في معرض تعليقه على مبادرات التقارب التركية، قال رئيس النظام السوري بشار الأسد، إن المشكلة لا تكمن في لقائه مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بل في مضمون الاجتماع وأهدافه.
وأمام ذلك، عاد الملف السوري ليفرض نفسه بقوة عبر ملفات عدة، في زحمة التطورات المتلاحقة التي تشهدها المنطقة.
ففي مدينة السويداء جنوبًا، أطلقت أجهزة أمنية تابعة للنظام النار بكثافة تجاه محتجين على الانتخابات البرلمانية، التي نعتوها بالمسرحية والمزورة لإرادة الناخبين من قبل نظام لا يحظى بالشرعية.
والاحتجاجات شملت إقدام ناشطين على إغلاق مراكز اقتراع ومصادرة الصناديق والأوراق الخاصة بها، مع الإشارة كذلك إلى أن مناطق واسعة في محافظة درعا جنوبًا شهدت مقاطعة للانتخابات.
الأسد يرد على دعوة أردوغان
وعقب إدلائه بصوته اليوم الإثنين، تطرق رئيس النظام بشار الأسد للحديث عن المبادرة التركية لتطبيع العلاقات مع دمشق، قائلًا إن المشكلة لا تكمن في لقائه مع الرئيس التركي وإنما في مضمون اللقاء والهدف منه وماهية مرجعيته، وفق تعبيره.
والحديث عن تقارب الطرفين لم يرق للمناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة شمال غربي البلاد، التي شهدت احتجاجات أغلق في خضمها متظاهرون مقار للائتلاف الوطني المعارض والحكومة السورية المؤقتة التابعة له، تعبيرًا عن رفض مواقف المعارضة التي وصفوها بالخجولة حيال مسار التطبيع التركي مع النظام السوري.
وفي خضم ذلك، فإن ملف اللاجئين السوريين في دول الجوار شهد كذلك تطورات خلال الأيام القليلة الماضية تحت عنوان "العودة".
فقد قال وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، في سياق ذلك إن حل مشكلة اللاجئين السوريين يكمن في "العودة الطوعية" إلى بلادهم، وإن الأردن ليس قادرًا على أن يتحمل وحده تكلفة استضافتهم في ظل تراجع دعم الجهات المانحة.
وفي لبنان وكذلك تركيا احتل عنوان "ترحيل اللاجئين السوريين" خلال الأسابيع الماضية صدارة المشهد داخل البلدين، وسط شد وجذب واختلاف في الرؤى والتصوّرات شعبيًا ورسميًا على حد سواء.
فما مسار التطورات السياسية ذات الصلة بالملف السوري، والسيناريوهات المحتملة بشأن ملف العلاقات مع أنقرة، ومستقبل المناطق الشمالية؟
"لا تراجع عن مطلب إسقاط النظام"
قالت لميس أبو عساف، الأكاديمية والناشطة السورية من السويداء، إن المظاهرات في السويداء تقترب من طيّ عامها الأول.
وفيما أشارت في حديثها إلى "التلفزيون العربي"، إلى أن النظام لم ترق له هذه المظاهرات السلمية، لفتت إلى أنه حاول تعزيز القوات الأمنية في المنطقة.
وأردفت: لكن كما نرى فإن النظام ليس هو صاحب القرار، بل كل من الروس والإيرانيين وذلك وفق الخطوط الحمراء التي تضعها لهم الولايات المتحدة.
وشددت أبو عساف على التماسك الداخلي في المجتمع بالسويداء، حيث لا تراجع عن القرارات التي اتخذها الأهالي بتطبيق القرار 2254 وإسقاط النظام السوري، الذي لم يستجب للدعوات إلى تخفيض أسعار الوقود وتقديم حلول اقتصادية حقيقية، وفق تعبيرها.
"مخاوف من بناء دولة كردية"
من جانبه وتعليقًا على المشهد، رأى جنكيز تومار، الأستاذ في مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة مرمرة في اسطنبول، أن "الاشتباكات انتهت نوعًا ما في سوريا"، وفق قوله.
ولفت في حديثه إلى "التلفزيون العربي" من اسطنبول، إلى أن تركيا "تريد السلم" في المنطقة، التي تشهد عدة مشكلات في العراق وسوريا.
وقال إن هناك ضررًا بالنسبة لتركيا ليس فقط من حيث قضية اللاجئين، بل أيضًا محاولة واشنطن بناء دولة كردية في شرق سوريا.
وبرأيه فإن "تركيا لن تتخلى عن المعارضة السورية"، معتبرًا أنها تريد أن تتواصل مع النظام ليس "لبيع السوريين المعارضيين" بل من أجل أن يكون هناك معاهدة أو اتفاقية، وإيجاد "حل سلمي".
"تطبيع العلاقات عبء على تركيا"
من جانبه، اعتبر رضوان زيادة، الباحث في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، أن "المخاوف التركية مشروعة في ظل استمرار دعم واشنطن لقوات سوريا الديمقراطية في مناطق شمال شرق سوريا، لكن يبقى السؤال ما الذي يستطيع النظام السوري تقديمه لتركيا للحؤول دون تحقيق ذلك؟".
وأضاف زيادة في حديث لـ "التلفزيون العربي" من واشنطن، أن "قدرات النظام السوري معدومة كليًا، وهو يفرغ كل قوته ضد المظاهرات السلمية".
وأشار إلى أن ما يقوم به النظام الآن في السويداء مؤشر خطير، من حيث استخدام إطلاق النار على المتظاهرين السلميين، وذلك في تطور خطير ضد مظاهرات استمرت على مدى عام كامل.
وأردف بأن المخاوف التركية مشروعة، لكن المقاربة التركية تم تجريبها من قبل وفشلت تمامًا.
واعتبر زيادة أن تعامل تركيا مع الأسد يحملها تكلفة على مستوى علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.