توفي الرئيس الجزائري السابق عبد العزيز بوتفليقة عن 84 عامًا، بعد أكثر من عامين على تنحيه تحت ضغط الاحتجاجات الجماهيرية والجيش.
وبثّ التلفزيون الرسمي الجزائري قبل منتصف ليل الجمعة السبت بتوقيت الجزائر شريطًا إخباريًا؛ نقل فيه عن رئاسة الجمهورية "وفاة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة".
وأورد تلفزيون "الحياة" الخاصّ أنّ المنيّة وافته "الساعة 22,00 (بالتوقيت المحلي) في منزله".
عزلة في مقر إقامته
منذ تنحّيه، كان بوتفليقة يعيش بعيدًا عن الأنظار، في عزلة في مقرّ إقامته المجهّز طبّيًا في زرالدة في غرب الجزائر العاصمة.
وكان بوتفليقة قد تولّى الرئاسة عام 1999 في بلد ممزّق بحرب أهليّة. ثمّ أعيد انتخابه في 2004 و2009 و2014.
وفي 2019، ترشّح لولاية خامسة رغم مرض كان أقعده قبل ستّ سنوات، ولم يعد قادرًا على الكلام.
وأصبح سقوطه حتميًا بعد أسابيع من التظاهرات الحاشدة ضدّ الولاية الخامسة. وأعلن تنحّيه بعد أن طلب منه الجيش، الذي دعم وصوله إلى السلطة، الاستقالة.
"هاجس الاحتفاظ بالسلطة"
وقال عنه الصحافي في مجلة "جون أفريك" الفرنسية فريد عليات، الذي وضع كتابًا عنه، لوكالة "فرانس برس": "كل حياته، كان لديه هاجسان: الحصول على السلطة والاحتفاظ بها بأي ثمن".
وبعد انطلاق "الربيع العربي" في عدد من الدول العربية، استبق بوتفليقة العاصفة عبر رفع حال الطوارئ التي كانت معلنة في البلاد منذ 19 عامًا، ورفع الأجور مستفيدًا من عائدات النفط في البلاد الغنية بالموارد النفطية.
لكنّ الوضع الاقتصادي بقي سيّئًا والبطالة مستشرية، لا سيّما بين الشباب، ما ساهم في تغذية الاحتجاجات ضده عندما قرّر الترشح لولاية خامسة، وهي خطوة اعتبرتها شريحة واسعة من الجزائريّين "احتقارًا لهم".
تحقيقات بشبهات فساد
منذ 2013، تاريخ إصابته بجلطة دماغية وحتى تاريخ تنحّيه، أُدخل بوتفليقة المستشفى مرّات عدّة، وانتقل أكثر من مرة إلى فرنسا للعلاج. وسرت شائعات عن موته مرات عديدة.
وقدّم ترشيحه إلى الولاية الخامسة في الثالث من مارس/ آذار 2019، بينما كان يُجري في سويسرا فحوصًا طبية.
وتخلّل فترة حكمه أيضًا قمع دام لحركة احتجاج في منطقة القبائل في العام 2001، وفضائح فساد.
وتمتّع أفراد من عائلته بنفوذ قوي خلال حكمه.
في 25 سبتمبر 2019، قضت محكمة عسكرية بالسجن 15 عامًا على سعيد بوتفليقة، شقيق الرئيس السابق ومستشاره النافذ، ورئيسين سابقين للمخابرات ومسؤول سياسي، بتهمة "التآمر ضد سلطة الدولة".
في يناير/ كانون الثاني 2021، تمّت تبرئة سعيد بوتفليقة وبقيّة المشتبه بهم من تهمة التآمر، لكن سعيد بقي يُحاكم بتهمة الفساد. وبعد استقالة بوتفليقة، أجريت تحقيقات بشبهات فساد فُتحت على أثرها محاكمات عدة.
في التاسع من أبريل/ نيسان 2019، عُيّن رئيس مجلس الأمة عبد القادر بن صالح رئيسًا بالوكالة.
وفي 12 ديسمبر/ كانون الأول 2019، فاز عبد المجيد تبون الذي سبق أن تولّى مناصب رسمية في عهد بوتفليقة، بالانتخابات الرئاسية التي قاطعتها المعارضة واتّسمت بنسبة امتناع مرتفعة (أكثر من 60%).
ورفض الحراك الرئيس الجديد، معتبرًا إيّاه من مكوّنات نظام بوتفليقة، وقرّر مواصلة التظاهر، إلى أن منِعت التجمّعات بسبب تفشّي فيروس كورونا.
وفي السنتين الأخيرتين، باتت القوى الأمنية تمنع أيّ مسيرة في العاصمة وفي مدن أخرى، فيما سجّلت موجة اعتقالات واسعة في كلّ أرجاء البلاد.
وتقول الرابطة الجزائريّة للدفاع عن حقوق الإنسان: إنّ هناك قرابة مئتي سجين في قضايا الحراك والحريات الشخصية في الجزائر.
ما قبل الرئاسة
انضم بوتفليقة إلى حرب الاستقلال ضد فرنسا في سن التاسعة عشرة تحت رعاية القائد هواري بومدين، الذي أصبح رئيسًا عام 1965.
وبعد الاستقلال أصبح وزيرًا للشباب والسياحة وهو في الخامسة والعشرين من عمره. وفي العام التالي عُين وزيرًا للخارجية.
ودعا بوتفليقة بصفته رئيسًا للجمعية العامة للأمم المتحدة الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات لإلقاء كلمة أمام الجمعية عام 1974، في خطوة تاريخية نحو الاعتراف الدولي بالقضية الفلسطينية.
كما طالب بمنح الصين مقعدًا في الأمم المتحدة، وانتقد حكم الفصل العنصري في جنوب إفريقيا.
وفي أوائل الثمانينيات ذهب بوتفليقة إلى المنفى بعد وفاة الرئيس السابق هواري بومدين، واستقر في دبي حيث أصبح مستشارًا لأحد أفراد الأسرة الحاكمة في الإمارة. ثم عاد إلى الوطن في التسعينيات.
على المستوى العائلي، لا يُعرف شيء يذكر عن حياته الخاصة ولا تشير السجلات الرسمية إلى وجود زوجة، على الرغم من أن بعض الروايات تقول إنه تزوج في عام 1990.
وعاش بوتفليقة لسنوات مع والدته، منصورية، في شقة في الجزائر العاصمة، حيث اعتادت تحضير وجباته.