بكثير من القلق وبعض الأمل، غادر صباح السبت، عشرات اللاجئين السوريين عرسال شرقي لبنان قاصدين بلادهم في سياق المرحلة الثانية من خطة إعادتهم الطوعية.
وتزامنت المرحلة الثانية مع حريق في أحد مخيمات عرسال. وكان من المفترض أن تشمل عودة 400 لاجئ، لكن ناشطين سوريين أكّدوا لـ"العربي" أن مئة فقط عبروا الحدود.
وقد أدى سببان أساسيان لتراجع أعداد العائدين، الأول هو تراجع عائلات بأكملها عن قرار العودة بعد استثناء رجالها، أمّا الثاني فيتعلّق بورود معلومات تفيد باعتقال عناصر أمن النظام السوري شبانًا عادوا في القافلة الأولى.
وعزّزت هذه المعلومات تحذيرات توجهها منظمات حقوقية دولية ومحلية للسلطات اللبنانية. وتؤكد المنظمات أن بعضهم أُجبر على العودة، كما أن اللاجئين السوريين في لبنان ليسوا في موقع يسمح لهم باتخاذ قرار حر بشأن عودتهم لأسباب عدة، تبدأ بظروف لجوئهم القاسي على الأراضي اللبنانية، مرورا بعدم توافر حد أدنى من مقومات العيش الكريم في بلادهم، ولا تنتهي عند حدود المخاوف المتعلقة بتعرضهم للاعتقال والاضطهاد والقمع على أيدي سلطات النظام السوري.
وترفض السلطات اللبنانية الانتقادات المتعلقة بخطة العودة التي بدأتها عام 2017 واستأنفتها الشهر الماضي. ويؤكد مسؤولون لبنانيون أن خطة العودة آمنة في ما تهدف إليه وفق قولهم لتخفيف ملف اللجوء بوصفه عاملًا مساعدًا في تسريع ومفاقمة الانهيار الاقتصادي في البلاد منذ عام 2019.
اعتقال وتعذيب
واعتبر رئيس الشبكة السورية لحقوق الإنسان فضل عبد الغني أن التفريق بين ما إذا كانت هذه العودة آمنة أو لا، ليس هو عمل الحكومة اللبنانية أو التركية أو الدنماركية أو الأردنية.
وقال في حديث إلى "العربي" من لوسيل: "ليس هي من تحدد هذا، بل نحن نصدق لجنة التحقيق الدولي المستقلة وأقوال المفوضية العليا لشؤون اللاجئين ومنظمات هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية ومنظمتنا".
وأشار إلى أن هذه المنظمات تقول إن سوريا بلد غير آمن لعودة اللاجئين، منتقدًا مزاعم الحكومة اللبنانية بأن هذه العودة آمنة.
ولفت إلى أن اللاجئين والنازحين السوريين يتعرضون لعمليات اعتقال وتعذيب من قوات النظام عند عودتهم، مشيرًا إلى أن الشبكة السورية لحقوق الإنسان سجّلت 3100 حالة اعتقال تعسفي منذ عام 2014، أطلق سراح 1800 منهم وتم تجنيد عدد منهم، فيما اختفت 900 حالة ولا يعرف مصيرها.
لكن عبد الغني أشار إلى أن الشبكة لم تسجل أي اعتقالات للاجئين عادوا في القافلة الأولى.
أزمة اقتصادية حقيقية
من جهته، اعتبر الصحافي جورج شاهين أن هناك أزمة اقتصادية ونقدية ومالية حقيقية في لبنان، حيث بات النزوح السوري عبئًا كبيرًا على المجتمعات المضيفة، متحدثًا عن أضرار كبيرة وجسيمة تسبب بها النزوح على لبنان حيث توجد 1400 بؤرة نازحين في مختلف المناطق اللبنانية.
وقال شاهين في حديث إلى "العربي" من بيروت: "أوافق على أمر الانتهاكات في سوريا لكن الأمر مرتبط بالعائدين من لبنان". وأكد أن هذه العودة هي طوعية، مضيفا: "السوريون هم من يختارون الذهاب".
ولفت شاهين إلى وجود فارق كبير بين أرقام الأشخاص اللاجئين الذين تسجلوا للعودة إلى سوريا في القافلة الأولى بعد استئناف العودة، حيث جاءت الموافقة على 1700 سوري، وبين من جاء إلى موعد الرحلات وعددهم 650 شخص فقط. وتحدث عن ظاهرة تتمثل في رغبة بعض السوريين بأن يعرفوا كيف سيتعاطى النظام معهم، وما هي أوضاعهم القانونية فيتسجلون على لوائح العودة، وهم لا يريدون العودة فعلًا.
وأشار شاهين إلى أن السلطات اللبنانية لا توفر ضمانة للعائدين؛ بل أن السلطات السورية هي من توفر ذلك. وقال: إن "مسؤولية لبنان تتمثل في أن يُبلغ النازح السوري الراغب بالعودة بأن يسلمه إن كان سيتعرض للعقوبة حيث يمكن تسوية أوضاع البعض".
لا ضمانات للعائدين
من جهتها، أكّدت مديرة برامج تمكين اللاجئين في لبنان هبة أبو هيكل أن الجمعيات الحقوقية لا تعتقد بأن هناك ضمانات أمنية للعائدين إلى سوريا. كما اعتبرت في حديثها من بيروت أن "مفهوم العودة الطوعية غير مبني على أسس واضحة".
وقالت: "إن النازح السوري في لبنان تعرّض لكل أنواع الضغط المعنوي وحتى المادي من ناحية تجديد الإقامات والعنصرية التي يتعرض لها".
وتساءلت أبو هيكل عما إذا تم ترميم منازل العائدين لكي يسكنوها في سوريا، وعن توقيت رحلات العودة مع بدء العام الدراسي، مشيرة إلى أن سلطات النظام السوري أحدثت شرخًا في العائلات، حيث وافقت على بعض أفرادها ورفضت عودة البعض الآخر.
وإذ تنفي تأثر الاقتصاد اللبناني سلبًا بالنزوح السوري، رأت أبو هيكل أن توقيت عودة اللاجئين يهدف لحرف الانتباه عن الأزمات الداخلية في لبنان.