أكد المفكّر العربي عزمي بشارة، مدير عام المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، أنّ استهداف المدنيين في غزة مقصود ومتعمد منذ بداية الحرب، واصفًا ما يجري في القطاع بأنّه غير مسبوق في تاريخ الحروب المعاصرة.
وانتقد بشارة في حديث إلى "العربي"، الموقف الغربي، ولا سيما الأميركي، المتماهي مع الاحتلال، مشيرًا إلى أنّ الرفض العلني لوقف إطلاق النار يعني الموافقة على جريمة حرب طويلة وممتدة، معتبرًا أنّ حدوث تغير كبير في الرأي العام الأميركي قد يدفع باتجاه مراجعة لموقف الإدارة الأميركية من الحرب.
واعتبر أنّ الهدف الأساسي من الحرب الذي يوجد عليه إجماع في داخل إسرائيل، ومع الولايات المتحدة، هو القضاء على حركة حماس، مشدّدًا على أنّ موضوع إطلاق سراح الأسرى والرهائن هو تابع لهذا الهدف، وليس أولوية فعليّة للإسرائيليّين في الوقت الحالي، على الرغم من الضغط الشعبي.
وفي إشارة إلى اللقاء الذي جمع وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن بعدد من نظرائه العرب في العاصمة الأردنية عمّان، لفت إلى أنّ بلينكن أراد نقاش من سيأتي لحكم غزة بعد حماس إلا أن الوزراء العرب رفضوا هذا الخوض في هذا الملف، محذّرًا من أنّ هذا الملف هو كطرح سؤال حول من سيأتي على ظهر دبابة إسرائيلية لحكم القطاع.
وتطرق بشارة إلى موقف الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله، حيث لفت إلى أنه لم يكن متوقعًا منه أن يعلن الحرب على إسرائيل في خطاب، وليس مطلوبًا منه ذلك. وإذ لفت إلى وجود أغلبية لبنانية ضدّ الحرب، تساءل عن مدى قدرة أيّ معركة على تغيير طبيعة الحرب الدائرة في غزة.
وفيما اعتبر أنّ مثل هذه الأمور لا تُعالَج بطرق انفعالية عبر مواقع التواصل، لفت إلى وجود أصوات إسرائيلية كثيرة تدعو إلى ضرب حزب الله بعد غزة، خصوصًا بعد تغيير قواعد الاشتباك، مشدّدًا على أن السقف الذي يمكن الوصول إليه قبل إعلان حرب بات أعلى بكثير من السابق.
وفيما ذكّر بأنّ عملية طوفان الأقصى جاءت في جانب منها بسبب ما يجري في الضفة من اقتحامات متكررة وعمليات استيطان، لفت إلى الدور الذي يجب أن تلعبه السلطة الفلسطينية في المواجهة، معتبرًا أنّها مطالَبة بالحدّ الأدنى بالدفاع عن الفلسطينيين أمام هجمات المستوطنين المتواصلة.
قاعدة غير أخلاقية وعقاب جماعي للسكان
في حديثه إلى "العربي"، انطلق بشارة من الدعوة إلى عدم الاعتياد على المجازر والتطبيع معها، مشيرًا إلى أنّ ما يحصل على مستوى العدوان على غزة هو أمر غير مسبوق في الحروب التي نعرفها.
وأوضح أنّ هذا النوع من الحروب الهمجية الشاملة على شعب بأسره غير مسبوق، مشدّدًا على أنّ ما يتحمله الناس في غزة فوق طاقة البشر. ولفت إلى ما وصفها بـ"القاعدة غير الأخلاقية" التي وُضِعت لهذه الحرب منذ بدايتها، والتي تجلّت بتصريحات قادة الاحتلال غير الأخلاقية وغير المعتادة.
وذكّر بشارة في هذا السياق بقول الرئيس الإسرائيلي إسحق هرتسوغ إنه لا يوجد أشخاص أبرياء في غزة، من دون أن يستنكر أحد كلامه الهمجي والبربري، ووزير الأمن يوآف غالانت الذي قال إننا نتعامل مع حيوانات بشرية، إلى آخره من الساسة الذين تناوبوا على الحديث بهذا الشكل، من دون أيّ حسيب أو رقيب.
