الجمعة 15 نوفمبر / November 2024

حروب العراق تخلّف "جيش أرامل".. قصص مخفيّة عن المعاناة والابتزاز

حروب العراق تخلّف "جيش أرامل".. قصص مخفيّة عن المعاناة والابتزاز

شارك القصة

تحتفظ منظمات المجتمع المدني المعنيّة بالمرأة بقصص كثيرة عن النساء الأرامل، عن الفقر والابتزاز، وكثير من القصص المخفية، التي يوثّقها "العربي" على طريقته.

لا شكّ أنّ نساء العراق هنّ ملكات في النوازل والمصائب، لكنّهنّ في الوقت نفسه الأكثر تضرّرًا من الحروب التي دخلها العراقيون خلال حقب كثيرة.

فمن الحرب مع إيران في ثمانينيات القرن الماضي، إلى تلك التي شنتها الولايات المتحدة الأميركية في التسعين وسمّيت بعاصفة الصحراء، مرورًا باحتلال 2003 الذي تلته حروب وصراعات طائفية ومذهبية في 2006، وأخيرًا الحرب على تنظيم الدولة التي استمرت من 2014 وحتى 2017، كانت الفاتورة "باهظة" على نساء العراق.

باختصار، خلّفت هذه الحروب، مجتمعةً، جيشًا من الأرامل، ما زلن يعشن حتى اليوم قصصًا لا تنتهي من المعاناة، معطوفة على الابتزاز والإذلال في بعض الأحيان. 

أعداد الأرامل في العراق "متضاربة"

تبدو أعداد الأرامل في العراق جراء الحروب متضاربة، إذ تشير وثائق وبيانات متعددة نشرت في تقارير صحافية إلى أرقام كبيرة.

فوزارة المرأة العراقية التي ألغيت في وقت سابق، كانت قد أكدت على وجود ثمانية ملايين أرملة عراقية. إلا أنّ وزارة التخطيط ترى في بياناتها أنّ هذا العدد مُبالَغ فيه، وتشير إلى وجود مليون ونصف المليون أرملة.

أما منظمة الأمم المتحدة فقد وقفت في الوسط معلنة عن وجود ثلاثة ملايين أرملة عراقية.

من جهتها، تؤكد عضو لجنة المرأة في مجلس النواب العراقي انتصار الجبوري لـ"العربي" عدم وجود إحصائية دقيقة كاملة تستطيع أن تعتمد عليها، لكنّها ترجّح أن يكون الرقم ما بين ثلاثة وأربعة ملايين.

كم يبلغ عدد قتلى الحروب؟

تحرّى طاقم "العربي" عن الإحصائيات حول عدد القتلى العراقيين في الحروب والصراعات الداخلية، فوجد أنّ عددًا من المؤسسات الدولية وثّقت الأمر منها الأمم المتحدة وهيئة إحصاء القتلى العراقية ومركز ORB وغيرها من المؤسسات التي وثّقت أعدادًا متقاربة.

ففي الحرب العراقية الإيرانية قتل حوالي 340 ألف عراقي، وفي حرب الخليج الثانية 100 ألف، أما بعد 2003 وحتى 2016 فقد قتل حوالي 650 ألف عراقي، كان منهم 150 ألف قتيل جراء أعمال العنف خلال السنوات الأولى من الاحتلال الأميركي.

أما في الحرب على تنظيم الدولة، فقد قُتِل في الموصل وحدها 40 ألف مدني عراقي، فيما تصدّرت بغداد والموصل ومن ثمّ البصرة والسليمانية أعداد الأرامل في العراق.

قصص كثيرة عن الفقر والابتزاز

وتحتفظ منظمات المجتمع المدني المعنيّة بالمرأة وحقوقها بقصص كثيرة عن النساء الأرامل، عن الفقر والابتزاز، وكثير من القصص المخفية.

وثمة قصص كثيرة تُروى عن ابتزاز يتعلق بالجنس والجسد تتعرض له الأرامل في الكثير من التفاصيل في حياتهن سواء بالعمل أو قضاء أي حاجة لهنّ، لكن كان من الصعوبة أن يظهرن ليقلن هذا الحديث أمام الكاميرا، إلا أرملة وافقت على عدم إظهار كامل تفاصيل هويتها.

