يتحدث رئيس الوزراء اللبناني الأسبق فؤاد السنيورة في الحلقة الرابعة من إطلالته في برنامج "وفي رواية أخرى" عن تداعيات اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري وفترة الاغتيالات التي أعقبت ذلك، ويروي تفاصيل الأحداث التي سبقت حرب تموز 2006 والتي تخللتها وصولًا إلى وقف إطلاق النار.
وينفي وجود تسوية سياسية أدت للتغاضي على اتهامات الفساد بحقه أو فريقه السياسي وإغلاق هذا الملف من دون محاكمة مقابل انتخاب ميشال عون رئيسًا للجمهورية.
ويوضح أنه جرى التوافق بين رئيس الوزراء الأسبق سعد الحريري مع ميشال عون بموافقة حزب الله وليس رئيس مجلس النواب نبيه بري على انتخاب عون رئيسًا للجمهورية.
ويقول: "كان هناك موقف واضح لي ورددت على كل تلك الاتهامات وأصدرت كتاب الافتراء بكتاب الإبراء وكتاب آخر بهذا الشأن وكان لي مطالعات مستمرة في مجلس النواب وعلى الإعلام داحضًا الأقاويل والشائعات".
واعتبر أن "مساعي الوزير السابق جبران باسيل لإعادة فتح ملف الفساد ليست سوى قنابل دخانية للتغطية على ما يفعله، حيث لا يملك أي دليل يثبت تلك الشائعات".
حالة 14 آذار
وكان لاغتيال الحريري تداعيات مختلفة، فبعد الخروج السوري من لبنان حدث انقسام عمودي بين مؤيد للخروج السوري، أي فريق 14 آذار وبين مؤيد للوجود السوري، أي فريق 8 آذار.
ويلفت السنيورة إلى أن ذلك الانشطار لم يكن على أساس طائفي. وقال في حديثه إلى "العربي": "إن تجمع 14 آذار كان الخطوة الأولى للتأكيد على الحرية والسيادة والاستقلال والعودة إلى احترام الدستور والدولة".
وأوضح أنه "كان هناك محاولات مستمرة من قبل الأطراف الأخرى من أجل تحويل هذا الانقسام من انقسام على قواعد وطنية إلى انقسام على قواعد طائفية".
محاولة إرساء المذهبية
كما نفى السنيورة أن تكون تلك الأحداث قد أحدثت انقسامًا بين المسلمين السنة من جهة والمسلمين الشيعة من جهة أخرى.
واعتبر أن تلك الفترة شهدت محاولة للإطباق على الموقف الشيعي لتأييد رأي واحد عن طريق الترهيب لكي يكتم الصوت الآخر، علمًا بأنه يوجد شيعة وطنيون بمواقف مختلفة.
وأضاف السنيورة: "كان هناك أكثرية يطبق عليها حزب الله بالترهيب والمال أو الانبهار ومحاولة اللعب على الوتر الطائفي والمذهبي، لكن حقيقة الأمر أن الكثيرين من أتباع المذهب الشيعي يؤمنون باستقلال لبنان وبسيادته ويؤمنون بعروبته وهم حريصون على أن يعود لبنان دولة طبيعية وليست منصاعة للتأثيرات الإيرانية"، حسب قوله.
سلسلة اغتيالات
وبعد الخروج السوري كان يتوقع أن تطوى مرحلة الاغتيالات. لكن بعد اغتيال رفيق الحريري طالت الاغتيالات رموزًا من 14 آذار.
ووقعت محاولة اغتيال الوزير السابق إلياس المر والإعلامية مي الشدياق. كما اغتيل النائب وليد عيدو، وجورج حاوي والنائب جبران تويتي وبيار الجميل ووسام عيد وسمير قصيل وأنطوتن غانم وفرنسوا الحاج وبعدها اللواء وسام الحسن والنائب محمد شطح.
وقال السنيورة: "كانت محاولة ترهيب اللبنانيين والتأثير عليهم وإجبار حكومتي أن تستقيل عن طريق التصفية الجسدية لبعض الوزراء ولذلك جاء اغتيال بيار الجميل".
ويشير إلى أن "الوزراء انتقلوا للمكوث في السراي الحكومي بعد اغتيال جبرات تويني".
وأكد أنه كان لدى النظام السوري قائمة بأسماء الشخصيات المستهدفة. ويضيف: "كان يجري تمرير أسماء عبر الصحافة لشخصيات ضمن لائحة الاغتيال لخلق حالة من الرعب لدى اللبنانيين وللقول بأن هذا سيحمل اغتيالا لإحدى الشخصيات".
ويلفت إلى أن ذلك أجبر نوابا من تيار المستقبل للمكوث في الفنادق ثم اضطروا لمغادرة لبنان إلى مصر خوفًا من عمليات الاغتيال.
ويؤكد السنيورة أنه كان على رأس لائحة الشخصيات المستهدفة تلك. ويقول: "لم يأت لي تهديد بالمعنى الحرفي لكن كان هناك تلميح".
