أكد المفكّر العربي عزمي بشارة، مدير عام المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، أنّ إسرائيل لم تواجه بعد كل ما جهزته المقاومة في قطاع غزة، مشيرًا إلى أنّ المقاومين لم يقدّموا بعد كلّ ما لديهم، "ومع ذلك فإنّ ما قدّموه أمر كبير بكل الحسابات".
واستهجن بشارة في حديث إلى "العربي"، في سياق التغطية المستمرّة للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، ما وصفه بـ"التواطؤ الدولي" مع استهداف إسرائيل للمستشفيات، معتبرًا أنّه غير مسبوق، مذكّرًا بأنّ طفلًا يستشهد كل عشر دقائق في غزة، بشهادة المنظمات الأممية.
وإذ اعتبر أنّ الولايات المتحدة ما زالت تشارك إسرائيل أهدافها، ولا سيما لناحية "تنفيذ المهمّة"، في إشارة إلى "القضاء على حركة حماس"، أعرب عن اعتقاده بأنّ الفرصة أمام إسرائيل لإنهاء المهمة لا تتجاوز الشهر، مرجّحًا في الوقت نفسه أن يستمرّ الوضع الكارثي في قطاع غزة لوقت طويل.
واعتبر أنّ القمة العربية الإسلامية أفرزت قرارًا عمليًا واحدًا هو كسر الحصار المفروض على قطاع غزة، مشدّدًا على وجوب إدخال قوافل الإغاثة والمساعدات إلى قطاع غزة من دون ارتهان للخطة العسكرية الإسرائيلية.
وجدّد بشارة القول إنّ ملف الأسرى الإسرائيليين في غزة لا يمثل أولوية بالنسبة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، معتبرًا أنّ إسرائيل تستغل حالة الحرب لتصفية حسابات مع الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية. ووصف خطاب رئيس السلطة محمود عباس بـ"المخيّب".
التواطؤ الدولي مع استهداف إسرائيل للمستشفيات
في حديثه إلى "العربي"، انطلق الدكتور عزمي بشارة من الاستهداف الإسرائيلي للمستشفيات في قطاع غزة، حيث اعتبر أنّ ما هو غير مسبوق في هذا الأمر هو التواطؤ الدولي مع هذه الجرائم، لافتًا إلى أنّه لا توجد إدانات غربية حقيقية للأمر.
ولفت إلى أنّه خلافًا لما كانت تفعله إسرائيل في بادئ الأمر، لم تعد تجد حاجة لتبرير مجازرها كما فعلت مثلًا بعد مجزرة مستشفى المعمداني حين تنصّلت من المسؤولية، الأمر الذي يوحي وكأنّ قصف المستشفيات بات أمرًا روتينيًا بل طبيعيًا.
وأعرب عن اعتقاده بأنّ هناك قناعة قد تكون لدى الإسرائيليين بأنّه لا يمكن تهجير الشعب إذا لم تنتهِ مستشفياته ومدارسه، واصفًا هذا الأمر بأنه تفكير شيطاني إلى حدّ ما، ويقوم على اعتبار أنّ الناس قد يقتنعون بالنزوح والهجرة إذا لم يعد لديهم ملاذ يلجؤون إليه، وهو الذي يفترض أنّ المستشفيات والمدارس هي التي تؤمنه بالدرجة الأولى.
وفيما اعتبر أنّ الكذب سينكشف في النهاية، لفت إلى أنّ السؤال الجوهري الآن هو كيف ستواجه الدول الحقيقة في المستقبل، أي حقيقة أنّهم مرّروا قصف المستشفيات عن سبق الإصرار والترصد لكلّ هذه الفترة، وبالتالي ساهموا بالتسبب بهذا الحجم من المعاناة للناس.
واستهجن بشارة كيف أنّ زعماء دول "اعتقدنا أنّ لديهم بعض الاتزان" يرفضون وقف إطلاق النار في هذه الظروف، وهم يعرفون كيف تستغلّ إسرائيل إطلاق النار ضدّ المدنيين ولا سيما النساء والأطفال، مشدّدًا على وجوب الالتفات لحقيقة أنّ هناك طفلاً في غزة يستشهد كل عشر دقائق.