وفي هذا السياق، تتحدّث كلّ من رئيسة الرابطة الإسلامية لنساء العراق نهال الشمري والناشطة النسوية هناء أدور لـ"العربي" عن بعض هذه القصص، وما تتعرّض له الأرامل من محاولات ابتزاز وتحرش، حتى من بعض رجال الدين، على ذمّتهما.

من جهتها، تؤكد الصحافية سهى عودة، التي واكبت هذه القضية عن قرب طيلة سنوات، وجود "إذلال حقيقي" تتعرّض له الأرامل، لافتة إلى أنّ النساء يقفن بطوابير طويلة حتى يحصلن على رواتب بخسة "لا تكفي لإيجار منزل ربما". وتشير إلى وجود خلل يجب علاجه على المستوى الأخلاقي، علمًا أنّ الكثير من هؤلاء النسوة فكّرن بالانتحار.

بغداد.. قتل على الهويّة

وجال طاقم "العربي" بين محافظات العراق ليعاين بعض هذه القصص عن قرب، وكانت بداية الجولة من العاصمة بغداد، المدينة التي قُسّمت أحياؤها على أساس طائفي في 2006.

في تلك الأيام حدث تفجير هزّ العراق وهو تفجير الإمامين العسكريين في سامراء الذي أدّى لحدوث نزاع طائفي شديد، وكان الناس في بغداد يُقتَلون على الهوية وعلى الأسماء التي تميّز انتماءهم لطائفة معيّنة، علمًا أنّه في الأشهر الأولى من النزاع الطائفي قُتِل في بغداد وحدها 10 آلاف إنسان.

والتقى طاقم "العربي" في بغداد بأم مروان، التي تعيش في منطقة الأعظمية، وقد فقدت زوجها في الأحداث الطائفية. وتروي هذه السيدة لـ"العربي" اليوم الأخير لزوجها في هذه الحياة وما آلت تفاصيل حياتهم بعد فقدانه، مشيرة إلى أنّه ترك لها خمسة أطفال، قبل أن يقضي أحدهم في "مصيبة أخرى" في 2013.

الموصل.. خطف بسبب تشابه أسماء

بعدها، انتقل طاقم "العربي" إلى الموصل، المدينة التي كانت مسرحًا لقتال عنيف ضدّ تنظيم الدولة في 2017 كان للمدنيين فيها الحصّة الأكبر من القتل. فيها، التقينا بأم نور وهي أرملة اختطفت جهة مجهولة زوجها بسبب تشابه للأسماء مع أحد عناصر تنظيم الدولة، وبعد أيام تمّ العثور عليه مدمى الجسد جراء التعذيب قرب إحدى مستشفيات المدينة.

وتعمل أم نور اليوم في مشروع صغير لصناعة الأكلات الجاهزة في الموصل لتعيل بها أطفالها، علمًا أنّ صاحبة المشروع، أم عماد، هي الأخرى، فقدت أحد أبنائها في حرب تحرير الموصل من تنظيم الدولة.

وتقول أم عماد لـ"العربي": إنّها وجدت أنّ "مصائب الناس أكبر من مصيبتها"، مضيفة: "فكرت بمساعدة الناس. مشغل أم عماد يحوي اليوم أكثر من 30 عاملة".

السليمانية.. "لم أندب حظي"

أما في السليمانية شمالي العراق، هذه المدينة الكردية التي خسرت الكثير من رجالها أيضًا في الحرب العراقية على تنظيم الدولة في 2014، فالتقى طاقم "العربي" بسيدة تدعى جنار حسن فقدت زوجها أثناء القتال في كركوك.

تدير هذه السيدة مدرسة كبيرة استطاعت التغلب على الكثير من العراقيل لتأسيس جيل بعيد عن الحرب والقتال. وتستذكر حادثة مقتل زوجها، قائلة: "لحبه الكبير لأرضه ووطنه انتقل إلى محور كركوك حيث استشهد برصاصة قناص في 31 يناير 2015. نبأ استشهاده كان أمرًا محزنًا، ليس لي ولعائلتي فقط، بل لكل سكان كردستان لأنه كان شجاعًا جدًا".

وتضيف: "لم أكن لأستمر بحياتي لو بقيت جالسة كل الوقت أبكي وأندب حظي. وصولي لمنصب مديرة مجمع كردستان التربوي لم يكن سهلًا"، ولعلّ في هذا الكلام رسالة لغيرها من الأرامل، اللواتي لا يجب أن تتوقف الحياة عندهنّ، رغم المصيبة الكبيرة.

تابع القراءة
المصادر:
العربي
Close