كررت المجموعة العسكرية الحاكمة في مالي "بإصرار" طلبها رحيل حوالي 100 جندي دنماركي فورًا بعد نشرهم في هذا البلد الواقع بمنطقة الساحل الإفريقي في إطار تجميع القوات الخاصة الأوروبية "تاكوبا".
وكانت باماكو طلبت بالفعل من الدنمارك الإثنين الماضي أن تستدعي "فورًا" كتيبتها، التي وصلت مؤخرًا إلى مالي للمشاركة في قوة "تاكوبا" والتي تهدف إلى مواكبة الجنود الماليين في القتال ضد المتطرفين، لأن نشرهم "تم من دون موافقتها".
وكررت الحكومة المالية التي يهيمن عليها الجيش الذي وصل إلى السلطة عبر انقلاب في أغسطس/ آب 2020، ليل الأربعاء الخميس طلبها في بيان.
وقال البيان: إنه "لا يوجد اتفاق" يسمح بانتشار، لذلك تدعو الحكومة "بإصرار الجانب الدنماركي إلى سحب قواته الخاصة على الفور من الأراضي المالية".
وأوضح المجلس العسكري أن الدنمارك أبلغت مالي في 29 يونيو/ حزيران "مسودة نص بهدف الموافقة على وضع القوات الخاصة الدنماركية للتدخل داخل قوة تاكوبا". وردت الحكومة المالية في نوفمبر/ تشرين الثاني بالتأكيد على أن هذا الطلب "قيد الدرس"، حسب البيان.
ورأت باماكو أن هذا يعني أن الدنمارك تبقى "بانتظار التصديق على الاتفاقية".
"دعوة واضحة"
في المقابل، قال وزير الخارجية الدنماركي جيبي كوفود الثلاثاء الماضي إنّ بلاده أرسلت قوات خاصة إلى مالي بعد "دعوة واضحة" من السلطات وتحاول "استيضاح" سبب طلب رحيلهم فجأة.
ويؤكد المجلس العسكري المالي في بيانه الأخير أنه قرأ بـ"دهشة واستياء" رسالة "غير لائقة، الإثنين على مواقع التواصل الاجتماعي، من كوفود تؤكد أن مسألة "إبرام اتفاق لا أساس لها" بين البلدين قبل انتشار القوات الدنماركية.
وبعد فرض قيود على المجال الجوي المالي، والتشكيك في الاتفاقات الدفاعية التي تربط باماكو بباريس، يشكل طلب انسحاب الوحدة الدنماركية عقبة جديدة أمام العمل العسكري الفرنسي والأوروبي في مالي.
وتدهورت العلاقات إلى حد كبير خصوصًا مع فرنسا التي تعمل عسكريًا في مالي والساحل منذ 2013.
وكانت الدول الأوروبية المشاركة في مالي في إطار مجموعة "تاكوبا" للقوات الخاصة، طلبت من المجلس العسكري المالي أمس الأربعاء قبل صدور البيان الأخير "احترام الأسس المتينة للتعاون الدبلوماسي والعملاني".
وقالت: "نحن الشركاء الدوليين الملتزمين بدعم مالي وشعبها في جهودهم لتحقيق سلام واستقرار دائمين وفي مكافحة الإرهاب، نأسف بشدة لإعلان السلطات الانتقالية المالية (...) الذي يزعم أن نشر الوحدة الدنماركية في قوة تاكوبا تم بدون أساس قانوني ومن دون موافقة الحكومة المالية".
ودعا البيان المشترك السلطات المالية إلى "معالجة هذا الوضع بسرعة".
وقال: "نذكّر بأن جميع شركاء فرقة مهمة تاكوبا ينفذون عملهم وفقًا للإطار القانوني المتين الذي تم الاتفاق عليه مع حكومة مالي ذات السيادة، بما في ذلك خصوصًا دعوة رسمية وجهتها السلطات المالية إلى الشركاء الدوليين".
من جانبها، عبرت وزيرة الجيوش الفرنسية فلورنس بارلي الثلاثاء عن استيائها من موقف العسكريين، معتبرة أن "المجلس العسكري يضاعف الاستفزازات".
