لا يصارع سكان أوديسا الأوكرانية سمكة كبيرة في البحر كما في رواية "الشيخ والبحر" العالمية للكاتب إرنست همنغواي، بل مشكلتهم هي في البحرية الروسية المتربّصة بمدينتهم، بعد أن شنّت موسكو هجومًا على أوكرانيا في الـ24 من فبراير/ شباط الماضي.
فمن حين لآخر، تفتح البحرية الروسية نيرانها على أوديسا تحذيرًا من اجتياحها.
وقال أحد سكان أوديسا: "إذا دخل الروس المدينة، لن أصرخ بوجهم اذهبوا إلى الجحيم كما فعل جندي بحريتنا في جزيرة الأفعى. لأنني سأقاتلهم حتمًا".
مستذكرًا طفولته إبان الحرب العالمية الثانية، لا يحتفظ "الشيخ أناتولي" إلا بذكرى المنزل الذي كان جده يشيده، قبل أن تدمّره المعارك. لكنه يحفظ بشكل جيد أغاني تراثية أوكرانية يعتقد أنها تلهم حماسة المتطوعين الذين يجمعون أكياس الرمل لتحصين المدينة تحسبًا لاجتياح روسي.
ويطلق عليه هؤلاء اسم "أناتولي الذي يغني". وأغانيه الحزينة هي عن رجل رحل عن حبيبته إلى مدينة سان بطرسبرغ الروسية.
"لن يقتلوا روحنا الحرة"
هكذا هي أوديسا، تتصدّى لهجوم روسي من البحر، وتراثها التاريخي وإرثها الثقافي وتركيبتها الاجتماعية على ارتباط وثيق بروسيا. فالإمبراطورة الروسية كاترين الثانية هي من أسست مدينة أوديسا.
وقالت احدى سكان أوديسا: "سنناضل ونقاوم أي هجوم روسي على مدينتنا. معنوياتنا مرتفعة جدًا، ولا يستطيع أي جيش في العالم كسرنا. ولن يقتلوا الروح الحرة فينا".
يحفر المتطوعون أجمل شواطئ أوديسا قرب مرفأ اليخوت، أما الميناء التجاري والسواحل الشرقية والغربية فقد زُرعت بالألغام.
وتنقل آلاف أكياس الرمل المضادة للرصاص إلى شوارع المدينة لتحصّنها وتشوهها في آن واحد.
وتتخلى لؤلؤة البحر الأسود عن رونقها استعدادًا للأسوأ على ايقاع موسيقى غربية صاخبة يفضّلها الجيل الجديد من المتطوّعين على موسيقى أناتولي الذي يغني تراثًا أوكرانيًا يعود إلى الحقبة السوفيتية.
تدوي صفارات الانذار في المدن، والحرب مشتعلة، والصواريخ والقنابل تدك الشوارع والشظايا تخترق الجماجم وتبتر الأطراف، فيما يقرع أبناء أوديسا طبولهم، ويتحدون الحرب بموسيقى ترفض الهزيمة.