وأعرب بشارة عن اعتقاده بأنّ الفرصة أمام إسرائيل لإنهاء المهمة لا تتجاوز الشهر، مشدّدًا على أنّ أميركا لن توقف إسرائيل إلا إذا حصل شيء استثنائي وخطير جدًا. وقال: عندما يتحدث الأميركيون مع الإسرائيليين يتحدثون عن عملية لبضعة أسابيع وقد تستمر لشهر، لكنه أكد أنّ الكارثة ستستمرّ في غزة لوقت طويل.
ملاءمة الوقائع مع الخطة العسكرية
ورأى مدير عام المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات أنّ إسرائيل بعد ما حصل في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، وجدت نفسها مضطرة لوضع خطة عسكرية، وبعد ذلك عملت على ملاءمة الوقائع مع الخطة، بدل أن يحصل العكس.
ولفت في هذا السياق، إلى أن الخطة انطلقت من الشمال وبعض المناطق من الشرق لمحاصرة مدينة غزة، لكنّ ذلك أثار تساؤلات بعد ذلك، فهم لا يعلمون فعليًا أين هي أنفاق المقاومة الفلسطينية، وكذلك مراكز قيادة حماس، والتي يمكن أن تكون في الجنوب.
وفيما رأى أنّ هذا الأمر خلق نوعًا من الارتباك لديهم، لفت إلى عنصر مهمّ لا يجب أن نخرجه من الحساب والاعتبارات أنه قد يكون هناك ارتباك بمعنى أنّهم خططوا لأمرٍ ما من دون أن يأخذوا كلّ شيء في الاعتبار.
وقال بشارة إنّه إذا لم تكن لديهم خطة عسكرية لاحتلال قطاع غزة، فبالتأكيد لم تكن لديهم خطة لما يسمونه هم اليوم التالي بعد تنفيذ المهمة، أي "القضاء على حركة حماس"، وفق ما يعرّفون المهمة بالخط العريض، وذلك من حيث حكمها وقوتها العسكرية.
وفيما أشار إلى أنّهم يحاولون التشاور حول ذلك مع العرب الذين يرفضون علنيًا ورسميًا نقاش هذا الأمر، ويتمسّكون فقط بالحديث عن وقف إطلاق النار، لفت إلى أنّ الأميركيين يتحدّثون عن مؤتمر سلام لا بدّ أن يعقد في النهاية، ويعود الحديث عن دولتين.
لكنّه ذكّر بأنّ مثل هذا السيناريو سبق أن جُرّب بعد حرب العراق حين عقد مؤتمر مدريد للسلام وانطلق مسار أوسلو، متسائلاً: "من قال إنّ المصير سيكون أفضل هنا؟ وهل يوجد فعلاً استعداد إسرائيلي لدولتين على حدود 1967؟".
وفي حين نفى وجود استعداد إسرائيلي لهذا السيناريو، جزم بأنّ الإسرائيليين لن يبقوا في غزة، وأنّهم لا يمكنهم البقاء في غزة، ولا سيما أنّهم سبق أن انسحبوا من القطاع، علمًا أنّ من انسحب من غزة ليس شخصًا معتدلاً إنما أرييل شارون الذي لن يتفوقوا عليه في العسكريتاريا.
وقال: "يبحثون عن شريك عربي يقبل بأن يدير شؤون السكان في قطاع غزة بعد أن يخفَّف عدد السكان مع معابر مفتوحة إلى العالم العربي". ولاحظ أن هذا النموذج مطبّق في الضفة وهو فاشل.
ترتيبات "اليوم التالي" لانتهاء الحرب على غزة
وإذ لفت إلى وجود سؤال كبير حول رد فعل الناس بعد كل ما سيحصل، قال: "الأكيد هناك ناس تعبت وأرهقت وتريد أن تنتهي الحرب، لكن هناك أشخاصًا خسروا كل ما لديهم، ويمتلكون مشاعر شديدة بالرفض والحقد على كل ما تمثله إسرائيل"، مشدّدًا على أنّ أي تحليل في اتجاه ترتيبات سلسة ومرنة ستحدث لا يبدو واقعيًا اليوم.
