الخميس 21 نوفمبر / November 2024

مدينة "الشمس".. العدوان الإسرائيلي يفقد بعلبك اللبنانية روادها وسكانها

مدينة "الشمس".. العدوان الإسرائيلي يفقد بعلبك اللبنانية روادها وسكانها

شارك القصة

تعتبر مدينة بعلبك من كبرى مدن البقاع في شرق لبنان
تعتبر مدينة بعلبك من كبرى مدن البقاع في شرق لبنان - غيتي
ألقت الحرب بظلالها على كلّ شيء في بعلبك الذي تعد السياحة مصدر دخلها الأساسي خصوصًا في الشهر الأخير مع ازدياد وتيرة القصف الإسرائيلي.

منذ نحو شهر، فرغ فندق "بالميرا" في مدينة بعلبك في شرق لبنان من زواره تمامًا على وقع دوي غارات إسرائيلية لا تهدأ من حوله، لكن ربيع سليقة الموظف منذ 24 عامًا يرفض المغادرة.

ومنذ 23 سبتمبر/ أيلول الماضي، تشن إسرائيل عدوانًا على لبنان، أسفر عن مئات الشهداء وآلاف الجرحى،  فضلا عن أكثر من مليون و400 ألف نازح، وفق بيانات رسمية لبنانية.

الحرب تفقد بعلبك اللبنانية روادها وسكانها

في الفندق التاريخي الحجري المطلّ على قلعة بعلبك الأثرية، يزاول ربيع (45 عامًا) عمله رغم الحرب، فيمسح الغبار عن أثاثه القديم ومراياه ويزيل الزجاج المتناثر من عصف غارات تضرب في الجوار.

ويقول الرجل المنحدّر من سوريا: "لم يقفل الفندق أبوابه منذ 150 عامًا حتى اليوم"، مضيفًا أن "أصحابه يريدون له أن يبقى مفتوحًا".

وفي المدينة الملقبة بـ"مدينة الشمس" والتي تعدّ السياحة مصدر دخلها الأساسي، ألقت الحرب بظلالها على كلّ شيء، خصوصًا في الشهر الأخير مع ازدياد وتيرة القصف الإسرائيلي على المدينة ومحيطها.

فندق "بالميرا" في مدينة بعلبك في شرق لبنان
فندق "بالميرا" في مدينة بعلبك في شرق لبنان - غيتي

وتبدو الحياة فيها شبه متوقفة إذ تغلق المتاجر أبوابها باكرًا، ويتسوّق من تبقى من السكان سريعًا خلال النهار، ونادرًا ما يخرجون بعد الظهر.

ويتذكّر سليقة بحنين الزمن الماضي حين كان الزوار من سياح ومشاهير يتدفقون إلى الفندق، لكن "اليوم لم نعد نقدم حتى فنجان قهوة واحد... لا نزلاء والفندق خال تمامًا".

وحين يحدّق بالقاعات الشاسعة الفارغة من حوله، يقول سليقة: إنه يشعر "بغصّة كبيرة في القلب".

لكنه رغم ذلك، لم تراوده فكرة العودة إلى مسقط رأسه في السويداء في جنوب سوريا إلى حين انتهاء الحرب.

ويؤكد الرجل الذي غزا الشيب رأسه "لا أستطيع أن أترك الفندق، لقد تربيت هنا وتعلقت بالمكان كثيرًا".

حياة متوقفة

وتعتبر بعلبك من كبرى مدن البقاع، المنطقة الحدودية مع سوريا، وبعدما بقيت طيلة نحو عام بمنأى عن التصعيد بين حزب الله وإسرائيل، إلا أن غارات استهدفتها ومحيطها خلال الأسابيع القليلة الماضية.

ويقول رئيس البلدية مصطفى الشل لفرانس برس: إن الغارات استهدفت "أماكن تجارية وسكنية".

ويضيف "السوق التجاري تقريبًا شبه مقفل، يفتح أبوابه ساعة في اليوم، وأحيانا لا يفتح".

أما المتبقون في بعلبك وهم "نحو 40% من سكانها البالغ عددهم 250 ألف نسمة"، يتركزون خصوصًا في أحياء تقطنها غالبية من المسلمين السنة في المدينة المتنوعة طائفيًا ومذهبيًا.

ويحاول آخر المتبقين في بعلبك مع ذلك "ألا يتواجدوا في الطرقات خوفًا من أي غارة قد تسقط في أية لحظة"، وفق الشل.