أمل لم يبصر النور
ويعتبر السنيورة أنه كان هناك أمل بأن تغلب لغة العقل ومصلحة البلاد على المصالح الشخصية والفئوية في لبنان على اعتبار أن النظام السوري سيدرك أن هناك حاجة لتفهم وضع لبنان وظروفه لكن هذا الأمر لم يحدث.
ويقول: "كانت هناك مراهنة على ذلك ولم تحصل لكنها استمرت في عام 2010 عندما حاول الملك عبدالله بالتعاون مع بشار الأسد وقدما إلى لبنان من أجل استمالة الجانب السوري بأن المرحلة تحتم عليه أن يعامل بقية الأشقاء العرب كدولة طبيعية ويتعاون معها ويحاول أن يصوّب علاقة النظام بإيران وأن يصوّب علاقته بلبنان، لكن هذه المراهنة لم تتحقق".
زيارة السنيورة إلى دمشق
وحول زيارته إلى دمشق عام 2005، يؤكد السنيورة أنه كان بصدد تشكيل حكومته وكانت دمشق قد أقفلت الحدود بين لبنان وسوريا وذلك له تأثير على لبنان.
ويقول: "كنت أؤمن بأن تكون هناك علاقة سوية مع سوريا وأومن بعلاقة لبنان مع الدول العربية وأن تكون علاقة ندية".
ويشير إلى أن لبنان أصبح بلدًا مستقلًا وصاحب سيادة ويلعب دورًا عربيًا هامًا وباستطاعته أن يخدم القضايا العربية وسوريا وأن تكون علاقته سوية مع النظام السوري "لذلك كانت فكرتي أنه يجب أن أقوم بهذه المحاولة وأزور الرئيس الأسد وكانت الزيارة الأولى أقوم بها إلى خارج لبنان كرئيس حكومة وكانت بعد نحو عشر ساعات على حصول حكومتي على الثقة من المجلس النيابي".
وجرت تلك الزيارة في 1 أغسطس/ آب حيث التقى السنيورة رئيس النظام السوري بشار الأسد. ويضيف: "الذهاب للقاء الأسد كان واجبًا لرئيس دولة شقيقة مجاورة. أنا ذهبت دون أن أتنازل بصورة مباشرة أو غير مباشرة عن المبدأ الأساس الذي كنت ألفت حكومتي عليه وهو إنشاء المحكمة الدولية لمحاكمة قتلة الحريري".
ويتابع: "واجبي أن أستنفد كل المحاولات لإنشاء علاقة سوية بين البلدين لبنان وسوريا بمعزل عن المشاعر". ويرى أنه "كلنا زائلون وسيبقى لبنان وسوريا".
ويؤكد السنيورة أنه لم يتحدث في تلك الزيارة عن اغتيال الحريري، بل جرى الحديث عن سبل بناء علاقة سوية بين لبنان وسوريا.
ويلفت إلى أن رئيس الوزراء السوري آنذاك ناجي العطري طرح مسألة انفتاح وسائل الإعلام اللبنانية وانتقادها لسوريا. وقد أجابه السنيورة بأنه لفت انتباهه وجود الصحون اللاقطة على أسطح المباني في سوريا وبأن منع المنافذ أو الكتب والمنشورات الناقدة أمر مختلف ومن المستحيل السيطرة عليه وأن ما ينفع هو تغيير الأداء.
وروى له حالات إقفال بعض وسائل الإعلام اللبنانبة ثم إعادة فتحها، وأكد له أن لا أحد يمكن أن يوقف الإعلام في بلد مثل لبنان. وقد كرر السنيورة كلامه أمام بشار الأسد، مؤكدًا أن موضوع الحريات في لبنان لا يمكن أن يُمس.
ويشير السنيورة إلى أنه سعى باستمرار للحفاظ على التواصل على الجانب السوري.
حوار داخلي
وفي تموز 2006 وقعت الحرب مع إسرائيل وقد طالت السنيورة وحكومته اتهامات بالتآمر على حزب الله وبالعمل على إطالة أمد الحرب من أجل إضعافه.
وفي هذا السياق، يوضح السنيورة أنه بعد تشكيل حكومته تعامل مع حزب الله بصفته أحد المكونات الموجودة على الساحة السياسية.
لكنه يشير إلى محاولات من حزب الله لاعتماد وسائل للسيطرة على الحكومة ومنها التواصل المسبق للاتفاق على جدول أعمال مجلس الوزراء وهو ما لم يقبل به.
وكان وزراء حركة أمل وحزب الله قد قرروا الاعتكاف بعد اغتيال جبران تويني لأن مجلس الوزراء قرر أن يتخذ إجراءات وعدم الصمت مقابل استمرار الاغتيالات.
وحينها دعا رئيس مجلس النواب إلى حوار وترأسه بسبب موقف رئيس الجمهورية إميل لحود المطعون به من قبل فريق كبير من اللبنانيين، حسب السنيورة.
وأجريت جلسات عدة بين 6 مارس/ آذار و28 يونيو/ حزيران 2006. وفي الجلسة الأولى أقرت المبادئ الأساسية وهي أولوية المحكمة الدولية وعروبة لبنان والتمسك بالدستور. ثم طرح ملف السلاح والمقاومة دون أن يحصل توافق عليه.