وذكّر بشارة بأنّ إسرائيل لم تكن يومًا جاهزة لدفع أعباء الاحتلال بل كانت تريد الاستفادة من الاحتلال، بدليل أنّ قادة إسرائيل لم يستثمروا في المناطق المحتلة مثل باقي الاحتلالات. وأضاف: "هم غير مستعدّين للدفع والاستثمار في منطقة محتلة لأن عقليتهم كلها مبنية على الاستيطان والتهجير وليس على التطوير أو التنمية كباقي أنواع الاحتلال".
وذكّر بأنّ الإسرائيليين غير جاهزين أن يدفعوا أي قرش في المناطق المحتلة، "بل إنّهم يجبون ضرائب من السكان ولا يسلمونها بل يسرقون جزءًا منها".
ورأى أنّ القيادات الفلسطينية ضيّعت فرصة بعد فرصة للوحدة، مشدّدًا على أنّه "لا يمكن لا حكم غزة ولا الضفة بدون وحدة فلسطينية إلى حين بناء ديمقراطية وتعددية"، لكنه قال: "لا نستطيع لوم أحد على تفويت هذه الفرصة".
المقاومة لم تقدّم بعد كل ما لديها
وفي سياق حديثه عن صمود المقاومة الفلسطينية في الميدان، جدّد المفكر العربي عزمي بشارة التأكيد على أنّ "لا مقارنة بين قدرات المقاومة وقدرات إسرائيل".
وشرح أنّ لدى إسرائيل أسلحة لم تزود الولايات المتحدة أحدًا غيرها بها على الإطلاق، بما فيها دول الناتو، في حين أنّ المقاومة تحت الحصار، واستطاعت أن تنجز ما أنجزته، معتبرًا أن ذلك بحدّ ذاته إنجازًا يسجَّل للمقاومة.
واعتبر بشارة أنّ "لا مخرج سوى النضال"، مشيرًا إلى أنّ المقاومين يسجّلون الآن سطورًا في البطولة والتضحية، منوّهًا بالتصميم الذي يمتلكونه، ولا سيما بعدما حوّلت إسرائيل الصراع إلى قصة "حياة أو موت"، عدا عن أنّهم مؤمنون بما يقومون به.
وفيما أعرب عن اعتقاده بأنّ المعركة مستمرة، جزم بأنّ إسرائيل لم تواجه بعد كل ما هو موجود ومجهّز للمواجهة. ولفت إلى أنّ هناك عشرات آلاف الشباب المسلح الذين كانوا يتدربون كل الوقت بانتظار هذه اللحظة التي تنزل فيها إسرائيل إلى البرّ.
وقال: "لا أعتقد أنهم قدّموا كل ما عندهم، ومع ذلك فإنّ ما قدّموه كبير بكل الحسابات".
الخطاب الإعلامي للمقاومة "لا يرتقي للبطولات"
في المقابل، رأى مدير عام المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات أنّ الخطاب الإعلامي للمقاومة لا يرتقي لدرجة البطولات التي يسطّرها هؤلاء المقاومون.
وشدّد على أنّ اللغة المستخدَمة في هذا الخطاب يجب أن تكون مدروسة بعناية، وبصيغة لا تؤخذ عليها مؤاخذات قد تخدم السردية المعادية.
وأوضح أنّ الخطاب الإعلامي يجب أن يرتقي لدرجة النضال والتضحيات وما يقدمه الشعب بأسره وليس المقاومين فحسب، وبالتالي فالخطاب يجب أن يكون على مستوى تضحيات المقاومة والشعب أيضًا، ويجب أن يكون بلغة عدالة القضية التي يدافعون عنها.
وفيما اعتبر أنّ هنالك الكثير الذي يجب فعله لترقية الخطاب الإعلامي، دعا إلى التمييز بين مضمون الخطاب الرسمي، ومضمون خطاب الناس، شارحًا أنّ الإنسان تحت القصف لا يُلام، حتى لو شتم، رافضًا بهذا المعنى المزايدة على الناس ومآسيهم.
وإذ شدّد على أنّ المطلوب بعض المسؤولية والتواضع في التعامل مع ما يمرّ به السكان في قطاع غزة، لفت إلى أنّ القضية عادلة والمقاومة بطلة والشعب صابر، ولذلك يجب ترقية الخطاب الرسمي للمقاومة بحيث يتلاءم مع ذلك.
