تعرّضت بعض الدول الأوروبية لانتقادات بسبب عدم دعمها لأوكرانيا، باستثناء رومانيا التي لديها مخاوف أمنية خاصّة بها بشأن أي صراع مع روسيا.
وخلال الأيام الأخيرة، رحّبت بوخارست علنًا بالانتشار المحتمل للقوات الأميركية والفرنسية لتعزيز وحدة قوامها بحوالي ألف عسكري أميركي منتشرين في قواعد عدة بالبلاد، بما في ذلك قاعدة "إيغيس آشور "للدفاع الصاروخي المتطورة والكائنة في مدينة ديفسيلو الجنوبية.
ومنذ سنوات، تقدّم رومانيا دعمًا للأمن السيبراني لأوكرانيا، وتكثّف المحادثات مع كييف بشأن تعزيز التعاون الأمني البحري في البحر الأسود، ومنحت أوكرانيا، ما أسماه مستشار الشؤون الخارجية السابق رادو ماغدين، "الدعم السياسي غير المشروط" في الوقت الذي تواجه فيه توغلًا محتملًا من قبل روسيا.
"العمود العسكري للناتو"
وقالت صحيفة "اندبندنت" البريطانية إن الأزمة الأوكرانية دفعت رومانيا إلى الاضطلاع بدور عسكري وأمني أكثر نشاطًا في أوروبا الشرقية من أي وقت مضى في تاريخها الحديث، مما يوفّر الدعم لكل من كييف وحلفائها في الناتو.
وبحسب خبراء، لم تتبن أي دولة أخرى في أوروبا الشرقية دورها باعتبارها رادعًا محتملًا ضد غزو روسي محتمل لأوكرانيا بحماسة مثل رومانيا التي انضمت إلى الناتو عام 2004.
وفي هذا الصدد، قال ماغدين: "رومانيا هي العمود العسكري لحلف الناتو في جنوب شرق أوروبا.. إنها مركز لجنوب شرق أوروبا وتقدّم الكثير من التسهيلات".
وكان انسحاب قوات "الناتو" من رومانيا وبلغاريا من بين مطالب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين المعلنة بتجنّب الصدام حول أوكرانيا، مما أدى إلى إثارة القلق في بوخارست.
مخاوف من انجذاب الرومانيين للصراع
في وقت متأخر من يوم الأربعاء، شُوهدت قوافل دبلوماسية تندفع عبر العاصمة، ما أثار مخاوف الشباب الروماني من أن الحرب وشيكة، وأنهم قد ينجذبون إلى الصراع.
ولا يتركز قلق رومانيا فقط على أمن أوكرانيا، التي تشترك معها في حدود يزيد طولها عن 600 كيلومتر، بل يمتد ليشمل الدور المُعقّد المحتمل لجمهورية مولدوفا في أي صراع يشمل روسيا وحلف الناتو.
ولا يزال التوتر يسود في تلك البلاد منذ أن سيطر الكرملين على منطقة ترانسنيستريا، وهي منطقة تحتلها روسيا في مولدوفا، وتبعد 160 كيلومترًا فقط من الحدود الرومانية، وقد ذكر بعض الخبراء أنها من بين الطرق التي يمكن لروسيا أن تفتح من خلالها جبهة حرب ضد أوكرانيا.
وبينما يتكهّن العديد بأن الأسلحة والمعدات في ترانسنيستريا قديمة، فليس هناك ما يضمن أن روسيا لم تزوّد قواتها المقدّرة بـ 1500 جندي هناك بأسلحة متطورة في غضون وقت قصير.
مفاجآت في مولدوفا
وفي هذا الإطار، قال ماغدين: "نحن حذرون بشأن المفاجآت التي قد تسبّبها لنا روسيا في مولدوفا"، مضيفًا أن "المزيد من التواجد الأمني للناتو يعني المزيد من الأمن لرومانيا".
وتعد رومانيا من أكبر بلدان أوروبا الشرقية، إذا يبلغ عدد سكانها 19 مليون نسمة في مناطق كبيرة في صربيا وأوكرانيا، وكلاهما عرضة للتأثير والضغط الروسي.
وفي السنوات الأخيرة، استنزفت المشاكل السياسية الداخلية رومانيا، مما جعلها تبتعد عن أوروبا الشرقية وتُركّز في سياستها الخارجية على الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي.
ووفقًا للخبراء، قد يؤدي التصعيد الروسي المتوقّع ضد أوكرانيا إلى تغيير سياسة رومانيا الخارجية.
جذور العداء
وتُعتبر جذور العداء بين موسكو وبوخارست عميقة، وتتجلّى في الغزوات الروسية المتكررة على مر القرون، بالإضافة إلى ما تعتبره رومانيا "سرقة آثار ذهبية ثمينة" تعود إلى العائلة المالكة المخلوعة منذ فترة طويلة في البلاد.
كما تعاونت القوات المسلحة الرومانية بحماسة مع ألمانيا النازية ضد روسيا خلال الحرب العالمية الثانية، بما في ذلك حصار ستالينغراد.
وبعد سقوط النظام الشيوعي عام 1990، كانت رومانيا من بين الدول الأكثر حماسة في حلف وارسو السابق للانضمام إلى التكتلات الأمنية والاقتصادية الغربية، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي، الذي انضمت إليه عام 2007.
وأوضح ماغدين: "كان الخوف من الطموحات الروسية هو الدافع جزئيًا لهذا التحوّل. علم المثقّفون الرومانيون، حتى في التسعينيات، أن لدينا نافذة زمنية محدودة قبل أن يتعافى الروس في نهاية المطاف".
وقال: "لذلك كان علينا الانضمام إلى أكبر عدد من التحالفات والتجمّعات بأسرع ما يمكن".