الإثنين 18 نوفمبر / November 2024

كارثة الزلزال وجدل العقوبات.. هل "استثمر" نظام الأسد مأساة السوريين؟

كارثة الزلزال وجدل العقوبات.. هل "استثمر" نظام الأسد مأساة السوريين؟

شارك القصة

نافذة ضمن برنامج "قضايا" تسلط الضوء على أوجه الاستغلال السياسي لمأساة زلزال سوريا وتركيا (الصورة: غيتي)
يرى النظام السوري أنّ حصر التوزيع بإشرافه قد يعطيه السلطة والشرعية لفرض إرادته على المناطق الخارجة عن سيطرته في لحظة ضعف تحت ضغط الحاجة.

أثارت مسألة المساعدات الإنسانية المقدّمة إلى سوريا بعد كارثة الزلزال المدمّر الذي ضرب شمال غربيّ البلاد جدلاً واسعًا بشأن كسر العقوبات الاقتصادية المفروضة على النظام الحاكم ورموزه.

فقد وصلت المساعدات إلى مناطق سيطرة النظام السوري بعيد الزلزال مباشرة، بينما تأخّرت عمليات الإغاثة ووصول المساعدات إلى المناطق المنكوبة الخاضعة للمعارضة في الشمال السوري.

وبالفعل، وصلت الطائرات الإيرانية إلى مطار دمشق الدولي محمّلة بأطنان من المساعدات الغذائية والطبية بعد ساعات فقط من الزلزال، بينما سيّر "حزب الله" قافلة مساعدات توجّهت من لبنان نحو سوريا، لحقتها بعد ذلك طائرات روسية وصينية تحمل طواقم إنقاذ متخصصة في حالات الطوارئ للمباشرة بعمليات البحث والإنقاذ.

عربيًا، استجابت الجزائر والعراق بسرعة لدعم المناطق المنكوبة تحت سيطرة النظام، حيث أرسلتا مواد إغاثية على شكل مواد غذائية وطبية وخيم وأغطية لمساعدة المتضررين. ثمّ توالت المساعدات من الدول العربية والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وشملت سيارات الإسعاف والفرق الطبية والمواد الإغاثية.

بين خرق العقوبات وتأخر المساعدات

قانونيًا، لم تشكّل هذه المساعدات خرقًا للعقوبات الاقتصادية بحسب مسؤولين أمميين، لأنّها مستثناة من العقوبات الأميركية والأوروبية المفروضة على نظام الأسد منذ أكثر من 11 عامًا.

لكن في المقابل، شكّل تأخّر المساعدات إلى مناطق المعارضة السورية في شمال البلاد تساؤلات بشأن أولويات الإغاثة والاستجابة الطارئة للكارثة، في منطقة يسابق فيها الموت الزمن لإنقاذ الأحياء من تحت الأنقاض.

ففي سوريا، حالت الكثير من الاعتبارات دون نجدة الأهالي وهم تحت الأنقاض، بدءًا من المشكلة اللوجستية، التي ظهرت بعد جلاء غبار الزلزال، حيث حال انقطاع الطرق وانسداد الممرات بفعل الردم المتنافر في الشوارع دون دخول المعدّات الخاصة بانتشال الناس من تحت الأنقاض.

وعلى هذا الأساس، أعطيت الأولوية لإغاثة وإيواء الناجين الذين فقدوا منازلهم وباتوا لأيام في العراء بعد نفاد الوقت لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. لكنّ مشكلة أخرى تتعلق بالجهة المخوّلة بإيصال المساعدات إلى المناطق المنكوبة في سوريا لاحت في الأفق، إذ تعثّرت إمدادات المساعدات للاعتبارات السياسية التي تحكم الجغرافيا السورية، فتباين النفوذ بين المناطق السورية وضع المانحين أمام معضلة الجهة صاحبة السلطة على الأرض لتوزيع المساعدات.