صفقة تبادل الأسرى ليست "أولوية" لنتنياهو
على صعيد ما يُحكى عن صفقة تبادل الأسرى والمفاوضات الجارية لإبرامها، جدّد الدكتور عزمي بشارة القول إنّ هذا الموضوع لا يحتل الأولوية لدى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وأنّه ثانوي في تفكيره.
ولفت إلى أنّ القضية الرئيسية بالنسبة لنتنياهو تبقى الخطة العسكرية، "وربما في عقله الباطني يريد التخلص من قضية الأسرى حتى لو انتهى بهم المطاف قتلًا بقصف إسرائيلي أو غيره". لكنه لفت إلى أنّ الضغط الشعبي كبير ولذلك هو مضطر أن يقول إنها من أولوياته.
إلا أنّ بشارة لاحظ أنّ كل السلوك حتى الآن مناقض لذلك، ولا سيما في ظلّ القصف العشوائي على قطاع غزة، إضافة إلى فحوى المناقشات التي وصلت لحدّ طرح مقايضة بين عدد الأسرى أو الرهائن وأيام الهدنة الإنسانية. وقال: "هذا نقاش قيادات لا يهمّها كثيرًا حياة الأسرى".
وفيما لفت إلى وجود كلام يقال للإعلام ولأهالي الأسرى الذين بدأوا يتظاهرون وكلام آخر يجري في التفاوض، لاحظ أنّ مطلب تحرير الجميع مقابل الجميع لا يؤخذ بجدية، رغم أنّه يحلّ المشكلة، وأنّ أهالي الأسرى يطالبون به في المظاهرات.
محاولة لفرض حالة من الرعب في الضفة
وتطرق الدكتور عزمي بشارة في سياق حديثه لـ"العربي"، إلى ما يجري في الضفة الغربية من حراك متصاعد عبر عمليات عسكرية واقتحامات إسرائيلية، فلفت إلى أنّ الهدف الرئيسي منه عسكريًا ألا يكون هناك جبهات مفتوحة غير غزة، وحتى لا يضطروا لإرسال ألوية كاملة من الجيش لترابط في تلك المناطق.
لكنّ بشارة تحدّث عن جانب آخر للموضوع، يتمثّل في استغلال الأوضاع والتوتر من طرف المستوطنين لتحقيق إنجازات على الأرض من ناحيتهم، موضحًا في هذا السياق أنّ أمثال الوزير المتطرف إيتمار بن غفير الذي وصفه بـ"المجنون"، يستغلون الوضع للتضييق على الفلسطينيين أكثر ودفعهم نحو المغادرة، متحدّثًا عن ثأرية قبلية يمارسونها عبر استغلال التوتر الحالي.
وفيما اعتبر الأمر محاولة لفرض حالة من الرعب وفي ظل ذلك تصفية جيوب مقاومة، شدّد على أنّ كل الضفة تناضل وتتضامن مع قطاع غزة، وأنّها تعيش منذ عام تقريبًا حالة انتفاضة بظروف ما بعد أوسلو.
القمة العربية أفرزت قرارًا عمليًا واحدًا
بالانتقال إلى القمة العربية التي عقدت في السعودية السبت، لفت بشارة إلى أنّ التوقعات لم تكن كبيرة أصلًا من قمة يجتمع فيها قادة منقسمون على بعضهم، لافتًا إلى أنّه على المستوى الشعبي، يبرز دائمًا الموقف الساخر والمستهزئ الذي لا يتوقع شيئًا من القمم العربية.
لكنّه اعتبر أنّ القمة ترجمت وضعًا فيه إنجاز توازيًا مع ما حصل في 7 أكتوبر، حيث عادت القضية الفلسطينية إلى الواجهة، مذكّرًا بأنّ الأجواء التي كانت قبل شهرين من الآن تتلخص بأن قضية فلسطين انتهت ولم تعد تحتل أهمية في القمم العربية، بل أنّ التطبيع على قدم وساق من دون حلّها، في حين أنّها تلتئم اليوم فقط من أجل فلسطين.