وبحسب السنيورة، ففي الجلسة الأخيرة طرح مع أمين عام حزب الله حسن نصرالله الذي كان يحضر أنه يجب أن تسود فترة تهدئة في لبنان في تلك الفترة التي شهدت عدوانا إسرائيليا على غزة. كما طُرح ترسيم الحدود البرية بين سوريا ولبنان وضرورة الابتعاد عن افتعال المشاكل على الحدود.
حرب تموز
ويرى السنيورة أن ما حدث في يوليو/ تموز 2006 هو افتعال حزب الله مشكلة على الحدود. ويوضح لـ "العربي" أنه خلال جلسات الحوار "أكّد حسن نصر الله أنه لن يكون هناك أي عمل عسكري عبر الحدود وأن أي حدث سيكون لأغراض تذكيرية وحتمًا ليس عبر الخط الأزرق بل في منطقة شبعا".
ويسرد السنيورة أنه "بعد ذلك بأيام، أي يوم 12 يوليو/ تموز 2006 كنت في زيارة صباحية إلى رئيس الجمهورية إميل لحود، ليأتي اتصال للحود من المخابرات، فيخبرني أن هناك حادثا على الحدود وقد خُطف عسكريان إسرائيليان وقد وقع قتلى".
ويشير السنيورة إلى أن المعلومات حينها لم تكن مكتملة، فغادر القصر الرئاسي إلى السراي وطلب حضور نائب أمين عام حزب الله حسين الخليل، الذي حضر ظهرًا، ليستطلع الأمر. وأخبره حينها أنه سنحت لنا الفرصة لخطف جنديين لتبادلهما بأسرى في السجون الإسرائيلية وبالتالي لن نفوتها.
وذكّره السنيورة بتعهد نصر الله والعدوان على غزة، فأجابه الخليل: "لبنان ليس مثل غزة". فرد السنيورة حينها: "إن حكومة إسرائيل ضعيفة وستحاول القيام بأي شيء للاستقواء على لبنان". وأكّد الخليل أن الجنديين قد أخرجا من الجنوب. وطلب السنيورة أن يبقى خط التواصل مع حزب الله للتعاون في حل المشكلة.
ويتابع السنيورة روايته لتك الأحداث بالقول: "بدأت الحدود بالاشتعال وبدأت الاتصالات من قادة العالم الذين استنكروا الواقعة ولاموا لبنان على فعلته واعتبروا أنه بحكم المعتدي".
ودعا السنيورة إلى عقد مجلس وزراء مساء ذلك اليوم والذي نتج عنه الإقرار بأن لبنان لم يكن يعلم ما جرى وأنه يستنكر الأمر ويتبرأ منه.
موقف متردد
ويشير رئيس الوزراء الأسبق إلى أن نصر الله قال بعد تلك الحرب المدمرة إنه لو كان يعلم بحجم ردة فعل إسرائيل لما أقدم على عملية الخطف. لكنه غيّر موقفه بعد 24 ساعة، بحسب السنيورة، الذي اعتبر أن إيران لم تعجب بذلك الموقف ثم اتهم السنيورة وحكومته بالتآمر على حزب الله والخيانة والعمل مع إسرائيل.
ويروى السنيورة أنه خلال تلك الحرب اتُهم بأنه أمر الجيش اللبناني بمصادرة شاحنة تحمل صواريخ تابعة لحزب الله وهو ما نفاه قائد الجيش حينها.
ويلفت إلى أن ترسيم الحدود مع سوريا يساهم في حل مشكلة لبنانية وهي مزارع شبعا الذي اعتبرها "مسمار حجا من أجل تبرير وجود السلاح المتفلت في لبنان".
دمعة دخلت وجدان العرب والعالم
وبعد حرب تموز، تعاظم نفوذ حزب الله لاسيما وأنه أخذ التغطية من الجانب المسيحي في الاتفاق الذي وقع بين نصر الله والتيار الوطني الحر الذي سمي باتفاق مارمخايل في مارس/ آذار 2006.
ويذكر السنيورة أنه أطلق بدايات النقاط السبع التي كانت أساس التسوية في اجتماع جمع السلك الدبلوماسي في لبنان خلال حرب تموز. وأصبح بري بعد ذلك نقطة التواصل بين السنيورة وحزب الله.
وخلال مؤتمر في روما سعى السنيورة إلى نقل لبنان من موقع المعتدي إلى موقع الضحية أمام العالم وأطلق صيغة النقاط السبع الذي تم الاتفاق عليها مع بري والوزراء.
ويروي السنيورة جهوده في إطار وقف إطلاق النار، حيث رفض استقبال وزيرة الخارجية الأميركية كوندليزا رايس عندما وقعت مجزرة في قانا. ثم بدأ الجهد الدبلوماسي لوقف الحرب، حيث عُقد اجتماع وزراء الخارجية العرب في بيروت وألقى السنيورة كلمة وذرف دمعه. ويقول السنيورة: "نصر الله سخر من دمعتي لكنها دخلت وجدان العرب والعالم".