وأكدت "تضامنها مع شركائنا الدنماركيين الذين يتم انتشارهم على أساس قانوني خلافًا لتأكيدات المجموعة العسكرية المالية".
"وضع جديد"
ويعقّد الانقلاب الذي وقع الإثنين في بوركينا فاسو المعادلة بالنسبة لباريس. فحاليًا، أصبحت ثلاث من الدول الأربع في منطقة الساحل التي تنتشر فيها قوة برخان الفرنسية، تخضع لحكم سلطات عسكرية. والدول الثلاث هي تشاد ومالي وبوركينا فاسو.
وقالت بارلي: "هل يجب أن نتخلى عن الحرب ضد الإرهاب؟ لا هذه المعركة ضرورية لأمننا".
لكنها أضافت أنه "من الواضح أيضًا أنه يجب علينا التكيف مع وضع جديد"، مشيرة إلى إطلاق "مشاورات معمقة مع شركائنا ولا سيما شركاء تاكوبا".
مهددة بالزوال
وقوة "تاكوبا" التي تشكل رمزًا لفكرة أوروبا الدفاعية العزيزة على الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وتضم نحو 900 جندي اليوم، مهددة بالزوال في الوقت الذي نجحت فيه باريس في إقناع عشرات الدول بمساعدتها.
فقد أعلنت النيجر المجاورة أنها لن تستقبل هذه البعثة على أراضيها. وفي أوج الرئاسة الفرنسية للاتحاد الأوروبي وقبل ثلاثة أشهر من الانتخابات الرئاسية الفرنسية، ستكون أي انتكاسة مريرة.
وما يزيد من خطورة ذلك هو أن حصيلة أداء تسع سنوات من التدخل بعيدة عن أن تكون مرضية. واحتفظت الجماعات المسلحة التابعة لتنظيم القاعدة بقدرات كبيرة على إلحاق الضرر على الرغم من القضاء على العديد من قادتها.
أما الدولة المالية، فلم تحاول يومًا الاستقرار بشكل دائم في الأراضي المتروكة. وامتد العنف إلى وسط البلاد ثم إلى بوركينا فاسو والنيجر المجاورتين، قبل أن يطال جنوبًا، شمال ساحل العاج وبنين وغانا.
مرتزقة فاغنر الروسية بمالي
والجمعة الماضي، أكد الجيش الأميركي والأمم المتحدة وجود مرتزقة من مجموعة "فاغنر" الروسية في مالي، وهو ما لم يقر به المجلس العسكري الحاكم في باماكو في ظل التوتر المتزايد في علاقاته مع الغربيين.
وأعلن رئيس القيادة العسكرية الأميركية في إفريقيا الجنرال ستيفن تاونسند في مقابلة أجرتها معه إذاعة "صوت أميركا" أن "فاغنر في مالي"، مضيفًا: "إنهم هناك، نعتقد أنهم بضع مئات الآن".
وتابع: "إنهم ينتشرون بدعم من الجيش الروسي. تنقلهم طائرات تابعة لسلاح الجو الروسي"، رابطًا بذلك المجموعة مباشرة بالكرملين، وهو ما تنفيه موسكو.
وفي مؤتمر صحافي عقده في نيويورك أكد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الذي أجرى الأربعاء الماضي، محادثات هاتفية مع رئيس المجلس العسكري الحاكم في مالي الكولونيل أسيمي غوتا، أن مجموعة فاغنر موجودة في مالي.
وقال غوتيريش: "إن التعاون مع منظمة كهذه هو قرار سيادي يعود للحكومة المالية".
وأضاف: "الأمر الوحيد الذي نريده هو ألا يشكل ذلك أي صعوبات" لبعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي (مينوسما).
والأسبوع الماضي، اتهم وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان مرتزقة فاغنر بـ"دعم" المجلس العسكري في مالي تحت ستار مكافحة المسلحين المتطرفين، متهمًا روسيا بـ"الكذب" بشأن وضع المجموعة.
وقال: "عندما نسأل زملاءنا الروس عن فاغنر، يقولون إنهم لا يعرفون بوجودها".
وتُوجّه اتّهامات لمجموعة فاغنر بارتكاب تجاوزات وبممارسة أعمال نهب في حق مدنيين في إفريقيا الوسطى.