علامات فارقة وخطط إسرائيلية.. هل نجحت حرب غزة في عزل الفصائل؟
تحت عنوان "الفجر الصادق"، شنّت قوات الاحتلال الإسرائيلي عدوانًا جديدًا على قطاع غزة استهدفت فيه حركة الجهاد الإسلامي، التي ردّت بعملية "وحدة الساحات".
ومن خلال هذه الحرب التي استمرّت 56 ساعة، سعت إسرائيل إلى فصل قطاع غزة عن الضفة وفصلهما عن القدس، إضافة إلى عزل الفصائل الفلسطينية عن بعضها.
وإذا كانت سرايا القدس ظهرت بالفعل وكأنها وحيدة في الساحة، فإنّ ما جرى يطرح تساؤلات عن مدى التنسيق والانسجام في التقديرات والحسابات بين الفصائل الفلسطينية.
فما هو السياق العام الذي قاد العدوان الإسرائيلي على غزة في هذه الجولة؟ ما حسابات إسرائيل في استهداف الجهاد الإسلامي تحديدًا؟ وما الدور الذي تضطلع به الحركة خارج حدود القطاع؟
وقبل هذا وذاك، هل من رؤية تواكب بها الفصائل الفلسطينية تطور الفعل النضالي الذي يوحّد الساحات الفلسطينية؟ وكيف نستشرف مستقبل النضال الفلسطيني في ظل الوضع القائم بمعطياته الداخلية والخارجية؟
كيف تفجّرت الأوضاع في غزة؟
تفجّرت الأوضاع في غزة عندما أقدم جيش الاحتلال على اعتقال بسام السعدي، أحد أبرز قيادات حركة الجهاد الإسلامي في الضفة الغربية.
وسرعان ما عدّت الحركة الخطوة الإسرائيلية تجاوزًا للخطوط الحمراء، بينما أعلنت سرايا القدس حالة الاستنفار، ورفعت جاهزيتها.
بعد ذلك، أغلق الاحتلال المعابر وفرض إغلاقًا جزئيًا على غلاف غزة، ونفذت قواته عملية عسكرية اغتالت خلالها قيادات من سرايا القدس التي ردّت بإطلاق عشرات الصواريخ.
استمرّ التصعيد 56 ساعة، قبل أن ينتهي بعد جهود مصرية وقطرية قادت إلى تهدئة.
سرايا القدس "وحيدة" في الساحة
ثمّة تقديرات تقول بأنّ الحرب الأخيرة بدأت منذ أشهر من مخيم جنين، حيث دأبت إسرائيل على تكرار اقتحامه في وقت كانت تنشأ فيه حالة جديدة في الضفة يعاد فيها تموضع الفصائل الفلسطينية في الخارطة السياسية.
حضرت الحسابات الانتخابية الإسرائيلية في العملية، لكنها لم تكن أساسها، فالغاية الرئيسة للاحتلال كانت فصل الضفة عن غزة، وفصل القدس عنهما، وعزل الجهاد عن بقية الفصائل في مسعى لكسر ما أنجز خلال عملية "سيف القدس" العام الماضي، حيث شكّل مفهوم وحدة الساحات والتنسيق بين الفصائل مع تعزّز الحاضنة الشعبية عاملًا أساسيًا في كسب نقاط قوة في المعركة وتحقيق مكاسب سياسية.
حملت الحرب الأخيرة على غزة علامات فارقة مقارنة بسابقاتها، أبرزها أنّ ما تحقق في معركة "سيف القدس" لم يتجلّ عمليًا في معركة "وحدة الساحات"، فظهرت سرايا القدس وكأنها وحيدة في الساحة، مقابل إحجام بقية الفصائل وخصوصًا حماس، ما يبعث بمخاوف من تأسيس علاقة غير سليمة بين الفصائل.
إزالة آثار معركة "سيف القدس"
يرى الباحث في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات معين الطاهر أنّ هذه المعركة هي امتداد لمعركة سيف القدس وهي بمثابة الهجوم الإسرائيلي المضاد لمعركة سيف القدس ولا يمكن فصلها عن ذلك السياق.
ويشير في حديث إلى "العربي"، من الدوحة، إلى أن ما حدث في معركة سيف القدس كان إخراج غزة ومعارك قطاع غزة من دائرة الحصار إلى دائرة الوطن الفلسطيني كله.
لكنّه يتحدّث عن ظرف موضوعي ولحظة تاريخية ساهمت في أن تتمكن معركة سيف القدس من إعادة تحقيق وحدة الأرض الفلسطينية ووحدة الشعب الفلسطيني في كل مناطقه ووحدة القضية الفلسطينية مرة أخرى.
