مرّ أكثر من أسبوع على أكبر كارثة طبيعية تضرب المنطقة منذ عقود، حين ابتلعت الأرض أثر الحدود، فاجتمع الجنوب التركي والشمال السوري على المصيبة نفسها.
وفيما اتشحت تركيا وسوريا بالسواد، كانت الأرقام تحصي في كل دقيقة عدد الضحايا، وتسجّل العدسات والشواهد قصصًا أبكت الحجر، حتى ذاك الذي مال على أصحابه بذنب غدر الأرض لأعمدته.
وهرعت تركيا، نقطة انطلاق الزلزال، تلملم ركامها بينما كانت تمطر المساعدات الدولية عليها، بشكل جسور ممتدّة ومساعدات إنسانية لامتصاص ألمها، ليتعهّد رئيسها رجب طيب أردوغان ببناء ما هُدِم خلال سنة.
لكنّ الحال لم يكن نفسه في سوريا، رغم خبرتها الطويلة في الدمار، فهي التي اعتادت عليه خلال سنين الحرب الطويلة، إلا أنّ الموت أتاها من كلّ صوب، غدرًا، مطرًا، تهجيرًا، ليضيف الزلزال اليوم فصلًا جديدًا في المأساة المفتوحة.
أكبر كارثة في المنطقة منذ عقود.. ما هي انعكاسات الزلزال على الوضع السياسي والاقتصادي في #تركيا و #سوريا؟#تقدير_موقف pic.twitter.com/ltvyTZJilr
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) February 12, 2023
معاناة مضاعَفة في سوريا
فمع تشابك النزاع السوري وغياب سبل التنسيق، لم تصل أعداد فرق الإنقاذ الكافية خلال الأيام الأولى من الزلزال للمساعدة في العثور على ناجين، إذ تشتّتت سبل الإغاثة بين خطر يمرّ عبر النظام السوري وآخر يمرّ عبر تركيا.
من الجزائر والعراق والأردن وتونس وفلسطين ولبنان، جاء التنسيق بشكل مباشر مع نظام الأسد لإرسال المساعدات، وفي السياق نفسه، مُدّت يد العون من الإمارات ومصر، مع خطوة مباغتة للأخيرة، حيث جرى تواصل هو الأول من نوعه عبر اتصال مباشر من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ببشار الأسد.
في المقابل، رسمت الجهات الدولية خطوط العون إلى سوريا عبر تركيا، مع استمرار فرض الغرب، وفي طليعته الولايات المتحدة، عقوبات على النظام السوري، وعليه، شكّلت تلك المساعدات فرصة النجاة الوحيدة لمنطقة إدلب بالتحديد، التي تلقّت الضربة الأكثر إيلامًا من الزلزال.
وتعاني تلك المنطقة التي تسيطر المعارضة السورية على جزء كبير منها، من بنية تحتية متداعية، ومبانٍ مدمّرة جراء الحرب وقصف النظام الذي هدم أركانها، ممّا يضاعف معاناة إيواء الناجين والمتضرّرين فيها، فخياراتهم ليست كثيرة، بين الخوف من اللجوء إلى مناطق يسيطر عليها المناطق، والقلق من إغلاق باب الهجرة بوجههم.
اعتراف "أممي" بالتقصير
يؤكد مدير وحدة الدراسات السياسية في المركز العربي مروان قبلان أنّ مسؤولين في الأمم المتحدة اعترفوا بوجود نوع من التقصير والبطء في الاستجابة لكارثة بهذا الحجم وبهذا المستوى، حيث مرّت أيام عديدة قبل أن تتمكّن أيّ قافلة مساعدات من الوصول إلى شمال سوريا، كما لم تتمكن أيّ فرق إنقاذ من الدخول إلى سوريا بالتنسيق مع الأمم المتحدة.
ويشير في حديث إلى "العربي"، من لوسيل، إلى أنّ الأمم المتحدة في نهاية المطاف ليست منظمة مستقلة قائمة بذاتها، إنما تعكس إرادة مصالح الدول التي تتألف منها، ولا سيما الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن، موضحًا أنّه لو كانت إرادة حقيقية لدى هذه الدول بالتحرك السريع وفعل أي شيء، لكان مستوى الاستجابة مختلفًا.
