فشل مجلس النواب الأردني اليوم الثلاثاء بعقد أولى جلسات مناقشة مشروع التعديلات الدستورية بعد فوضى واشتباكات بالأيدي بين عدد من النواب.
وكانت التعديلات الدستورية قد أثارت جدلًا واسعًا خلال الأسابيع الماضية، بعد أن أقرّ مجلس الوزراء مشروع تعديل الدستور ومشروعَي قانونَي الانتخاب والأحزاب بناءً على توصيات لجنة تحديث المنظومة السياسية التي شكلها العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني.
اتساع صلاحيات الملك
والأبرز في مخرجات اللجنة اتساع صلاحيات الملك، التي كانت قد تضخّمت من قبل. فالتعديلات المقترحة تتضمن إنشاء مجلس الأمن الوطني والسياسة الخارجية برئاسة الملك، ويضمّ رئيس الوزراء ووزير الدفاع ووزيرَي الخارجية والداخلية وقائد الجيش، بالإضافة إلى مدير المخابرات العامة وعضويَن آخرين يعينهما الملك.
ومثيل سلسلة تعديلات عام 2021 كان عامي 2014 و2016، التي أعطت حينها الملك الحق منفردًا بتعيين رئيس وأعضاء مجلس الأعيان وقائد الجيش ومدير المخابرات ورئيس المجلس القضائي ورئيس المحكمة الدستورية وأعضائها.
"عزل مؤسسة حساسة"
في الرد على من يرى في التعديلات تقزيمًا لدور المؤسسة التشريعية، تجد الحكومة مبرّراتها؛ فهي تسعى لعزل مؤسسة حسّاسة وذات طابع أمني عن التجاذبات السياسية. ولكي لا تُخطف الدولة لمصلحة إيديولوجيا أو حزب سياسي في القادم من الأيام.
إضافة إلى ذلك، أطّر الإصلاح الدستوري منظومة جديدة في قانون الانتخاب، بالسعي إلى برلمان حزبي برامجي يجمع بين القائمة الوطنية الحزبية المغلقة والدوائر المحلية المفتوحة. وقد رفع عدد المقاعد إلى 138.
وأثارت التعديلات والإسراع إلى وضعها على أجندة النقاش البرلماني قبل 24 ساعة ريبة أحزاب ومنظمات مجتمعية، ترى أن مزيدًا من الوقت هو ما يحتاجه أمر كهذا، وأن قوانين التربية والتعليم والصحة العام والقوات المسلحة هو جلّ ما ينشده الأردنيون.
"منافس في إدارة شؤون الدولة"
تعليقًا على التطورات، يلفت مقرّر لجنة التعديلات الدستورية ليث نصراوين، إلى أن ملامح الإصلاح السياسي في الأردن بدأت الصيف الماضي عندما شكل الملك عبد الله الثاني لجنة ملكية لتحديث المنظومة السياسية.
ويشرح في حديث إلى "العربي" من عمّان، أن من الأمور المأمول الوصول إليها: "قانون انتخاب يقوم على تسهيل المهمة أمام الأحزاب السياسية للوصول إلى البرلمان، وقانون أحزاب سياسية جديد يمكّن المواطن الأردني، ويسهل على الأحزاب السياسية شؤون التأسيس والعمل والإنشاء بما يمكنها من إثبات وجودها على الساحة السياسية ثم الوصول إلى البرلمان".
ويردف: "بعدما قدّمت اللجنة الملكية توصياتها فيما يتعلق بتعديل الدستور، تفاجأنا بأن الحكومة قد أضافت إلى هذه التعديلات مجموعة أخرى من المقترحات، أهمها إنشاء مجلس أمن وطني وسياسة خارجية".
