطة ستعود من جديد مرة أخرى إلى القطاع، وصدرت تعليمات واضحة من الرئيس محمود عباس إلى أعضاء اللجنة المركزية لحركة فتح بالتزام الصمت المطبق حول ذلك كله، وحتى أن قوات الأمن الفلسطيني قامت بقمع بعض التظاهرات التي انطلقت في الأيام الأولى، حيث جرت بعض حالات الاعتقالات، كما طلب منها السيطرة على الوضع في الضفة الغربية كثمن لعودتها إلى السيطرة على قطاع غزة".
وفيما يشير إلى أن هذا الأمر تمرد عليه البعض، يرى معين الطاهر أن عباس زكي عضو اللجنة المركزية أيد منذ الأسبوع الأول المقاومة، وتحدث عن حقها المشروع في الدفاع عن النفس، ولكنه تلقى تأنيبًا شديدًا في داخل اللجنة المركزية.
اليوم التالي للحرب
ويعرب الطاهر عن اعتقاده أن قواعد حركة فتح لم توافق تمامًا على هذا الموضوع، وسرعان ما شاركت في المقاومة الشعبية في داخل الضفة الغربية، وكذلك في التصدي لاعتداءات المستوطنين على القرى والمدن الفلسطينية، وشاركت في التظاهرات، مشيرًا إلى أن هناك إجماعًا من الشعب الفلسطيني بكل فصائله وبكل فئاته بما فيها قواعد حركة فتح على تأييد المقاومة وتأييد صمودها والإشادة بها.
ويرى معين الطاهر أنه من المبكر الحديث عن اليوم التالي للحرب لأن هذا اليوم ستتحكم به مجموعة من العوامل منها مسارات الحرب ذاتها ومدى ضغط الشارع العربي على النظام العربي الرسمي ومدى ضغط الشارع الغربي خصوصًا في الولايات المتحدة الأميركية وفي دول أوروبا على أنظمتهم أيضًا.
ويوضح أن هناك سيناريوهات متعددة لليوم التالي للحرب، مستبعدًا أن يكون هناك حوار ما بين فتح وحركة حماس، مشيرًا إلى أن السلطة الفلسطينية لم تكافأ على موقفها هذا، إذ إن الإدارة الأميركية تنحاز تمامًا للعدو الإسرائيلي، وعندما قال هذ الأخير أنه لا يثق بالسلطة وأنها فاسدة، سرعان ما تلقفت الإدارة الأميركية هذه المسائل وأخذت تتحدث عن دور رمزي للرئيس محمود عباس، وإعادة تجديد السلطة.