ويوضح أنّ الولايات المتحدة الأميركية كانت "حَذِرة على ما يبدو" من مناقشة الموضوع في مجلس الأمن حتى لا يحصل نوع من التفاوض مع الروس، في ظلّ التصعيد الحاصل في أوكرانيا تزامنًا مع الذكرى السنوية الأولى لاندلاع الحرب، ولذلك فإنّ سوريا كانت مرّة أخرى ضحية الصراع الروسي الأميركي على المذبح الأوكراني.
مدير وحدة الدراسات السياسية في المركز العربي مروان قبلان: مبادرات التبرع الفردية كانت أفضل من استجابة الدول الكبرى للكارثة في #سوريا #تقدير_موقف #زلزال_سوريا_تركيا pic.twitter.com/e3PtH8b6dp
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) February 13, 2023
"كارثة العصر"
من جهته، يلفت أستاذ العلاقات الدولية في جامعة غازي عنتاب سمير صالحة إلى أنّ تركيا أطلقت على الزلزال المدمّر توصيف "كارثة العصر"، موضحًا أنّها المرّة الأولى في تاريخ تركيا خلال الأعوام المئة الماضية، تحدث كارثة بهذا الحجم، تنعكس على كل التركيبات في الداخل التركي.
ويشير في حديث إلى "العربي"، من إسطنبول، إلى وجوب قراءة المسألة بالشق الإنساني، فهناك كارثة لا بدّ من التعامل معها في إطار القانون الدولي الإنساني، مشدّدًا على أنّه كان يفترض تقديم الشق الإنساني على العامل السياسي والحسابات الضيقة الكامنة خلفه.
ويلفت أستاذ العلاقات الدولية في جامعة غاي عنتاب إلى أنّ تركيا موجودة في شمال سوريا، من خلال أكثر من منظمة ناشطة بالشق الاجتماعي والخدماتي، وقد لعبت هذه المؤسسات دورًا على هذا المستوى، ولو لم يكن كافيًا، وفق ما يرى صالحة.
وإذ يقرّ أنّ هذه المسألة كان يجب التعامل معها بشكل مختلف منذ الإعلان عن الكارثة، يشير إلى أنّه كان على الفاعلين على المستوى الإقليمي والدولي تحريك المسائل، وليس التريث لأربعة أو خمسة أيام بانتظار الذهاب إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وهو لم يحصل.
حجم المساعدات الإنسانية إلى شمال غربي #سوريا شحيح جدا ولا يغطي احتياجات المتضررين من الزلزال.. تفاصيل أكثر مع مراسلنا👇#العربي_اليوم #زلزال_سوريا_وتركيا pic.twitter.com/meA3Q0Chrb
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) February 13, 2023
العقوبات الأميركية وبروباغندا النظام
أما أستاذة العلوم السياسية في جامعة لانكستر رهف الدغلي، فتشير إلى أنّ تصريح الجانب الأميركي حول الاستثناءات بالنسبة للعقوبات الاقتصادية، جاءت بعد استخدام النظام لبروباغندا تزعم أنّ العقوبات الاقتصادية الممارَسة على سوريا هي سبب تأخر استجابة النظام للكارثة.
وتعتبر الدغلي في حديث إلى "العربي"، من مانشستر، أنّ النظام السوري كان دائمًا فعّالًا في تسييس واستغلال المساعدات الإنسانية، مشدّدة على أنّ وزارة الخزانة الأميركية بقرارها هذا كانت تريد أن تخفف الضغط عن نفسها بعد الضغط الدولي الذي حصل.
وفيما تقرّ بأنّ العقوبات الاقتصادية كانت تؤثر بشكل أو بآخر على حياة السوريين في الداخل، تعتبر أنّ تمرير مثل هكذا قرار يهدف إلى التخفيف من الغضب، والردّ على بروباغندا النظام.
وتعرب عن اعتقادها بأنّ النظام كان يستفيد من المساعدات الأممية وينهب منها سابقًا، لكنّه يواجه اليوم حالة من الغضب الداخلي، خصوصًا أنّ حالة من التضامن سُجّلت بين الأطياف السورية بكلّ مستوياتها، بمعزل عن الانتماءات السياسية، وهذا مهمّ جدًا في قراءة المشهد السياسي مستقبلاً.