واعتبر انطلاقًا من ذلك، أنّ ما يجري في غزة هو عقاب جماعي للمدنيين والسكان، لكي لا يتكرر ما يحصل، وليعبّروا عن نقمتهم على من كان السبب به في نظر إسرائيل أي حركة حماس، مشيرًا إلى أنّ معاقبة المدنيين والسكان لتحقيق أهداف سياسية تكرر في التاريخ الصهيوني، لكن ليس بهذا الحجم.
كيف يُفهَم الرفض العلني والسافر لوقف إطلاق النار؟
وفيما أقرّ الدكتور بشارة بوجود مزاج عام إسرائيلي مؤيد لهذا المنحى، اعتبر أنّه ناجم عن تغذيته بهذه المقولات من قبل القيادة. وأوضح أنّ هناك قابلية للعنصرية في الشارع الإسرائيلي، يجري تغذيتها من قبل القيادة، وكذلك في مناهج التدريس التي لا يتمّ فحصها بصورة عامة.
وباستثناء بعض الأصوات الديمقراطية الحرة أو الأخلاقية التي بدأت أخيرًا بالظهور في الإعلام بإيقاع أسرع من السابق، فإنّ الأمر المثير للغضب بحسب بشارة يكمن في غياب الإدانات الرسمية من جانب قادة الدول الغربية لقصف المستشفيات والمدارس، والمجازر التي يرتكبها الاحتلال فيها.
كما استهجن بشارة كذلك الرفض العلني والسافر لوقف إطلاق النار من قبل بعض القادة في الغرب، وهو ما يعني ضمنًا تأييدهم استمرار إسرائيل في الجريمة التي ترتكبها، أو بشكل أكثر تحديدًا، في جريمة الحرب الممتدة التي تشنّها إسرائيل بحق الفلسطينيين في قطاع غزة.
وبالحديث عن المزاج العام الإسرائيلي، لفت بشارة إلى أنّ الضغط الشعبي على رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو مرتبط بما حصل في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، مجدّدًا القول إنّ مستقبله السياسي قد انتهى عمليًا.
وفيما أشار إلى انعدام الثقة بين نتنياهو الذي يمثل القيادة السياسية من جهة، والقيادة العسكرية من جهة ثانية، اعتبر أنّ موضوع الأسرى يزيد كذلك من الضغط السياسي والشعبي على رئيس الحكومة الإسرائيلية.
ورأى أنّ نتنياهو يحاول فقط أن يكسب الوقت، مشدّدًا على أنّ حياته السياسية قد انتهت، وما يحصل الآن هو تمديد صناعي لها فقط، لافتًا إلى أنّ ذلك قد يكون من الأمور اليقينية القليلة في زمن الحرب.
أولوية الإسرائيليين.. "القضاء على حماس"
واعتبر بشارة أنّ الهدف الأساسي من الحرب الذي يوجد عليه إجماع في داخل إسرائيل، ومع الولايات المتحدة، هو القضاء على حركة حماس، موضحًا أنّ موضوع الأسرى والرهائن هو خاضع لهذا الهدف، وتابع له، وأنّ الحديث عنه ناجم عن ضغط شعبي يشكّله الأهالي ومن معهم.
وفيما رأى أنّ أولوية الإسرائيليين هي القضاء على حماس، وليست إطلاق الأسرى، شدّد على أنّ هذين الهدفين المعلنين للعدوان متناقضان في الصميم، ولا سيما أنّ العديد من الرهائن قد يلقون حتفهم في القصف والعمليات العسكرية، وهو ما حدث بالفعل، بحسب ما أعلنت حركة حماس.
وإذ جدّد بشارة القول إنّه لم يكن هناك من داعٍ أن يكون هناك مدنيون في قبضة الحركة، وأنّ هؤلاء يشكّلون عبئًا في مكانٍ ما، أعرب عن اعتقاده بأنّ الحركة كانت تريد الإفراج عنهم منذ البداية، إلا أنّ الاحتلال عقّد هذا الأمر من خلال القصف والتلويح بالاغتيالات.
ولفت إلى أنّ عدم الاستعداد لهدن طويلة المدى مؤشر على أنّ رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو لا يسعى فعليًا للإفراج عن الأسرى والرهائن، ولو لم يكن يجرؤ على قول ذلك صراحةً.
مبالغة حقيقية وشكل من النفاق
وتحدّث مدير عام المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات عن مبالغة حقيقية في موقف الرئيس الأميركي جو بايدن المتماهي مع موقف الاحتلال، والتي لا تفسير لها سوى أنّها شكل من النفاق.