ويؤكد أن هذا التعديل ليس من اللجنة الملكية، بل أضافته الحكومة إلى تعديلات اللجنة دون استشارتها أو إعلامها بالأمر. ويُرجع موجة الاعتراضات والتباين في الآراء التي أثارها التعديل إلى كون "الحكومة لم تكن موفقة في تشكيلة المجلس وتركيبته والآلية التي سيتم من خلالها تشكيله".
ويلفت إلى أن المجلس بحلته التي اقترحتها الحكومة أصبح منافسًا لمجلس الوزراء في إدارة شؤون الدولة.
"كيف أراقب المجلس بصفتي نائبًا؟"
بدوره، يتوقف النائب في البرلمان الأردني صالح العرموطي، عند دستور الملك طلال لعام 1952 واصفًا إياه بـ"المتقدم، وفيه من الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية ما يفوق دساتير العالم".
ويلفت في حديث إلى "العربي" من عمان، إلى أنه تم تشويه ذاك الدستور بما طرأ عليه من تعديلات.
إضافة إلى ذلك، يرى العرموطي أن الحكومة تجاوزت ما دعا إليه الملك اللجنة الملكية من حيث حصر التعديلات الدستورية بما يتعلق بقانوني الانتخاب والأحزاب، وعبثت بالدستور وقرّرت إنشاء مجلس وطني للسياسات.
وفيما يوضح أنه تم إلغاء المجلس الوطني واستبداله بالمجلس القومي للسياسات، يقول: بمقابل إلغاء ترأسه من قبل الملك، رُبطت دعوته بطلب من الملك، وانعقاده بحضور الملك أو من يفوّضه، كما اعتُبرت القرارات التي تصدر عنه قرارات يصادق عليها الملك.
ويسأل: "ما ضرورة وجود هذا المجلس بوجود سلطة تنفيذية وسلطة تشريعية وسلطة قضائية"، منبهًا إلى أن ما يقوم به المجلس من اختصاص الحكومة.
وفيما يلفت إلى أن الحكومة نزعت من صلاحيتها وأعطتها للمجلس، يتحدث عن تغوّل على السلطتين التنفيذية والتشريعية، سائلًا: "كيف لي كنائب أن أحاسب وأراقب هذا المجلس الذي يترأسه الملك ويصادق على قراراته؟".
ويشير إلى أنه لا يجوز وضع الملك في مواجهة مع الشعب، موضحًا أن الحكومة هي التي يجب محاسبتها وتحميلها المسؤولية.
"خلافات شكلية وغير جوهرية"
من ناحيته، يوضح مقرّر اللجنة القانونية في مجلس النواب غازي ذنيبات أن الإشكالية حول التعديلات الدستورية كانت عندما نصت على ترأس الملك للمجلس، لافتًا إلى أن اللجنة القانونية أدخلت تعديلًا واعتبرت الملك ليس رئيسًا للمجلس.
وبينما يعتبر في حديث إلى "العربي" من عمان، أن الملك بحكم الدستور هو أصلًا رئيس السلطة التنفيذي، يسأل: "هل يخلي ذلك مسؤولية السلطة التنفيذية من المساءلة؟".
ويشرح أن القرارات التي تصدر عن مجلس السياسات تنفذ من قبل الحكومة، فهي ستكون مسؤولة عنها.
ويلفت إلى أنه "في حال تنفيذ القرارات من قبل إحدى الوزارات، فسيكون الوزير المعني مسؤولًا أمام البرلمان عن نتيجة أفعاله، ولا تحميل للإرادة الملكية".
ويخلص إلى أن رئاسة الملك للمجلس لا تعفي الحكومة من مسؤولياتها، مؤكدًا أن ما يدور حول التعديلات الدستورية خلافات شكلية وغير جوهرية.
ويلفت إلى أن الكلام عن تمكين المرأة والطفولة وأصحاب الإعاقة مسائل تجميلية للدستور، وبالتالي لا تعديلات جوهرية عليه، حتى المجلس الذي يتم الحديث عنه يُعمل به من ناحية واقعية منذ سنوات عديدة.