يلوّح لبنان مجددًا بإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، وسط اعتراض دولي واسع ورفض سوري غير معلن لاستقبالهم، ليبقى هؤلاء ضحية صراعات سياسية يدفعون ثمنها يوميًا.
فقد قالت الحكومة اللبنانية أخيرًا إنها تعمل على إعادة اللاجئين السوريين إلى بلدهم، بعدما باتوا يشكلون عبئًا اقتصاديًا وخطرًا أمنيًا على لبنان.
وهذا القرار الذي يعرّض آلاف اللاجئين لمخاطر الاعتقال، عارضته منظمات الأمم المتحدة وهيئات حقوق الإنسان.
"إقدام على الانتحار"
في مخيم الريحانية الواقع في ببنين شمالي لبنان، يقول اللاجئ السوري أحمد إن المكان لم يعد آمنًا.
الرجل أوقفته قوات الأمن اللبنانية قبل ست سنوات في مداهمة بالمخيم، وهو بات اليوم يخشى على مصيره، لا سيما وأن قرار الدولة اللبنانية إعادة اللاجئين السوريين إلى بلدهم جاء بمنزلة حكم الإعدام له.
وفي هذا الصدد، يشدد أحمد على أنه لا يضمن وصوله بخير إلى سوريا ولو بنسبة 1%، واصفًا عودته إليها بالإقدام على الانتحار.
ويُعد أحمد واحد من عشرات آلاف اللاجئين السوريين، الذين يواجهون مخاطر الاعتقال والتعذيب في حال أُعيدوا قسرًا إلى بلادهم.
"مخاطر تعذيب واعتقال"
وينبّه تقرير لمنظمة "هيومن رايتس ووتش"، من أن الخطوة المرتقبة للبنان حيال اللاجئين السوريين إن اتخذت ستعرض عددًا كبيرًا من هؤلاء لمخاطر التعذيب والاعتقال، خلافًا لاتفاقية مناهضة التعذيب التي يُعد لبنان طرفًا فيها.
وتخشى هيومن رايتس ووتش، من غياب أي ضمانات لهؤلاء وعدم القدرة على الوصول إلى معلومات عن أوضاعهم داخل الأراضي السورية، من أن يكون مصير العائدين مشابهًا لمصير كثير ممن جرى اعتقالهم.
بدورها، تؤكد المحامية والناشطة الحقوقية ديالا شحادة، أنه "ليس هناك أي أفق لهؤلاء اللاجئين من أجل عودة آمنة لجهة المسكن أو الرزق أو الإغاثة الإنسانية، أو حتى ضمان عدم إقحامهم في النزاع المسلح عبر تجنيدهم قسريًا في القوات المسلحة، التي استخدمت من جانب النظام السوري لارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية".
"جزء من الأزمة الاقتصادية"
من ناحيتها، تنظر الدولة اللبنانية إلى ملف اللاجئين السوريين بعين أخرى، حيث تقول إن وجودهم يشكل جزءًا من الأزمة الاقتصادية التي تعانيها البلاد.
ولبنان شكل لجنة لوضع آلية لإعادة اللاجئين، حيث تسعى الحكومة إلى إعادة ما يقارب 15 ألف شخص شهريًا.
ويلفت وزير الشؤون الإجتماعية هكتور حجار، إلى أن نازحين يزورون سوريا ويعودون منها، وهو ما يُسقط عنهم صفة النازح.
وفيما يشير إلى السوريين الذين أنهوا محكومياتهم في السجون اللبنانية، يقول: "دعونا نتفق مع الدولة السورية لإعادتهم إلى وطنهم".
"ورقة مقايضة وضغط"
تعليقًا على التطورات، ترى الصحافية والناشطة الحقوقية مريم مجدولين اللحام أن "على لبنان، الطرف الأهم في معادلة إعادة اللاجئين السوريين في لبنان إلى سوريا الأسد، أن يعي أنه في صدد التعامل مع داهية العصر بشار الأسد، الذي لا يريد أن يتم حل ملف الذين تخلص من وطأتهم بأي شكل من الأشكال".
وتعتبر في حديثها إلى "العربي" من بيروت، أن من المرجح أن يبقى هذا الملف عالقًا ومراوحًا مكانه، كما كان في السابق.
وتؤكد أن كل الكلام عن عودة اللاجئين السوريين إلى سوريا لا يتخطى مرحلة التهديد والوعيد، لافتة إلى أن المسألة هي كالعادة ورقة مقايضة وضغط على المنظمات الأممية ليُدفع لهم مال أكثر وتفتح اعتمادات أخرى.
وتتوقف عند عقدة إثبات أن الأسد باق، مشيرة إلى أنها موجودة لدى حليف رئيس الجمهورية اللبنانية والحكومة، الأكبر والأهم، وهو تنظيم حزب الله، بحسب رأيها.