وفيما لفت إلى وجود ميول حقيقية نحو الصهيونية لدى بايدن الذي صرّح مرارًا عن تعاطفه معها، كما قد يكون لديه نفور تجاه العرب والمسلمين، ولو لم يعبّر عنه صراحةً، شدّد على أنّ مثل هذا الأمر غير مبرّر، لافتًا في هذا السياق إلى حادثة طعن طفل فلسطيني في الولايات المتحدة.
ورأى بشارة أنّ الإجماع الأميركي الإسرائيلي على الحرب وأهدافها يجرّ خلفه إجماعًا أوروبيًا كذلك، معربًا عن اعتقاده بأنّ الأوروبيين يتصرّفون بشكل مخجل إزاء العدوان على غزة، واصفًا ذلك بأنه "وصمة عار" عليهم كحضارة بالدرجة الأولى.
بين اجتياح غزة وصمود المقاومة
وتطرق المفكر العربي عزمي بشارة في سياق حديثه إلى "العربي"، إلى العملية البرية الإسرائيلية، حيث أعرب عن اعتقاده بأنّ الاحتلال يعمل على مراحل، ويأخذ بالاعتبار الثمن الناجم عن مقاومة الطرف الآخر، ولذلك ربما يتجنّب الاجتياح الكامل والواسع دفعة واحدة.
وفيما رأى أن الإستراتيجية التي يعتمدها الاحتلال في هذا الصدد تدلّ على أنه أخذ في الاعتبار وجود مقاومة فلسطينية، وأنّه يريد التقدم وتحقيق هدفه بأقلّ حجم من الخسائر، شدّد على أن المقاومة في المقابل حقيقية، وهي ستشتدّ بطبيعة الحال، ما يعني أنّ اجتياح غزة لن يكون سهلاً أو رخيصًا.
ومع اعتباره أنّ الموقف الأميركي والأوروبي يشجّع إسرائيل على المضيّ بتحقيق الأهداف المتفق عليها من الحرب، وهي القضاء على حماس، في حين يكتفي الموقف العربي بالاستنكار في أقصى الحالات، لفت إلى وجود عاملين متغيّرين في المعادلة تأخذهما إسرائيل بالاعتبار، وهما المقاومة بالدرجة الأولى، ولكن أيضًا التغيرات في الرأي العام العربي والدولي.
وأكد الدكتور بشارة أنّ صمود المقاومة في هذه الحرب كان متوقَّعًا، مشيرًا إلى أنّ الإسرائيليين أنفسهم يعرفون ذلك، وهم أدركوا يوم السابع من أكتوبر أنّهم لم يعرفوا حقيقة المقاومين.
وأوضح أن الإسرائيليين لم يكن لديهم أيّ معلومات تشي بما قد يحدث في السابع من أكتوبر، وهو ما يمكن أن ينسحب ويسري على بقية الأمور والاستحقاقات، بما فيها ما تستطيع المقاومة فعله اليوم في غزة.
واعتبر بشارة أنّهم يعوّضون عن إخفاقهم الاستخباراتي وجهلهم بالمعلومات بالقصف الهمجي الواسع، لدرجة أنّهم يبرّرون قصف المستشفيات والمدارس بذريعة أنّهم يفترضون وجود مقاومين فيها، من دون أيّ دليل على ذلك.
الهدنة الإنسانية وإطلاق الأسرى
وفي قراءته لملف مفاوضات تبادل الأسرى، أشار بشارة إلى أنّ كتائب القسام أعلنت موافقتها على فكرة إطلاق سراح جميع الرهائن الموجودين في قبضتها، مقابل جميع الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال.
ومع أنّ مثل هذا الأمر قد لا يبدو خياليًا، إلا أنّ بشارة جزم بأنّ صنّاع القرار في إسرائيل لا يوافقون على مثل هذه الصفقة، لأنها ستُعتبَر إنجازًا لمن قاموا بعملية "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر.
واعتبر أنّ المشكلة ليست في عدد الأسرى الفلسطينيين الذين قد يُطلَق سراحهم في مقابل الأسرى لدى حماس، وإنما في الشروط التي تضعها إسرائيل في هذا السياق، لافتًا إلى رفضها لأيّ حديث عن هدنة لأكثر من 24 ساعة، أي أنها لا تريد أن يرتاح الشعب في غزة، في حين أنّ الهدن الإنسانية تحصل في كل الحروب، بأسرى ومن دونهم.