وفيما اعتبر أنّ البيان الختامي كان يجب أن يتضمّن الإشارة إلى الحقّ بالمقاومة، لفت إلى أن تكرار بعض الأمور، من قبيل أنّ السلام العادل غير ممكن بدون حل القضية الفلسطينية، ضروري لأنه يصبح نوعًا من البديهيات التي تثبّت. كما نوّه أيضًا برفض القمة بشكل قاطع لخطاب الدول الأوروبية والولايات المتحدة بشأن الدفاع عن النفس.
وبمعزل عن الرهان على محكمة الجنايات الدولية، ودعوته إلى كشف ما وصفه بـ"تلوّن" المدّعي العام كريم خان وخضوعه لإسرائيل، أشار بشارة إلى أنّ القمة العربية أفرزت قرارًا عمليًا واحدًا هو كسر الحصار المفروض على قطاع غزة.
كسر الحصار المفروض على قطاع غزة
وقال: "هناك احتضان ووقوف مع مصر لكي تكسر الحصار بمعنى ألا يكون الدعم الإنساني والإغاثي مرهونًا بالموافقة الإسرائيلية"، مشدّدًا على أنّ "المهم ألا يبقى هذا الموضوع رهينة الإرادة الإسرائيلية التي هي بدورها رهينة التكتيكات العسكرية".
وإذ لفت إلى أن تجويع الناس جزء من الخطة العسكرية للاستسلام والهجرة، قال: "يجب أن يُكسَر الحصار على الأقلّ في قضايا الإغاثة الإنسانية واستقبال الجرحى بدون الارتهان للخطة العسكرية الإسرائيلية".
وفيما وصف ذلك بأنه "أضعف الإيمان" في ظل ما يحصل في غزة حيث تقصف المستشفيات والنساء والأطفال يُقتَلون، أعرب عن أمله في أن ينفّذ هذا القرار.
من جهة ثانية، أعرب بشارة عن اعتقاده بوجود قناعة عند أصحاب القرار بأنّ النفط لن يُستخدَم كسلاح، لافتًا إلى أنّ بعض الدول العربية لا يهمّها ما سيحصل ولا تجد نفسها معنية. وأضاف: "في الأيام العادية ليس لدينا أي توقعات من هذه الدول التي لا تقبل أصلًا بكل مفهوم المقاومة، لكن المطلوب اليوم أن نسعى لتحصيل أفضل ما يمكن في ظروف قطاع غزة".
خطاب محمود عباس "المخيّب"
وردًا على سؤال، انتقد الدكتور عزمي بشارة خطاب الرئيس الفلسطيني محمود عباس، حول استعداده لتسلم زمام الأمور في قطاع غزة، وحول الانتخابات العامة في فلسطين، واصفًا إياه بـ"المخيّب".
وفيما أشار إلى أنّ التوقعات لم تكن كبيرة من عباس، لفت إلى أنّ "أبو مازن في هذه اللحظة التاريخية كان يفترض أن يقول كلامًا مختلفًا". وإذ استغرب طلب عباس من الدول العربية التمويل المكسور منذ سنوات للسلطة، قال: "هذا كلام لا يقال في مثل هذه المناسبة".
وشدّد بشارة على أنّ السلطة الفلسطينية ليست بمجملها بهذا الشكل، مستشهدًا بخطاب رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية الذي قال في باريس ما يجب أن يقال في مثل هذه الظروف.
وسأل عن نقاط الاختلاف بين خطاب محمود عباس في هذه المناسبة وخطابه قبل شهرين أو ثلاثة أشهر مثلًا، ليجيب: "لم ألاحظ أنّ هناك فرقًا في حين أنه يفترض أنه العنوان، وهو المتكلم الأول". وخلص إلى أنّ "هذا محمود عباس ولن يتغيّر الآن".
الموقف الأميركي "الشريك" لإسرائيل
بالانتقال إلى تطور الموقف الأميركي من العدوان الإسرائيلي، اعتبر المفكر العربي عزمي بشارة أنّ الولايات المتحدة ما زالت تشارك إسرائيل أهدافها في الحرب على غزة، ولا سيما لجهة "القضاء على حركة حماس".
لكنّه أعرب عن اعتقاده بوجود مشاكل داخلية حقيقية بدأت تواجه إدارة الرئيس جو بايدن لا تتعلق فقط بأصوات العرب والمسلمين في الولايات المتحدة، ولكن حتى بالتيار اليساري داخل الحزب الديمقراطي.
