بعد انقضاء عشر سنواتٍ على الانتفاضة الشعبية في اليمن على الحكم وعلى تدهور الاقتصاد، يجد اليمن السعيد نفسه أمام واقعٍ قاسٍ، مريرٍ وصعبٍ على مختلف المستويات.
فمن أصل عشر سنواتٍ مرّت، شهد اليمنيّون سبع سنواتٍ من الحرب أودت بحياة حوالي 233 ألف شخص، ووضعت ما يزيد عن 80% من سكانه تحت رحمة المساعدات في أسوأ أزمة إنسانية في العالم على حدّ وصف الأمم المتحدة.
ويتفاقم الوضع أكثر فأكثر مع كلّ يوم يمرّ على اليمن، حيث تستشري المجاعة في أجساد أبنائه، ويُثقِل الفقر وغلاء الأسعار كاهلهم، فيما تتصاعد التحذيرات الدولية من "كارثةٍ إنسانيّة" في الأفق، قد تكون غير مسبوقة منذ أكثر من 40 عامًا.
ظروف مشابهة
قبل عشر سنوات، كانت الظروف مشابهة، وكان حوالي 40% من سكان اليمن يعيشون على أقل من دولارين في اليوم، وكان ثلث السكان يعانون من الجوع المزمن، وكانت الوظائف نادرة والفساد متفشيًا. وكانت الدولة تواجه عودة نشاط جناح تنظيم "القاعدة"، وتمرد جماعة الحوثي في الشمال والانفصاليين في الجنوب.
لكلّ هذه الأسباب، يجد الناشطون الذين شاركوا في الاحتجاجات أنفسهم على طرفي نقيض. بينهم أحمد عبده حزام (35 عامًا) المقاتل في صفوف القوات الحكومية، والمعروف بالاسم الحركي أحمد أبو النصر، والذي كان خرّيجًا جامعيًّا بمدينة تعز التي تشتهر بالصناعات الزراعية عندما انضم لأول مرة إلى احتجاجات قادها الشباب من أجل إنهاء حكم الرئيس علي عبد الله صالح بعد أن أمضى 33 عامًا في الحكم.
"حاولوا استدراجنا"
يقول أبو النصر، الذي كان مثل كثيرين غيره ساخطًا على المحسوبية في وظائف القطاع العام والدولة أكبر جهة موفرة للوظائف: "حاولوا استدراجنا للعنف لكننا ظللنا سلميين". لكنّ أبو النصر الذي شهد مصرع رفاق له، وتعرض بيته للتدمير وتشتت أسرته، يضيف: "لم نكن نحسب أن الانتفاضة ستؤدي إلى ذلك، وأُجبرنا على حمل السلاح للدفاع عن أنفسنا".
ويتابع أبو النصر في تصريحاتٍ لوكالة "رويترز": "أرجو من كل قلبي أن تنتهي الحرب، وأن يوضع السلاح، وأن تجتمع كل الفصائل على المائدة".
تحديد المصير
في المقابل، انضم علي الديلمي الناشط الحقوقي، الذي اعتقل لفترة وجيزة في عهد صالح وأصبح الآن نائب وزير لحقوق الإنسان في حكومة الحوثيين، للانتفاضة في ساحة التغيير بصنعاء على أمل أن تفضي إلى دولة تمثل الجميع.
ويروي الدليمي لـ"رويترز" ذكرياته عن أيام الثورة الأولى مبديًا أسفه على ما آلت إليه. ويقول: "في أوقات اعتقدنا أننا لن نعيش لنرى الشمس تشرق بسبب التهديدات والجنود (الموالين لصالح) والمجرمين. كنا نريد الابتعاد عن الدولة الفاشلة، نريد الخروج من المأزق".
ويعتبر الدليمي المبادرة الخليجية التي دفعت بهادي إلى السلطة تدخلًا وأد مبادئ الثورة، ويضيف: "أردنا تغييرًا حقيقيًا، لا إعادة تغليف النظام القديم في صورة نظام ديمقراطي".
في النتيجة، سقط في الحرب أكثر من 100 ألف قتيل، وأصبح الملايين على شفا المجاعة. والآن يحتاج 80% من سكان اليمن، أي حوالي 24 مليون نسمة، للمساعدات، كما أنهم عرضة للإصابة بالأمراض، ففي البداية كانت الكوليرا، ثم جاء كوفيد-19، في مشهدٍ لم يكن ما يريده اليمنيّون المنتفضون.