وأشار أيضًا إلى موضوع الوقود الذي تستخدمه إسرائيل للتضييق على الفلسطينيين، بذريعة محاصرة حركة حماس، معتبرًا أنّ ما يريدونه فعليًا هو مواصلة الضغط على الشعب الفلسطيني، لأنّ ذلك يؤثر على المقاومة أيضًا، ولا سيما إذا ما شكّل ضغطًا وتسبّب في بعض السلوكيات كالهجرة.
ولفت بشارة إلى أنّ المقاومة لم تكن مطّلعة على كل ما يجري داخل غزة أثناء عملية طوفان الأقصى، متحدّثًا عن ارتكابات حصلت يوم السابع من أكتوبر هي ليست مسؤولة عنها، بما في ذلك بعض حالات الخطف.
وأشار في هذا السياق إلى أنّ أيام الهدنة التي يتم المطالبة بها ليست فقط للتنفس والتخفيف عن الناس، ولكن أيضًا لجمع الرهائن تحضيرًا لأيّ صفقة، وهو ما لا تتفهمه إسرائيل.
هل تستنسخ إسرائيل سيناريو 1948 في غزة؟
وفي سياق متصل، أكد الدكتور عزمي بشارة أنّ إسرائيل لديها خطط تهجير دائمة، معتبرًا أنّ موضوع الترانسفير محبب في تاريخ الفكر الصهيوني.
وذكّر بما جرى عام 1948 في هذا السياق من تهجير بشكل منهجي، والذي كان مبنيًا على خطط وفكر، بمعنى أنّك أقلية في بلد ولكي تصبح أكثرية، يجب أن تهجّر غالبية السكان، ويفضّل أن تهجّرهم جميعهم، حتى إنّ هناك تعبيرات عن ندم على إبقاء بعض العرب في الداخل وقد أصبحوا الآن أكثر من مليون.
لكن في حالة الفلسطينيين في حدود 1967، أي الضفة الغربية وقطاع غزة، أعرب بشارة عن اعتقاده بأنّ الاحتلال لن يتمكّن من تهجير السكان بالقوة، لكنّه أشار إلى أنّ ثمّة هجرة تحصل فعلًا، نتيجة التضييق على حياة الناس، وهو يرقى لمستوى التهجير غير المباشر. واستشهد في هذا السياق بحصار غزة، الذي دفع الكثير من أهالي القطاع إلى الهجرة، وهذا أمر طبيعي.
ورأى بشارة أنّ تهجير أهل غزة بالقوة، عبر استنساخ سيناريو 1948، من خلال وضعهم في الشاحنات ونقلهم إلى سيناء على سبيل المثال، هو حلم يتوخى تحقيقه العديد من الصهاينة بلا شكّ، لكن طالما أنّ مصر ترفض ذلك، وأنّ الشعب الفلسطيني واعٍ لما جرى عام 1948، فإنّ ذلك يبدو متعذّرًا، إلا إذا حصلت مذبحة شاملة Genocide، أو حصل تواطؤ من الطرف الآخر مع دولة عربية أخرى، وهذا يبدو صعبًا في هذه المرحلة.
نقاش "اليوم التالي" لانتهاء الحرب في غزة
وأشار من جهة ثانية، إلى أنه إذا حصل تغيّر كبير على مستوى الرأي العام الأميركي، وهو ليس مستبعَدًا، رغم الدور الذي يلعبه الإعلام الغربي المنخرط في الدعاية الإسرائيلية، فقد يدفع ذلك باتجاه مراجعة موقف الإدارة الأميركية من الحرب.
أما الأمر الثاني الذي قد يُحدِث تغييرًا، بحسب بشارة، فهو أن تقوم الدول العربية باتخاذ خطوات فعلية، وعدم الاكتفاء باستنكار العدوان والمجازر. وأوضح أنّ القضية الفلسطينية هي عامل عدم استقرار بالنسبة للإدارة الأميركية، لكن التفكير يجب أن يكون في حلّها، وليس في القضاء عليها، أو تهميشها.
ورأى استنادًا إلى ما تقدّم، أنّه إذا اتخذ العرب إجراءات وخطوات حقيقية، على الأقلّ بالموقف من إسرائيل والانفتاح عليها، ومن مسار التطبيع معها، فذلك سيؤثر كثيرًا على الأميركيين.
