رغم الحديث عن مبادرة جديدة لتسوية النزاع في السودان، قدّمتها منظمة "إيغاد" وتقوم على تمديد الهدنة التي يفترض أن تنتهي اليوم، لا تزال الفوضى العارمة سيّدة الموقف، قبل ساعات من انتهاء الهدنة التي بدت هشّة، في ظلّ التزام "جزئي" بها.
واستمرّت المواجهات الأربعاء في الخرطوم بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو، مع تحليق طائرات مقاتلة تابعة للجيش فوق الضاحية الشمالية للعاصمة، وتعرّضت لقصف مدفعي كثيف من قبل قوات الدعم السريع.
وبحسب مراسلة "العربي" في الخرطوم، فإنّ المدنيين يعتبرون أن جميع المبادرات لحل الأزمة في السودان التي تطرح لا أثر لها في الواقع ما لم تتوقف هذه الحرب التي تشتعل في مناطق الكثافة السكانية والمدن الكبيرة بين الجيش وقوات الدعم السريع.
وتحدّثت مراسلتنا قلق يدور بين السودانيين بعد وصول حاملة الطائرات الأميركية وحديث روسيا عن أنه من حق السودان أن يستفيد من خدمات قوات فاغنر الروسية العسكرية الخاصة، مما يعطي مؤشرات أن دائرة الحرب بدأت تخرج عن السيطرة.
وتدور المعارك منذ 12 يومًا بين قوات الدعم السريع والجيش. ويخوض البرهان ودقلو حربًا بلا رحمة على السلطة، بعدما كانا حليفَين منذ انقلاب العام 2021 الذي أطاحا خلاله بالمدنيين.
مبادرة للحل في السودان
ويوم أمس، أعلن الجيش السوداني، تسلم قائده عبد الفتاح البرهان مبادرة الهيئة الحكومية للتنمية "إيغاد" لحل الأزمة في البلاد.
وقال في بيان: "تسلم البرهان مبادرة إيغاد التي تمخضت عن الاجتماع الإسفيري (عبر الإنترنت) الذي انعقد في وقت سابق بين رؤساء دول المنظمة"، مضيفًا أنه "تقرر في الاجتماع تكليف رؤساء كل من جنوب السودان وكينيا وجيبوتي بالعمل على مقترحات حلول للأزمة الحالية".
وأوضح البيان أن الحلول "تتلخص في تمديد الهدنة الحالية إلى 72 ساعة إضافية، وإيفاد ممثل واحد من القوات المسلحة والمليشيا المتمردة إلى جوبا (عاصمة جنوب السودان) بغرض التفاوض حول تفاصيل المبادرة".
فرار متواصل من معارك الخرطوم
وأشارت مراسلة "العربي" إلى أن المعارك تدور في العاصمة الخرطوم وفي أم درمان وسط شدة القصف، حيث تجدد القتال بعد يومين من الهدوء في هذه المنطقة.
ولفتت المراسلة، إلى أن المدنيين يواصلون عمليات الفرار من الخرطوم بكل السبل إلى مناطق أكثر أمانًا، وسط انتشار عمليات النهب والسلب بشكل كبير.
وتحدّثت مراسلتنا عن "ظهور لعصابات (النيجرز) في منطقة النيل الأبيض عند جبل الأولياء التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع الذين يحملون سواطير وسكاكين والأحجار لقذف السيارات التي ترفض التوقف حيث يفرض هؤلاء إتاوات على الفارين لقاء السماح لهم بالمرور ولا سيما أن قوات الدعم السريع ليست ببعيدة عن المكان للسيطرة على الفوضى والانفلات".
مبادرات سودانية وتكاتف لمساعدة الفارين من الاشتباكات بتقديم الماء والغذاء والدواء لهم#السودان تقرير: صابر أيوب pic.twitter.com/A1g8ULO2j4
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) April 26, 2023
ونوهت المراسلة، إلى "غياب الشرطة وهو ما يثير دهشة المواطنين، وسط غلاء الأسعار بسبب شح النقد، وتعطل التطبيقات البنكية لأوقات طويلة، إضافة إلى أزمة وقود مستمرة، وعجز طبي واضح ومتدهور، كما أن الوصول إلى المستشفيات ما يزال فيه تعقيدات بالنسبة للمدنيين وسط مناشدات من مرضى الفشل الكلوي حيث نعى الكثيرون من أقاربهم بسبب عدم تمكنهم من إجراء جلسات غسيل للكلى".
وألمحت المراسلة، إلى أن "الرصاص الطائش والقذائف العشوائية هي التي تقتل المدنيين بشكل أكبر، وهو هذا ما يجري كشفه فور وقوع ساعات الهدوء، كما أن هناك أشخاصًا عالقين في أماكن تواجدهم ولا يعرفون أين يتوجهون، حيث يحاول البعض الخروج من الخرطوم".
وختمت بالقول: "الغالبية من سكان الخرطوم يفكرون بالخروج منها، وسط تعالي صوت الرافضين لهذه الحرب".
هل ينجرّ السودان لحرب إقليمية؟
من جهته، رأى الباحث المصري بشير عبد الفتاح، أن "من بين المخاطر جراء استمرار المواجهات في السودان هو اتساع نطاقها لتتجاوز حدود العاصمة الخرطوم لتشمل ولايات أخرى وخصوصًا مع تمركز عسكري لقوات الدعم السريع وأبرزها دارفور، ومن ثم تدحرجها لتشمل ولايات عديدة، إذا لم يتم كبح جماح الطرفين المتنازعين".
وأضاف عبد الفتاح في حديث لـ "العربي" من القاهرة، أن هناك "خشية من تمترس قوات الدعم السريع في دارفور وإعلانها الانسلاخ عن السودان، وخصوصًا إذا ما خسرت المعركة في الخرطوم وانتصر الجيش السوداني عليها، وساعتها ستتحول قوات الدعم إلى قوات تمرد انقلابية وتبحث عن ملاذات آمنة وإعلان أقاليم مستقلة عن الدولة السودانية بحيث تكون قوات الدعم بمثابة جيش نظامي حامي لهذا الكيان الجديد".
وألمح عبد الفتاح بالقول: "لكن الأخطر هو أن يتعدى الأمر حدود السودان ويمتد الصراع إلى دول الجوار الهشة اقتصاديًا وأمنيًا وعسكريًا، ولا سيما في ظل الامتدادات القبلية للدعم السريع التي يمكن أن تنقل العمليات العسكرية إلى دول الجوار، وخاصة أنه سابقًا برزت مؤشرات صدام بين السودان وإثيوبيا حول إقليم الفشكة الحدودي الذي تحاول إثيوبيا استعادته".
واستدرك قائلًا: "إن إمكانية حدوث مواجهات إقليمية وأن تصبح الحرب الأهلية في السودان حربًا إقليمية له مؤشرات في ظل الارتباطات القبلية لقوات الدعم السريع مع الخارج ووجود حدود أصلًا ملتهبة تشهد خلافات على ترسيم الحدود والمراعي والموارد الطبيعية، علاوة على لجوء بعض دول جوار السودان للهروب من مشاكلها الداخلية إلى العمل المسلح والصراع مع السودان على بعض المناطق".