وبعدما خرج أحد مستشفيات المدينة من الخدمة تمامًا، إثر أضرار نجمت عن غارة إسرائيلية قربه، لا تزال 5 مستشفيات أخرى عاملة، وفق رئيس البلدية.

ويضيف أن جلّ ما تستطيع البلدية القيام به، مع غياب أي تمويل رسمي في بلد غارق بانهيار اقتصادي منذ عام 2019، هو "فتح الطرقات وتنظيفها بعد القصف"، و"تقديم بعض المساعدات العينية" لعدد قليل من النازحين في مراكز الإيواء.

"مليون زائر سنويًا"

وإضافة إلى قلعتها الأثرية، تضم المدينة مقام السيدة خولة الذي يحظى برمزية دينية لدى المسلمين الشيعة. ويستقطب وفق الشل "بحدود المليون زائر"، سنويًا.

وبحسب تقديرات البلدية، دخل المدينة العام الماضي 60 ألف سائح أجنبي، وما بين ستة إلى ثمانية آلاف سائح عربي، إضافة الى مئة ألف من لبنان. أما هذا العام، فقد سجلت نسبة السياحة 5%  مقارنة مع 2023.

في 6 أكتوبر، تصاعدت سحب دخان جراء قصف إسرائيلي خلف الأعمدة الرومانية الأثرية في قلعة بعلبك، المدرجة على قائمة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "يونيسكو" للتراث العالمي منذ 1984.

الأعمدة الرومانية الأثرية في قلعة بعلبك
الأعمدة الرومانية الأثرية في قلعة بعلبك - غيتي

حينها، حذّر محافظ بعلبك بشير الخضر من أن لغارات مماثلة "أثر سلبي" على القلعة "سواء من الدخان الأسود الذي يؤثر على الحجارة، أو من قوة الانفجار" الذي قد تؤثر ارتجاجاته على الموقع.

وأكّدت اليونسكو لفرانس برس أنها "تتابع عن كثب تأثير الأزمة الجارية في لبنان على مواقع التراث الثقافي، بما في ذلك مواقع التراث العالمي".

"لا يوجد أحد"

ولم يكن حسين الجمّال (37 عامًا) يخال يومًا أن حياته ستنقلب "180 درجة"، على حد قوله. يتذكر الشاب الذي بقي مع والديه في بعلبك كيف "كانت الطرقات تضج حياة، القلعة تستقبل زوارها، المطاعم مفتوحة، والأسواق مزدحمة" قبل الحرب أما "الآن فلا يوجد أحد".

ويشير الصيدلي الذي يعمل في الجمعية اللبنانية للدراسات والتدريب، وهي منظمة غير حكومية، إلى أن بقاءه مرتبط فعليًا بمساعدة الباقين من أهالي المدينة، أو من نزحوا داخلها، فيما غادرت زوجته وطفلاه (5 و8 سنوات).

ويقول: "أعمل في المجال الاجتماعي والإنساني، لا أستطيع المغادرة، ولو غادر الجميع"، مضيفًا أن في حيه "أربعة بيوت مأهولة بالسكان، معظمهم كبار في السن" يتفقدهم صباح كل يوم "لمعرفة متطلباتهم".

وعلى غرار الجمّال، بقيت رشا الرفاعي (45 عامًا) في المدينة مع والديها المسنين. وتتذكر كيف أن "الحياة قبل الحرب كانت عادية جدًا، عمل، ناد رياضي، سهر، أصدقاء.. لم يكن لدينا الكثير لنفكر به"، أما اليوم "تغير كل شيء، نعمل عن بعد، لا نرى أحدًا".

وتروي الرفاعي العاملة في مجال الدعم النفسي لنساء معرضات للعنف القائم على النوع الاجتماعي، أنه منذ أن بدأت الحرب، انقطع تواصلها مع العديد منهن بسبب فرارهن.

ورغم ذلك، تلازم العائلة منزلها لئلا تتكرر معاناة عاشوها خلال حرب مدمرة بين حزب الله وإسرائيل صيف 2006.

وتقول "تهجرنا حينها من بيت إلى بيت وعشنا تجربة صعبة لا نريد أن نكررها. طالما الوضع مقبول، نحن باقون هنا".

تابع القراءة
المصادر:
أ ف ب
تغطية خاصة
Close