وبالحديث عن اللقاء الذي جمع وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن بعدد من نظرائه العرب، لفت إلى أنه أراد أن يناقش مع العرب موضوع اليوم التالي للحرب، لكن يبدو أنّه سمع كلامًا مختلفًا، وأنّهم رفضوا نقاش هذا الموضوع، وطالبوا ببحث موضوع وقف إطلاق النار حصرًا، واصفًا ذلك بأنه مؤشّر جيّد.
وفي هذا السياق، حذر بشارة من أن نقاش "اليوم التالي" لانتهاء الحرب على غزة، من جانب الأميركيين، هو سؤال حول من سيأتي على ظهر دبابة إسرائيلية لحكم قطاع غزة.
الموقف التركي والغطرسة الإسرائيلية
وتعليقًا على الموقف التركي، لفت إلى أنّ الرئيس رجب طيب أردوغان أخذ مواقف متقدّمة وممتازة من الناحية الخطابية في المرحلة الثانية من الحرب، لكن بقيت الخطوات الجدية غائبة.
وفيما اعتبر أنّ تركيا بلد مهمّ، وبإمكانها أن تتّخذ خطوات مهمة، أشار إلى أنه إذا أكملت إسرائيل مخططها مع الولايات المتحدة، فإنّ تعاملها مع الجميع سيختلف، بما في ذلك الرئيس أردوغان والدول العربية.
وشدّد على أنّ الجميع له مصلحة في عدم تحقيق إسرائيل نواياها، لأن الغطرسة الإسرائيلية لن يكون لها حدود، وسيكون لها تبعاتها في علاقاتها مع الجميع من دون استثناء.
وثمّن بشارة المواقف المبدئية الصادرة عن بعض القوى في أميركا اللاتينية، نصرة لغزة وللقضية الفلسطينية، مشيرًا إلى أنّ هؤلاء يدفعون ثمن هذه المواقف، بوجود لوبي إسرائيلي يحرّض عليهم.
إيران بين دعم المقاومة والحسابات الإقليمية
وبالانتقال إلى دول الإقليم، أعرب بشارة عن اعتقاده بأنّ إيران ليست لديها نيّة خوض الحرب كما هو واضح، مشيرًا إلى أنّه يصدّق أنّ كتائب القسام عندما أطلقت عملية طوفان الأقصى لم تشاور إيران أو حزب الله، وربما لم تشاور القيادة السياسية في الخارج.
وميّز بشارة بين موقف إيران من القضية الفلسطينية، ومواقفها من دول ومحاور أخرى في المنطقة، وتحديدًا مواقفها في اليمن وفي العراق وفي سوريا، وهي مواقف لها علاقة بأمنها القومي ومصالحها، وهي مستعدّة أن تنشئ ميليشيات في دول ذات سيادة، ومستعدة أن تراهن على المشاعر الطائفية.
وفيما اعتبر أنّ الناقلات وحاملات الطائرات والبوارج جاءت إلى المنطقة لتحذير إيران وليس غزة، رأى أنّ إيران تعيد الرسائل، حيث تنتج فوريًا توازن ردع مع هذه البوارج، ما يعني أنّها توجّه رسائل في مقابل تلك الأميركية، بمعنى أنّها ليست هي التي بادرت، وهذا مرتبط أيضًا بنفوذها الإقليمي.
وأكد بشارة أنّ طهران تدعم حركات المقاومة بصورة عامة، لكنه شدد على وجوب عدم الاعتقاد بأنّ دولًا حقيقية، مثل إيران، تقوم بحساباتها بموجب توقعاتنا الأخلاقية بشأن دعم المقاومة، موضحًا أنّها داعمة لهذه الحركات، لكن لديها حسابات أكبر مرتبطة بمصالحها الإقليمية.
سوريا في ظلّ بشار الأسد.. خارج المعادلة؟
وتعليقًا على غياب أي موقف للنظام السوري ورئيسه بشار الأسد من الأحداث الجارية، اعتبر بشارة أنّ سوريا باتت خارج المعادلة، مشيرًا إلى أنّها أصبحت مرتعًا للطائرات الإسرائيلية واختراقاتها، وكذلك لميليشيات من كل العالم، وهي باتت ساحة، بعدما تحوّلت إلى دولة ذات دور إقليمي في وقت سابق خلال عهد حافظ الأسد.
