خلصت الأمم المتحدة إلى أن مئة يوم من الحرب في أوكرانيا، لن تؤدي إلى انتصار أي طرف، بحسب المنسق الأممي للكوارث الخاص بأوكرانيا، الذي اعتبر أن هذه الأحداث لم تشهد سوى خسائر في الأرواح والممتلكات والوظائف والمستقبل.
لكن الطرفين المتحاربين لهما رأي آخر؛ فالرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي مصرّ على أن النصر سيكون حليفًا لبلاده، في تصريح له من أمام القصر الرئاسي في كييف، وفي لقطة مشابهة لتلك التي ظهر بها يوم بدأت الحرب.
في الطرف المقابل، تتحدث موسكو عن تحقيق نتائج معينة، لكن، وبنبرة واثقة أيضًا يؤكد المتحدث باسم الكرملين ديميتري بسكوف على أن هذه الحرب ستستمر حتى تحقيق أهدافها.
تغيّرت هذه الأهداف مرارًا خلال المئة يوم، وانتقلت من الرغبة في السيطرة على كييف لتنحصر في السيطرة على الشرق الأوكراني فقط.
وبحسب التقديرات العسكرية، فإن روسيا تسيطر على 20% من مساحة أوكرانيا. وبالتالي، فإن طموحات روسيا، التي اعتقدت بسهولة أنها ستتمكن من تنصيب حليف لها في كييف، تضاءلت بسبب سرعة رد الفعل الغربي بفرض عقوبات قاسية طالت غالبية القطاعات الاقتصادية، فضلًا عن تدفق الأسلحة الغربية إلى أوكرانيا الذي لم يتوقف.
أزمات الحرب
وخرج من المئة يوم أزمات عدة أولها أزمة لاجئين لم تشهدها أوروبا منذ عقود، حيث نزح نحو 14 مليون أوكراني من منازلهم بسبب الهجوم الروسي، وتوجه أغلبهم إلى دول الجوار وتتحمل بولندا العبء الأكبر باستقبالهم وضيافتهم.
أزمة أخرى امتدت توابعها إلى أركان العالم أجمع، وهي مشكلة الغذاء العالمية التي تسبب فيها نقص إمداد القمح الذي كانت روسيا وأوكرانيا أكبر مصدّريه عالميًا.
ومن رحم الحرب أيضًا، خرجت أزمة التضخم العالمي التي لم ينجُ منها أحد، حيث ارتفعت الأسعار وصعبت حياة الناس.
جيوسياسيًا، فإن حلف شمال الأطلسي الذي وصفه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب بأنه تحالف عفا عليه الزمن، خرج إلى الواجهة كتحالف عسكري يقف حائلًا ضد أي اعتداء على أعضائه، فقام بتعزيز دفاعات دول التماس مع روسيا.
روسيا بعيدة عن أهدافها
في هذا السياق، يرى أندريه فيدروف، نائب وزير الخارجية الروسي الأسبق، أن العملية العسكرية الروسية تسير ببطء بعكس ما كان متوقعًا منذ البداية.
ويقول في حديثه إلى "العربي" من موسكو: "إن هذا يرتبط بالمقاومة الأوكرانية والمعدات العسكرية الموردة من الخارج".
ويلفت فيدروف إلى أن القوات الروسية حاليًا تسيطر على أقل من 20% من أراضي أوكرانيا، مشيرًا إلى أنه "لم يتم الانتهاء من المرحلة الأولى من العملية التي كانت تهدف لتحرير كامل أراضي جمهوريتي لوغانسك ودونيتسك".
كما يرى فيدروف أن روسيا لا ترغب باستعادة أمجاد الاتحاد السوفييتي، بل تريد من أوكرانيا أن تكون دولة صديقة.
روسيا اختارت العدوان
من جهته، يعتبر وزير الخارجية الأوكراني السابق قسطنطين هريشينكو أنه من الأفضل أن "لا تكون روسيا وأوكرانيا في حرب".
ويقول في حديث إلى "العربي" من كييف: "البديل عن ذلك هو السلام، لكن المسألة تعتمد على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي بدأ الغزو".
ويؤكد هريشينكو أن كل دولة لها الحرية باختيار طريقها وطريقة الحكم وقياداتها، ولا سيما وأن أوكرانيا دولة مستقلة منذ أكثر من ثلاثين عامًا.
ويضيف: "اخترنا برلمانًا ونظامًا سياسيًا مختلفًا يثير حفيظة روسيا، فالبديل كان سيكون مفيدًا للروس وهو ما دفع موسكو لشن عدوان على بلدنا".
صراع خفي
بدوره، يرى الأستاذ المحاضر في جامعة السوربون خلدون النبواني أن صراع المصالح يختفي وراء ستار من القيم والمبادئ.
ويقول في حديث إلى "العربي" من باريس: "في كل الحروب كان هناك ستار من القيم مثل ما حصل في الحرب الأميركية على العراق بحجة تأسيس الديمقراطية".
ويلفت النبواني إلى أنه بعد تفكك الاتحاد السوفيتي دخلت الكثير من دوله في صيرورة الديمقراطية وبعضها انضم إلى الاتحاد الأوروبي، "لكن لناحية الصراع الذي يختفي وراء السطح، فروسيا دولة وجدت نفسها تفككت بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، واستطاع الغرب أن يقترب إلى حدودها، ويحاول بوتين اليوم استعادة أمجاد بلاده".
ويضيف النبواني: "إن بوتين ينتقم من الإذلال التاريخي الذي تعرض له الاتحاد السوفيتي". ويشير إلى أن الحرب مع أوكرانيا أو مع غيرها كانت أمرًا كان حتميًا.