عادت ملامح قرية كري قسروكا أو "قصر التل" إلى الظهور من جديد على سفوح جبال دهوك الشاهقة والمهيبة في إقليم كردستان في شمال العراق، بعدما طمرها سدّ دهوك بمياهه قبل نحو 36 عامًا.
ووفق مدير سد دهوك فرهاد محمد طاهر فقد تراجع منسوب السد بشكل غير مسبوق منذ مطلع سبتمبر/ أيلول بسبب الجفاف، حيث كشفت المياه عن بناء شيد بالحجر.
ويرجح أن يكون البناء مدرسة، حيث يبدو أنه كل ما بقي من قرية كانت تزخر بالحياة وبزراعة العنب والتفاح والحنطة يومًا ما.
انخفاض منسوب السد
ويقول طاهر لوكالة فرانس برس: إنّ "انخفاض منسوب مياه السد لأكثر من 7 أمتار والناجم عن الجفاف أدى إلى ظهور بقايا هذه القرية في مطلع سبتمبر/ أيلول الماضي".
ويضيف: "يعتقد أن يكون هذا البناء منزلًا يشبه تصميمه شكل المدرسة وجدرانه محاطة بالأصداف الجافة بسبب الجفاف".
ويعتمد "السدّ على مياه الأمطار التي كانت قليلة هذا العام"، وفق طاهر، موضحًا أنه "لم يسبق أن انخفض منسوبه إلى هذا الحدّ في السنين الماضية إلا ثلاث مرات، أعوام 1992 و1999 و2009، وأطلّت ملامح كري قسروكا من جديد حينها".
ويضيف: "بالتأكيد هذا الموضوع يتعلق بالتغير المناخي".
وتزداد أزمة المياه سوءًا في العراق مع تراجع معدلات هطول الأمطار وتمدّد الجفاف، فقد بات العراق البلد "الخامس في العالم" الأكثر تأثرًا بالتغير المناخي، كما أعلنت وزارة البيئة العراقية مؤخرًا.
مسكن لعائلات كردية
من جهته، يشرح المؤرخ كارزان محمد بامرني أنه "قبل غرقها تحت مياه السد الذي شيد في العام 1988 بغرض تغذية مصادر الري لتعزيز الزراعة" وبسعة 52 مليون متر مكعب، "كانت كري قسروكا، التي تبعد نحو كيلومترين فقط عن مركز مدينة دهوك، مقرًا لنحو 50 عائلة كردية من عشيرة الدوسكي منذ سبعينيات القرن الماضي".
ويضيف بامرني: عام 1974 "هجر السكان القرية للمرة الأولى بضغط من الظروف السياسية"، إبان الحرب العراقية الكردية الثانية، و"كانت واحدةً من العديد من القرى التي أخليت حينها بسبب ظروف النزاع".
وعاد هؤلاء عام 1976، ولكن بعد تسع سنوات جاء السدّ ليبعدهم نهائيًا عن بيوتهم.
مزار للسياح
وبتعويضات مالية دفعتها الحكومة حينها لهم قبل تشييد السد عام 1985، أعاد الأهالي بناء بيوتٍ في أرض مجاورة، وأحيوا من جديد قريتهم وبالاسم نفسه.
أما ما تبقى من قرية كري قسروكا القديمة، فهو مركز جذب للسياح المحليين، بسبب موقعها وسط الجبال وعلى مشارف السد، يقصدها سكان مدينة دهوك والمناطق المجاورة لالتقاط الصور، قبل أن يرتفع منسوب السد مرة أخرى، وتغرق كري قسروكا من جديد مع حلول الشتاء وعودة موسم الأمطار.