وتحدّث في هذا السياق عن بعض الحرج الأميركي أمام الرأي العام الأميركي نفسه الذي بدأ يتحرك، إلا أنّه شدّد على أنّ الدعم العسكري الأميركي غير مشروط، مؤكدًا أنّ إسرائيل غير قادرة على أن تتقدم خطوة إلى الأمام بلا دعم واشنطن.
وفيما رأى أنّ الضغط في الولايات المتحدة من قبل القوى الديمقراطية المؤيدة لعدالة قضية فلسطين يجب أن يستمرّ، اعتبر أنّ ما يُحكى عن ضغط أميركي في المقابل على نتنياهو ليس حقيقيًا بعد، بل لا يزال في لغة "إسداء النصح".
وأكّد أن نتنياهو لن يكترث بذلك، إلا إذا أصبح الضغط حقيقيًا، مشيرًا إلى أنّ عاملين يمكن أن يغيّرا الموقف الأميركي، وهما موقف عربي حقيقي ومؤثر، وهو ما لم يحصل، إضافة على الضغط الذي يقدمه الرأي العام العالمي، وهو ما بدأ بالظهور بشكل أو بآخر.
ولفت بشارة في هذا السياق إلى تعمّد نتنياهو وصف حركة حماس بـ"داعش" (تنظيم الدولة) في أكثر من مناسبة، وذلك للغمز من قناة الحرب الغربية على التنظيم، وللقول إنه عندما تواجه خصمًا مثل داعش لا يوجد أي اعتبارات، في إشارة إلى قصف الموصل وما فعلته الولايات المتحدة.
"تمايز" الموقف الفرنسي
ونوّه الدكتور عزمي بشارة بهامش التظاهرات التضامنية مع غزة التي تشهدها العديد من العواصم حول العالم، رغم كل التهديد والتضييق، مشيرًا إلى أنّ هذا الهامش يبدو فاعلًا في الولايات المتحدة وأوروبا.
وإذ نفى وجود تمايز بين الموقفين الأوروبي والأميركي، لفت إلى أنّ "التمايز الفرنسي" ليس بجديد. وأوضح أنّ فرنسا تحاول أن تحافظ على صيغة دولة عظمى مستقلة، مذكّرًا بأنّ شارل ديغول هو الذي بدأ هذا التقليد في قضية فلسطين بعد حرب 1967.
ولفت إلى أنّهم "منذ ذلك الوقت يحاولون أن يحافظوا على موقف مختلف عن بريطانيا والولايات المتحدة"، مشيرًا إلى أنّ الرئيس إيمانويل ماكرون يقوم به بخجل، وقد خرج عن الإجماع بقوله إنه يؤيد وقف إطلاق النار.
لكن حتى لا يفسّر ذلك على أنه موقف أوروبي، لاحظ بشارة أنّ المستشار الألماني أولاف شولتس سارع إلى التصريح إنه ضد وقف إطلاق النار، وكأنه هو الذي يحارب، معتبرًا أنّ ذلك كان إشارة على أن الاتحاد الأوروبي موقفه ليس كموقف فرنسا.
ولفت إلى وجود بعض الأصوات الإيجابية حول العالم، ومنها مواقف إسبانيا وأيرلندا والنرويج، التي وصفها بالجيّدة، أعرب عن اعتقاده بأنّ الولايات المتحدة ما زالت تفرض بالمجمل آراءها على أوروبا.
وفيما اعتبر أنّ إسرائيل تعنيها المواقف الأوروبية بعض الشيء لكن ما يعنيها فعليًا هو موقف واشنطن فقط، قلّل من شأن النقد الأوروبي، مضيفًا: "مشكلتنا مع أوروبا أنها تعطي امتيازات لإسرائيل كأنها نصف عضو في الاتحاد الأوروبي، لكن في الحقيقة يكفينا أن توقف هذه الامتيازات".
جيل الشباب ووسائل التواصل والأحكام الأخلاقية
وفي سياق تحليله للحركات التضامنية حول العالم، لفت بشارة إلى ظاهرة بدأت بالظهور حديثًا، خصوصًا عند جيل الشباب، تتمثل في كونه لم يعد أسيرًا للمعسكرات الأيديولوجية كما في السابق، وهو ما يعكس تطورًا جوهريًا للإنسانية.