ويلفت إلى أنّ نتائج معركة سيف القدس استمرّت إلى ما بعد وقف إطلاق النار في ذلك الوقت، حيث لا يزال العشرات من أبناء الشعب الفلسطيني في الداخل المحتل في السجون نتيجة الهبّة التي حدثت في تلك المنطقة.
ويوضح أنّ هذه المعركة امتدّت في الضفة الغربية على شكل تشكيل كتائب عسكرية في جنين ونابلس وأصبح هنالك نوع من التصدي الذي غاب عن مدن الضفة الغربية منذ الانتفاضة الثانية في مواجهة الاقتحامات الإسرائيلية.
ويشدّد على أنّ هذه الظاهرة أزعجت الإسرائيليين مخافة أن تتكرر تجربة عسكرة قطاع غزة ونشوء بؤر ارتكازية جديدة داخل الضفة، ولذلك يخلص إلى أنّ الهدف الرئيس للجيش الإسرائيلي كان أن يزيل آثار معركة سيف القدس وأن يزيل ذلك الارتباط الذي حدث بين غزة والضفة وفلسطين المحتلة عام 1948.
الحرب في غزة بدأت في جنين
من جهته، يرى أستاذ النزاعات الدولية في معهد الدوحة للدراسات العليا إبراهيم فريحات أنّ الحرب في غزة لم تبدأ من غزة وإنما هي امتداد لما يدور في جنين منذ عام تقريبًا.
ويوضح في حديث إلى "العربي"، من الدوحة، أنه كانت هناك حرب حقيقية تدور في جنين في الأشهر الماضية وقد أخذ بها الجهاد الإسلامي كما كان لكتائب شهداء الأقصى دور مميز على خطها.
ويلفت إلى أنّ "ما حدث في جنين كان مرحلة المخاض التي أوصلتنا إلى مرحلة التصعيد الذي حدث في غزة"، ملاحظًا في هذا السياق أنّ "منطقة جنين خرجت عمليًا عن سيطرة السلطة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي في الوقت نفسه خلال العام الماضي".
ويقول: "لهذا السبب كانت هناك مداهمات إسرائيلية متواصلة من أجل إخضاع جنين وهو ما قوض شرعية السلطة الفلسطينية التي يفترض أن توفر الحماية لمواطنيها، وأن يكون هناك دور فاعل للأجهزة الأمنية الفلسطينية في جنين، إلا أنها كانت محيدة بالكامل وهذا ما دفع أبناء جنين لأخذ الأمر على عاتقهم".
الهدف الإسرائيلي "الإستراتيجي" لم يتحقق
أما المدير العام لمركز مدى الكرمل للدراسات بحيفا مهند مصطفى فيميّز بين ما يصفها بالنتائج "التكتيكية" وتلك "الإستراتيجية" وفقًا للمنظور الإسرائيلي.
ويوضح في حديث إلى "العربي"، من الناصرة، أنّ إسرائيل على مستوى النتائج الإستراتيجية تعرف أن ما تحققه في لحظة معينة سوف تضطر إلى تحقيقه مرة أخرى.
ويشرح أنّه "في كل حرب على غزة يتم الحديث عن فكرة الردع بمعنى تجديد الردع أمام الفصائل الفلسطينية لأنها تعتبر أن هذا الردع لا يصمد كثيرًا مع هذه الفصائل".
لكنّه يعتبر أنّ الهدف الإستراتيجي بالنسبة إلى إسرائيل والذي لم تحققه بشكل كبير جدًا هو فصل الضفة الغربية عن قطاع غزة"، شارحًا أنّ "إسرائيل منذ عام 2021 تعتبر أن ما تقوم به من عمليات أمنية وعسكرية في الضفة لا يجب أن ينعكس على قطاع غزة".
ويضيف: "هذا جزء من المنطق الاستعماري الإسرائيلي في تجزئة الشعب الفلسطيني الذي توحّد عام 2021 وهو ما فاجأ إسرائيل يومها وشكّل لها صدمة كبيرة جدًا، ومنذ ذلك الحين هي تقوم بحملة أمنية مكثفة في الضفة ولا تريد أن يكون للفصائل بغزة أن تتدخل في هذه الحملة".
ويلفت كذلك على المستوى التكتيكي، إلى أنّ إسرائيل تقول بعد كل حرب إنها حققت ضربة نوعية للبنية العسكرية للفصائل الفلسطينية، "ولكن أحد الأهداف المركزية هو الردع وهو ليس فقط ردعًا عسكريًا ولكن أيضًا ردع سياسي".