مضى عام على الانفجار الضخم الذي زلزل أرض لبنان، وغيّر ملامح العاصمة؛ إلا أن الجاني لا يزال حرًا طليقًا، وبقي الحكم في لبنان متقاسمًا بين الطوائف والأحزاب السياسية.
ورغم هول المصيبة التي ضربت لبنان، شعر اللبنانيون عقب الانفجار ببصيص أمل، واستبشروا خيرًا في أن تؤدي هذه الجريمة إلى محاسبة المسؤولين وتغيّر واقع حياتهم.
لكن الأوضاع لم تكن وفق توقعاتهم؛ فبعد عام على الانفجار، باتت الأوضاع الاقتصادية أصعب، في ظل نقص في الغذاء والدواء يواجه اللبنانيين.
وما يزيد من ضغط الأزمة، هو غياب رئيس الحكومة منذ الانفجار؛ فلم تنجح المحاولات بتشكيل الحكومة منذ استقالة حسان دياب بعد الانفجار بأيام.
فقد غلبت التجاذبات السياسية محاولات مصطفى أديب بتشكيل حكومة؛ ولم ينجح سعد الحريري بعد ذلك، ولمدة 9 أشهر، في تشكيل الحكومة؛ كما أنه لا يُنتظر من المكلّف نجيب ميقاتي أن يشكّل حكومة بسبب التجاذبات السياسية.
وتزامنت الذكرى، مع قصف متبادل بين لبنان وإسرائيل، بعد أن أطلقت عدة قذائف من جنوب لبنان، دفعت إسرائيل إلى الرد بقصف بعض المناطق.
تهرب من المسؤولية
في هذا السياق، يرى الأكاديمي والناشط السياسي علي مراد أن انفجار المرفأ جاء تعبيرًا عن الأزمة العميقة والبنيوية التي تواجه لبنان، بعد 3 عقود من حكم المنظومة السياسية نفسها.
ويشير مراد، في حديث إلى "العربي" من بيروت، إلى أنه في أي بلد طبيعي، "كنا رأينا المسؤولين السياسيين والأمنيين يستقيلون بعد انفجار بيروت، لكن في لبنان لم يقدم أي شخص على ذلك، باستثناء حسان دياب الذي استقال بعد 4 أيام من الانفجار تحت ضغط الشارع".
ويقول: "ما حصل في مرفأ بيروت هو الحادث الأكثر تكثيفًا لكل ما يعيشه اللبنانيون منذ عقود".
ويضيف: "من الطبيعي أن تتهرب السلطة من مسؤوليتها، وتعمل طوال الفترة الماضية على إزالة التهم عنها، لأنها لا تتمتع بالحد الأدنى من الكفاءة".
ويتابع: "لم يتقدم التحقيق خطوة واحدة، ليس لأسباب تقنية، بل بسبب عرقلة سياسية واضحة".
الصيغة السياسية اللبنانية
من جهته، يعتبر الباحث السياسي رضوان عقيل أن سبب عدم محاسبة المسؤولين السياسيين في لبنان، يعود إلى الحصانات السياسية والطائفية".
ويشير، في حديث إلى "العربي" من بيروت، إلى أن "هذه السلطة غير قادرة على استبدال موظف صغير في أي دائرة حكومية، فكيف يُمكن أن ننتظر منها محاسبة أحد في هكذا انفجار".
ويلفت إلى أن هناك جهات دينية ومذهبية تتحكم باللعبة السياسية في لبنان منذ استقلال البلاد.
ويقول: "المشكلة اليوم تكمن في الصيغة اللبنانية المؤسسة، وفي الحالة الطائفية التي تتحكم بالبلاد".
ويضيف: "رأينا كيف حاول البعض استغلال ذكرى انفجار المرفأ لأهداف سياسية، رغم أن الجميع أراده يومًا وطنيًا جامعًا".
المبادرة الفرنسية
من جهة أخرى، يتطرّق الإعلامي والباحث السياسي كمال طربيه إلى موضوع المبادرة الفرنسية، معتبرًا أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قدّم الكثير من أجل لبنان على الصعيدين الاقتصادي والسياسي.
ويقول، في حديث إلى "العربي" من باريس: الدبلوماسية الفرنسية في لبنان كانت بعيدة عن الواقع في البلاد، ولم تكن على علم بحدود استجابة هذه المنظومة السياسية لما كانت باريس تطالب به من إصلاحات".
ويضيف: "المنظومة السياسية غير قادرة على القيام بإصلاحات أو التقدم في تحقيق انفجار المرفأ".
ويتابع: "هذه المنظومة السياسية شبيهة بمن يطلق النار على قدميه، فهي غير مستعدة على القيام بالإصلاحات، لأن ذلك قد يتضارب مع مصالحها".
ويشير إلى أن ماكرون لم يكن مدركًا لمدى تحجّر وصلابة المنظومة السياسية في الدفاع عن مصالحها.