فجّر مشروع الدستور التونسي الجديد الذي أماط الرئيس قيس سعيّد اللثام عنه ليقول الشعب كلمته فيه، جدلًا واسعًا، بعدما وضع تونس في مفترق سياسي دقيق.
وبحسب مراسل "العربي"، فإنّ الدستور الجديد لتونس لا يشبه دستور الثورة في نواحٍ عديدة، إذ إنّه يقرّ نظامًا رئاسيًا يمنع محاسبة الرئيس أو إقالته ويقلص من صلاحية البرلمان.
أكثر من ذلك، يشير مراسلنا إلى أنّ الدستور الجديد في تونس يحوّل نظام الحكم إلى رئاسي، ويمنح صلاحيات أكبر للرئيس، مع تقليص دور البرلمان والرقابة على الحكومة.
ويلفت إلى نقاط كثيرة في مشروع الدستور الجديد تنقل النظام السياسي في تونس إلى نظام رئاسي بصلاحيات تكاد تكون مطلقة للرئيس.
إلا أنّ هذا الأمر، على حساسيّته، لا يبدو مفاجئًا لمعارضي الرئيس ومساره، فبرأيهم، قام سعيّد بكلّ ذلك من أجل دسترة رؤيته للحكم.
أبرز ما تضمّنه مشروع الدستور التونسي
جاء مشروع الدستور الجديد لتونس في 142 فصلًا، تتقاطع عند تغيير النظام السياسي من شبه برلماني إلى نظام رئاسي، مع منح مزيد من الصلاحيات للرئيس وعدم مساءلته عن الأعمال التي قام بها في إطار أدائه لمهامه.
وبالمجمل، يقلّص الدستور الجديد دور البرلمان بحيث لا يشمل مراقبة عمل الرئيس أو الحكومة، ويمنح الرئيس حق تسمية القضاة والذين يمنعهم الدستور الجديد من الإضراب.
ويركّز الدستور الجديد صلاحيات أخرى في يد الرئيس، من أبرزها توليه السلطة التنفيذية بمساعدة الحكومة التي يعيّن أعضاءها باقتراح من رئيسها مع ضمان مساءلتها أمامه.
أما تشريعيًا، فينصّ مشروع الدستور التونسي الجديد على تشكيل مجلسين هما مجلس نواب الشعب والمجلس الوطني للجهات والأقاليم.
ومثلما سبق وصرّح الرئيس سعيّد ينصّ الدستور على أنّ تونس جزء من الأمة الإسلامية بما يعني تغيير الفصل الأول من الدساتير التونسية منذ الاستقلال.
"تكريس للانقلاب على الديمقراطية"
يرى معارضو الرئيس التونسي في الدستور الجديد الذي صيغ في 20 يومًا، ويواجه معارضة شديدة، تكريسًا للانقلاب على الديمقراطية وضربًا لدستور الثورة التونسية، بينما يصف سعيّد ذلك بالمسار الإصلاحي التصحيحي لما يسمّيها بـ"أخطاء العشرية السوداء".
إلا أنّ الرئيس قيس سعيّد لم يكتفِ بذلك، بل توّج إجراءاته بتفكيك هيئات دستورية وحلّ المجلس الأعلى للقضاء وتعويضه بمجلس مؤقت وعزل عشرات القضاة، علمًا أنّه منح نفسه مرّة أخرى صلاحية الحكم بمراسيم إلى حين انتخاب برلمان جديد كما هو متوقع في ديسمبر/ كانون الأول المقبل.
وبحسب مراسل "العربي"، فإنّ قادم البلاد يبقى مفتوحًا على كل الاحتمالات في ظلّ الضغوط التي تمارسها القوى السياسية والهيئات النقابية، وفي ضوء شارع يغلي من تداعيات الظرفية السياسية والاقتصادية.
"مهزلة ومسعى للعودة إلى نظام استبدادي"
من جهته، يعتبر الأمين العام لحزب العمال في تونس حمة الهمامي أنّ ما يسمّيه بـ"دستور قيس سعيد"، وليس دستور الشعب التونسي والقوى الحيّة في تونس، "يكرس الانفراد بالحكم ويمنح الرئيس صلاحيات إمبراطورية".
ويدعو الهمامي، في حديث إلى "العربي"، من تونس، إلى مقاطعة الاستفتاء "كخطوة في اتجاه إسقاط منظومة قيس سعيد"، مشدّدًا على أنّ "هذا الدستور هو حلقة من حلقات الانقلاب الذي قام به قيس سعيّد في 25 يوليو 2021 وهو تتمّة للأمر 117 بتاريخ 22 سبتمبر 2021 الذي استحوذ فيه على كلّ السلطات".
ويرى أنّ هذا الدستور هو أيضًا "تتمّة للاستشارة الفاشلة التي قام بها في بداية هذا العام والتي لم يشارك فيها أكثر من 4 أو 5% من التونسيات والتونسيين"، مستنتجًا أنّ "مشروع الدستور يكشف نوايا قيس سعيّد لتشريع الانقلاب".
ويقول الهمامي: "ها نحن نجد أنفسنا أمام انقلاب على الثورة وعلى دستور 2014 وعلى المكاسب الديمقراطية، بل نحن أمام حكم فردي مطلق وأمام رئيس بصلاحيات إمبراطورية". ويضيف: "نحن أمام مهزلة وأمام مسعى إلى العودة إلى نظام استبدادي".