ورأى أنّ ذلك نجم عن عدم قدرة رئيس النظام الحالي بشار الأسد على إدارة الأزمة بالإصلاح والتفاهم والمساومات والتنازلات، وإصراره على شنّ حرب شاملة على شعبه بهذا الشكل، وفي النتيجة، أصبحت سوريا عبارة عن خراب حقيقي.
لكنّه مع ذلك شدّد على أنّ الشعب السوري متضامن مع غزة، فهو يدرك أهمية قضية فلسطين لبلاد الشام، وهو يدرك معاناة الفلسطينيين.
ولفت إلى أنّ أهمية قضية فلسطين أنّها آخر قضية استعمارية في المنطقة، لذا يُفترض أن توحّد الشعوب والأنظمة.
خطاب نصر الله.. هل كان يجب أن يعلن الحرب؟
وتعليقًا على خطاب الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله، قال بشارة إنّه لم يكن متوقّعًا منه أن يعلن الحرب في خطابه، وليس مطلوبًا منه أيضًا أن يعلن ذلك، بمعزل عن الأسباب التي دفعت كثيرين إلى تضخيم التوقعات من الخطاب وما يمكن أن يدلي به.
وأشار إلى أنّ حزب الله في النهاية هو قوة لبنانية، وهناك أغلبية لبنانية بالتأكيد ضدّ الحرب، وقال: "ربما هذا الأمر لم يكن ضمن اعتباراته في الماضي، لكنه أصبح أكثر ضمن اعتباراته اليوم، بوصفه قوة سياسية تلبننت أكثر من السابق، ولا سيما بعدما دخلت الحكومة بعد 2006، وأصبحت ضمن موازين القوى اللبنانية، وساهمت بالتأكيد في ترسيم الحدود".
وشدّد على أنّ التناقض بين حزب الله وإسرائيل لا يزال أساسيًا، بدليل الحشد الذي يقوم به والذي لا يهدف للسيطرة على لبنان، وإنما لمواجهة إسرائيل، لافتًا إلى أنه أشعل الحدود في المواجهة الأخيرة، وقد شرح في خطابه بالأرقام كيف خفّف الضغط عن غزة وغير ذلك.
ورأى بشارة أنّ حزب الله يجعل إسرائيل تدفع ثمنًا من الجبهة الشمالية، لكنه أعرب عن اعتقاده بأنّ طبيعة المعركة في غزة لا تتغيّر نتيجة لتغيير يحصل في لبنان، بمعنى أنّ ما يحصل الآن على الحدود اللبنانية هو تغيير لقواعد الاشتباك، حيث أصبح السقف الذي يمكن الوصول إليه قبل إعلان حرب أعلى بكثير من السابق.
وأشار إلى أنّ إسرائيل دفعت ثمنًا أغلى بكثير ممّا حصل في تموز 2006، لكنّها لم تعلن حربًا، لأنها لا تريد حربًا أثناء انشغالها في غزة، كما أنّ اللبنانيين أيضًا لا يريدون الحرب في الوقت الحالي.
أصوات إسرائيلية تحرّض على ضرب حزب الله
وفيما أعرب عن اعتقاده بأنّ اشتعال الحرب في لبنان يمكن أن يدفّع إسرائيل ثمنًا أغلى، شكّك في قدرتها على تغيير طبيعة وقواعد الحرب في غزة. وقال: "في رأيي، لا يوجد جواب يقيني على هذا السؤال. تقديري الشخصي أنّها لن تغيّر قواعد الحرب، لكن قد يكون هناك اجتهادات أخرى في هذا الصدد قابلة للنقاش".
وأشار إلى أنّ مثل هذه الأمور لا تُحَلّ بكلام انفعالي على وسائل التواصل الاجتماعي، بل هي أعقد من ذلك، ويجب أن تُدرَس بدقّة، معربًا عن اعتقاده بأنّ حزب الله قادر على دراستها بدقّة. وأضاف: "على الأقلّ في هذا الموضوع لديهم خبرة".
وإذ لفت كذلك إلى وجود أصوات إسرائيلية كثيرة تدعو إلى ضرب حزب الله بعد غزة، خصوصًا بعد تهجير قسم كبير من سكان الشمال إلى مناطق أخرى، أعرب عن اعتقاده بأنّهم قد يذهبون في أحد اتجاهين، "إما انتظار فرصة لشنّ الحرب، أو تغيير قواعد اللعبة تمامًا، بعدما انتهت فكرة توازن الردع".