نظام الأسد يبحث عن "سلطة وشرعية"

وفي هذا السياق، سارع النظام السوري على لسان سفيره لدى الأمم المتحدة بسام صباغ إلى القول إنه من يجب أن يكون مسؤولًا عن إيصال جميع المساعدات إلى داخل سوريا، بما في ذلك المناطق التي لا تقع تحت سيطرة النظام، وهو ما عطّل بحسب مسؤولي الإغاثة انسياب قوافل الشاحنات المحمّلة بالمواد الإغاثية وتأخّر دخولها إلى داخل البلاد.

لكنّ هذا السيناريو الذي يطرحه نظام دمشق يلقى رفضًا من القوى المعارضة، بالإضافة إلى لجوء الدول المانحة للتعاون مع القوى المحلية في الشمال السوري كمنظمة الدفاع المدني المعروفة بالخوذ البيضاء، التي خاضت تجربة مريرة مع الأهالي في عمليات البحث والإنقاذ.

ويرى النظام السوري أنّ حصر التوزيع بإشرافه قد يعطيه السلطة والشرعية وفرض إرادته مرّة أخرى على المناطق الخارجة عن سيطرته في لحظة ضعف تحت ضغط الحاجة، وبذلك يقوّض شرعية القوى المعارضة هناك.

كما أنّه استثمر الغضب الشعبي والدولي من أثر العقوبات الاقتصادية على تدفق المساعدات الدولية إلى بلاده، متّخذًا من كسر الحصار حجّة لضعف إمكاناته وموارده، بينما يؤكد المسؤولون الأمميون أنّ العقوبات لا تؤثر على وصول المواد الطبية والإغاثية التي تتدفق وفق برامج الأمم المتحدة حتى قبل كارثة الزلزال.

"انتصار" النظام و"موقف" المجتمع الدولي

يقرّ الباحث والسياسي السوري مضر الدبس بأنّ النظام نجح في "استثمار مأساة السوريين"، وذلك في السياسة التي ابتُكِرت حديثًا على يد "المجرمين الجدد" في العالم، مثل روسيا وإيران وفاغنر وحزب الله، وفق توصيفه.

ويشير في حديث إلى "العربي"، من لوسيل، إلى أنّ النظام السوري "نجح في الانتصار لإنسان البرميل الذي تكوّن حديثًا والذي بدأ ينتشر على ما يبدو ليس فقط في المحيط التقليدي للإجرام، ولكن حتى على الإنسان الحديث، إن جاز التعبير".

وفيما يلفت إلى انتشال المزيد من الناجين من تحت الأنقاض في تركيا حتى اليوم، يقول: "كم هو عار على الإنسانية أنه خلال الأيام التسعة الماضية، مات الآلاف من السوريين تحت الأنقاض، ممّن كان يمكن إنقاذ أرواحهم".

وإذ يرى أنّ أيّ "انتصار" يحققه النظام، في إشارة إلى "زيادة الإجرام"، هو نتيجة تقصير السوريين في تمثيل الثورة العظيمة وضحاياها، ينتقد المعارضة التي تقف مكتوفة الأيدي إزاء ما يجري، داعيًا إلى إيلاء أهمية كبيرة لهذه المسألة.

ويستغرب الدبس موقف المجتمع الدولي الذي لم يحرّك ساكنًا إزاء موت السوريين منذ 2011، كما يستهجن "شكر" الأمين العام للأمم المتحدة من سمّاه "الرئيس السوري"، في إشارة إلى رئيس النظام بشار الأسد، وذلك "لفتح المعابر".

ويقول إنّ الأمين العام للأمم المتحدة، بتصريحه هذا، يشكر "رئيسًا" لأنّه "ينقذ شعبه من تحت الأنقاض"، متسائلاً: "هل بالفعل يستحقّ شكرًا لو كان رئيسًا؟". ويعتبر أنّ معنى كلامه أيضًا أنّ المجتمع الدولي بات قادرًا على "شكر العصابة".

تابع القراءة
المصادر:
العربي
Close