وأشار إلى أنّ هذا الجيل يحكم على الأشياء بصفتها العامة، سواء كانت مقبولة أم لا، أو عادلة أم لا، وبالتالي فإنّ أحكامه تكون أخلاقية بصورة أو بأخرى، معتبرًا أنّ هذا ما حرّك الشباب في العديد من القضايا، ومنها قضايا البيئة وغيرها، واصفًا الأمر بأنّه تطور إيجابي جدًا، وتضامن أخلاقي ضد الظلم.
ولفت إلى أنّ الجدلية نفسها تسري على وسائل التواصل الاجتماعي، التي وصف علاقته بها بـ"المزدوجة"، فهي أحيانًا تكون مجمع نفايات، وعبارة عن كارثة حقيقية، ولكن يوجد فيها جانب إيجابي يتمثل في إيجاد منصات بديلة احتجاجية ناقدة معارضة.
واعتبر بشارة أنّ ذلك لعب دورًا مهمًا لصالح الشعب الفلسطيني، ولا سيما أنّ وسائل الإعلام الرئيسية كانت مجنّدة ومعبّأة مع الإعلام الرسمي، فكانت هذه الوسائل تقدّم الصورة الغائبة عن الإعلام التقليدي، علمًا أنّ الصورة والفيديو لعبا أيضًا دورًا أساسيًا في هذا المضمار.
ورأى بشارة أنّ تحريك الشارع والقوى الديمقراطية والليبرالية واليسارية بهذا الشكل شكّل فارقًا وغيّر الصورة، ولو أنّه لم يشكّل ضغطًا كافيًا بعد لتغيير سياسة الحكومات.
ولفت في هذا السياق إلى أخطاء يرتكبها الإسرائيليون تخدم السردية الفلسطينية، خصوصًا أنّ الإعلام لم يعد أسيرًا لهم تمامًا، مشيرًا إلى أنّ مفترق الطرق كان يوم 17-10 يوم قصف المستشفى المعمداني، الذي كشف الكذب الإسرائيلي، وأثار الكثير من علامات الاستفهام.
لكن بشارة لاحظ أنّ قصف المستشفيات لم يتوقف بعد ذلك بل زاد، معتبرًا انطلاقًا من ذلك أنّ استمرار التظاهر في الولايات المتحدة وتحريك التيار اليساري في الحزب الديمقراطي ضروري من أجل التأثير على الحكومات، مشدّدًا على أنّ الشعب الفلسطيني ليس وحده وله حلفاء في كل دول العالم.
الدول تتصرف بموجب مصالحها
وفي ختام حديثه لـ"العربي"، تطرق بشارة إلى جدلية القانون الدولي والقيم وغير ذلك، فلفت إلى أنّ الضحايا في كل مكان يتشبثون بما يمكن التشبث به لناحية العدالة والمساواة وغيرها من القيم.
وأقرّ بأنّ القانون الدولي يحافظ على نوع من النظام في العالم، لكنه لفت إلى أنه لا يوجد من يفرضه، موضحًا أنّه "عندما تدخل دول قوية وتفرض ما تريد لن يردعها أحد".
وأوضح أنّ القيم لها مرجعيات لكن على المستوى العالمي يجب أن يكون هناك من يدافع عنها، مذكّرًا بأنّ "الدول الاستعمارية كانت دائمًا تتحدث عن القيم الكونية". ولفت إلى أنّ حق تقرير المصير للشعوب جاء من الغرب وهو قيمة تاريخية.
وقال: "نستغل الفجوة بين الكلام والممارسة لنذكّرهم بكلامهم، وعلى هذا الأساس تجري المظاهرات في الغرب، علمًا أنّ النضال ضد الاحتلال شيء حديث".
ولفت إلى أنّ الدول تتصرف بموجب مصالحها، لكن يجب محاكمتها أخلاقيًا حين تكيل بمكيالين، كما يحصل اليوم بين أوكرانيا وفلسطين، واختلاف التعاطي معهما.
تجدون في الفيديو المرفق المقابلة مع المفكر العربي عزمي بشارة، مدير المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ضمن التغطية الخاصة والمتواصلة لتطورات الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.