الظلام الافتراضي مخيف أيضًا، ففي الجزء غير المرئي من الشبكة العنكبوتية مرتع للأنشطة التي تنافي القانون، يُمارس فيه المجرمون أعمالهم على مدار الساعة بصمت وسرية.
في العام الماضي، سلط إلقاء السلطات الألمانية القبض على 11 شخصًا بتهمة اغتصاب أطفال بعمر 5 و10 و12 سنة بعد تخديرهم؛ الضوء على دور "الشبكة المظلمة" أو "دارك ويب" في جرائم استغلال الأطفال جنسيًا. وكان بين المعتدين والد أحد الأطفال وعم طفل آخر، وشريك أم ثالث.
المشتبه به الرئيسي، الذي كان يعمل فنيا بتكنولوجيا المعلومات، كان على اتصال مع متحرشين بالأطفال عن طريق الشبكة، وجهّز بيته الصيفي حيث حصلت وقائع عمليات الاغتصاب بالكاميرات، لنشر المحتوى في وقت لاحق. استحوذت الشرطة الألمانية على مواد مسجلة بلغت نحو 300 ألف ساعة من التصوير.
لمَ يختار المتحرشون "الإنترنت المظلم" أو "دارك ويب"، وما هو هذا الفضاء الافتراضي؟
يُمكن وصف الإنترنت المرئي أو الويب المفتوح، أي ذاك الذي يمكن العثور عليه باستخدام محركات البحث مثل ياهو وغوغل، بقمة جبل الجليد.
أما ما يحتجب تحت السطح فيُوصف بـ"شبكة الويب العميقة" التي تمثل ما يقرب من 90% من جميع مواقع الويب. وفق ما جاء في موقع "كاسبرسكاي".
وبينما تضم هذه الشبكة كل شيء بما فيه المجلات الأكاديمية وقواعد البيانات الخاصة، فإن الجزء المسمى بـ"المظلم" منها، يُشكل ملاذًا مجهولًا، قليلون من يتفاعلون معه أو يرونه حتى.
وبحسب "كاسبرسكاي"، فغالبًا ما يتم ربط سمعة هذا الجزء بالنوايا الإجرامية أو بالمحتوى غير القانوني ومواقع التداول، التي يمكن لمستخدميها شراء سلع أو خدمات غير مشروعة.
ومن مميزات "الشبكة المظلمة" غياب الفهرسة لصفحات الويب، فلا يمكن لمحركات البحث اكتشاف أو عرض نتائج للصفحات داخلها، كما لا يمكن الوصول إليها عن طريق المتصفحات التقليدية.
إلى جانب ذلك، يتم إخفاؤها من خلال إجراءات أمان الشبكة، على غرار جدران الحماية والتشفير.
والدخول إلى هذا الحيّز السيبراني، الذي كان يُعتبر منطقة للقراصنة وضباط إنفاذ القانون ومجرمي الإنترنت؛ بات متاحًا لأي شخص مهتم بالغوص في الظلام عن طريق التشفير وبرنامج إخفاء الهوية المعروف بـ"TOR".
ويستفيد من دخول "شبكة الويب المظلمة" الساعون إلى إخفاء هوية المستخدم، وإلى الوصول إلى خدمات ومواقع لا يمكن تعقبها فعليًا، والراغبون في اتخاذ إجراءات غير قانونية من جانب المستخدم والمقدّم على السواء.
وليس بخافٍ أن مواقع إلكترونية تعمل تحت جنح ظلام هذه الشبكة تتوخى بيع المخدرات والأوراق والعملة المزورة، ومنها موقع "دارك ماركت" الذي أُلقي القبض على مشغّله نهاية العام الماضي، وكان يُعد "بدون أي شك أكبر سوق في العالم على دارك ويب، مع نحو 500 ألف مستخدم وأكثر من 2400 بائع". بحسب وكالة "فرانس برس".
والموقع شهد بيع عملات مزورة وبيانات بطاقات ائتمان مسروقة أو مزورة، وبطاقات هواتف نقالة لا تعرّف عن المستخدم أو حتى فيروسات معلوماتية.
ماذا عن المتحرشين بالأطفال؟
هؤلاء أيضًا يجدون مكانًا مناسبًا لنشاطهم الإجرامي على الشبكة العنكبوتية المظلمة وغير المرئية.
فهناك يلتقون من يشبههم، كما يحصلون على نصائح حول كيفية الوصول إلى الأطفال واستغلالهم جنسيًا.
وبحسب تقرير مصوّر لوكالة "دوتشيه فيليه"، فإن الإنترنت المظلم بالنسبة للمتحرشين بالأطفال؛ ليس مجرد مكتبة للمواد غير القانونية، بل أيضًا أداة للتواصل.
وجاء في التقرير أن بعض المنتديات التي يلتقي فيها المتحرشون بالأطفال على الشبكة المظلمة؛ تطلب "مواد طازجة" قبل قبول العضوية الجديدة.
وبالتالي، لا يتم قبول شخص جديد إلا بعد نشره صورا وفيديوهات جديدة لاستغلال أطفال.
وتذكر "دوتشيه فيليه" أنه عند إغلاق المسؤولين في العام 2017 لإحدى المنصات التي تعرض صورًا وفيديوهات لاستغلال الأطفال جنسيًا، كان هناك أكثر من 111000 حساب مستخدم.
في قبضة العدالة
بينما تقدر الأمم المتحدة ومكتب التحقيقات الفيدرالي أنه في أي وقت هناك 750 ألف متحرش بالأطفال متصلون بالإنترنت، تتواصل الجهود لتتبع المنصات ومن يحتشد فيها من مجرمين، لمكافحة الأعمال الإجرامية على الشبكة المظلمة.
وتوظف بعض وكالات إنفاذ القانون ضباطًا للدخول متخفين إلى هذه الأماكن، عبر التنكر في صورة مجرمين لجمع المعلومات الاستخبارية.
ويرفد القطاع الأكاديمي عمل الجهات الأمنية بمزيد من الموارد العلمية لتحقيق أهدافه، ومن بينها دراسة بريطانية أجراها خبيرا اللغويات الجنائية البروفيسور تيم غرانت من جامعة آستون والدكتورة نيكسي ماكليود من جامعة نورثامبريا.
وتقترح هذه الدراسة تدريب الضباط المتخفين على استخدام تقنيات علم اللغة الجنائي، من أجل تقديم المعتدين إلى العدالة وحماية الضحايا المحتملين.
وبموازاة مسعى المنظمات الحقوقية المحلية والإقليمية والدولية لنشر التوعية بغرض حماية الأطفال من أي استغلال، عمدت منظمة "Terre Des Hommes" في هولندا إلى الإيقاع بالمتحرشين عن طريق اختراع شخصية افتراضية لطفلة فيليبينية في العاشرة من عمرها تدعى "سويتي".
وعملت "سويتي" والفريق الذي يقف خلفها إلى الإيقاع بأشخاص تواصلوا معها لإقامة علاقات جنسية افتراضية.
وبحسب موقع مجلة "سميثسونيان"؛ فقد تمكن الفريق من تحديد هوية 1000 متحرش خلال شهرين بالاعتماد على هذه الطريقة. وأعطت المنظمة المعلومات التي جمعتها للأنتربول.