الحسم في الميدان.. هل من مبادرات سياسية؟
من جهة ثانية، تطرّق بشارة إلى إمكانية حصول مبادرات سياسية لوقف العدوان على غزة، فشدّد على أن الحسم ميداني وفق الموازين الحالية، مشيرًا إلى أنّه لا يتوقع وجود مبادرات سياسية قد تحلّ الأزمة، إلا بحال فرض وقف إطلاق النار نتيجة لبعض المتغيّرات، كازدياد الاحتجاج في الغرب، واتخاذ العالم العربي مواقف تضطر الولايات المتحدة إلى وقف إسرائيل عند حدّها.
لكنّ بشارة استبعد مبادرات سياسية من حركة حماس، مشيرًا إلى أنّه كان يتوقع منها أن تشرح ما جرى في السابع من أكتوبر، وأن يكون هناك سرديّة من جانبها في مقابل السردية الإسرائيلية، خصوصًا لناحية الرد على المزاعم والأضاليل الإسرائيلية حول الارتكابات التي جرت على هامش العملية.
وشدّد على أنّ القضية الرئيسية الآن هي المقاومة والصمود والميدان، والعمل على مستوى الرأي العام العربي والعالمي، وهو ما يحتاج إلى خطاب قابل للإقناع، معتبرًا أن المبادرات السياسية ليس وقتها حاليًا.
أحداث الضفة ودور السلطة الفلسطينية
وتوقف الدكتور بشارة عند التطورات المتصاعدة في الضفة الغربية، فلفت إلى أن أهل الضفة لا يتضامنون مع غزة فحسب، بل إنّ المعركة هي معركتهم أيضًا. وذكّر بأنّ عملية طوفان الأقصى جاءت في جانب منها، بسبب ما يجري في الضفة من اقتحامات متكررة وعمليات استيطان وغير ذلك من صدامات متصاعدة على مدار العام.
وفي حين تحدّث عن انتفاضة جارية في الضفة منذ عام، اعتبر أنّ المطلوب من السلطة هو اتخاذ مواقف وخطوات ولو بالحدّ الأدنى، لافتًا إلى أنّ اتفاق أوسلو، الذي جدّد رفضه بالمطلق، لم توقّعه السلطة مع المستوطنين المتطرفين، وبالتالي فإنّها مُطالَبة بالدفاع عن الفلسطينيين أمام هجمات المستوطنين المتواصلة.
وسأل عن موقع السلطة الفلسطينية في مستوى وقف الحرب على غزة، معتبرًا أنّ ما تقوم به السلطة على مستوى صنع القرار السياسي لا يبدو كافيًا، متسائلاً في هذا السياق كذلك عن دور السلطة في تشجيع مصر على فتح معبر رفح وإيصال المساعدات الإنسانية لقطاع غزة.
حراك شعبي دولي وتضييق على حرية التعبير
وبالانتقال إلى ما يحصل في أراضي 48 بالتوازي مع العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، أكد بشارة وجود تضييق واستغلال لظروف الحرب لتمرير أمور ما كانت لتمرّ في ظروف عادية.
وتحدّث عن تضييق على حرية التعبير بشكل غير مقبول في بعض المناطق، لافتًا إلى حصول اعتقالات بسبب منشورات على وسائل التواصل، بل إنّ هناك طلابًا يُفصَلون من الجامعات بسبب ذلك.
وأكد بشارة أهمية الحراك الشعبي الدولي نصرة لغزة، وتضامن القوى الديمقراطية والتقدمية والمتحررة في العالم مع قضية فلسطين، رغم كل ما يجري من غسل للأدمغة، ومحاولات تضييق وغير ذلك، وخصوصًا من أشخاص لا ينتمون للقومية العربية، ولا يشاركون حركة حماس قناعاتها ومعتقداتها.
ونوّه بمشاركة الكثير من اليهود في هذا النوع من الحراك الشعبي، مشدّدًا على أنّ قضية فلسطين ليست مع اليهود ولا مع اليهودية، فالمشكلة الفعلية هي مع الصهيونية ومع حركة الاستعمار. كما حيّا بعض المواقف الجريئة للبعض في الغرب، ممّن يغرّدون خارج السرب، كما فعلت المحررة في نيويورك تايمز التي استقالت من وظيفتها، بعدما خيّرت بين هذه الخطوة وبين سحب توقيعها على عريضة تستنكر قصف المستشفيات.