أطلّ رئيس الوزراء اللبناني الأسبق فؤاد السنيورة في الحلقة الثانية من برنامج "وفي رواية أخرى" للحديث عن مرحلة ما بعد الحرب الأهلية التي عاشها لبنان (1975-1990) والتي أثرت على مختلف مناحي الحياة في البلاد.
ويتناول السنيورة، وهو شخصية سياسية ومالية محورية في المشهد السياسي ما بعد الحرب الأهلية، التأثيرات الاقتصادية والسياسية لتلك الحرب على لبنان.
ويؤكد أن لبنان عاش مرحلتين ما بعد الحرب الأهلية حيث كانت الأولى بين عامي 1975 و1977 عند مجيء إلياس سركيس واستلامه رئاسة الجمهورية بعد سليمان فرنجية، معتبرًا أنها كانت مرحلة "الخروج من الحرب وإعادة الإعمار".
لكنه يشير إلى أنّ هذه الآمال في ذلك الوقت كانت "زائفة"، لا سيما مع وجود بداية سيطرة فعلية للأحزاب الطائفية والمذهبية والميليشياوية على الدولة اللبنانية.
وإذ يلفت إلى عملية اجتهاد حصلت في ذاك الوقت لضم هذه المجموعات إلى الدولة اللبنانية، يرى أن هذه الأخيرة هي من "تخلقت" بأخلاق الميليشيات حيث بدأت السيطرة المباشرة على الدولة بداية من عام 1977 قبيل الوصول إلى اتفاق الطائف عام 1989.
اتفاق الطائف
ويشدد على أنّ اتفاق الطائف كان الهدف منه الوصول إلى حلّ نهائي للحرب اللبنانية وصياغة "عقد جديد" بين اللبنانيين، وذلك خلافًا لعقد عام 1943 الذي كانت تغذيه الأحزاب الطائفية ويزيد الفرقة.
ويرى أن اتفاق الطائف قائم على "مسألتين إيجابيتين" الأولى هي حسم "كيانية الدولة اللبنانية، وعدم تقسيم لبنان أو ضمه"، والثانية أن "لبنان قائم على قيم العيش المشترك وأن الدولة مستقلة وأن لبنان بلد عربي الهوية والانتماء".
ويعتبر أنّ الاتفاق جاء لحل معضلة أساسية في لبنان تتمثل في "التوازنات الطائفية" وإنهاء مسألة التقسيمات على أساس شيعي وسني وماروني وكاثوليكي وغيره، وصولاً إلى برلمان يمثل الجميع لتوفير الخدمات للبنانيين.
وتعليقًا على اتفاق الطائف، يذكّر السنيورة بأن بابا الفاتيكان يوحنا بولس الثاني وصف لبنان بأنه "رسالة العيش المشترك والقبول بالآخر لأبنائه ومحيطه العربي وللعالم".
ويقول إنّ لبنان عانى ولا يزال من مشكلتين أساسيتين من اتفاق الطائف تتمثل الأولى في عدم تطبيقه بطريقة صحيحة، حيث كانت العملية "مجتزأة" لتلبية تطلعات بعض السياسيين، بالإضافة إلى رغبات النظام السوري.
ويضيف أن المسألة الثانية تكمن في عدم استكمال ما تم الاتفاق عليه في ما يخص انسحاب القوى وعدم وجود السلاح، وأن يكون هناك إدارة لامركزية موسعة، فضلاً عن عدم إنشاء مجلس للشيوخ.
دور رفيق الحريري
وعن دور رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري قبل توليه رئاسة الوزراء لأول مرة عام 1992، يشرح السنيورة أن الراحل كان ينشط في الثمانينيات في المجال الإنساني إضافة إلى مساعدات قدمها في إعادة بناء المؤسسات وتقديم الدعم لعدد كبير من الطلاب اللبنانيين ومساعدة مدارس وجامعات مهددة بالبيع والإقفال.
ويلفت إلى أن الحريري كان رجل السعودية في لبنان نظرًا إلى العلاقة التي تجمعه بالمملكة وحيازته على الجنسية السعودية، إلا أنه يشير إلى أن الأعمال التي كان يقوم بها رئيس الوزراء الأسبق كانت تتم بمبادرة فردية منه إنما بعلم من المملكة.
ويؤكد أن الحريري كان حاضرًا في مناقشات اتفاق الطائف ولعب دورًا كبيرًا في هذا الإطار إلى جانب الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي سابقًا.
وعن سبب اختيار الحريري رئيسًا للوزراء، يقول السنيورة: الوقت كان شديد الصعوبة لا يمكن إلا وأن يساعد في تحسينه شخص على غرار رفيق الحريري، لافتًا إلى أنه أتى حينها من "بوابة دمشق" مع حفاظه على علاقاته مع السعودية.
وزارة المالية
ويؤكد أن الحريري أتى بتوافق سوري - سعودي - أميركي وأوروبي بشكل عام وبعدها تألفت الحكومة برئاسته.
ويروي السنيورة الذي تولى حقيبة المالية في هذه الحكومة، أن الجيش احتل وزارة المالية في إحدى المرات بعدما اعترض الوزير الأسبق في حينه على شراء سيارات حديثة للضباط وحاول التفاوض بشأن سعرها نظرًا إلى صعوبة الوضع المالي.
ويقول إن الحجة لدخول الجيش إلى الوزارة هو أن سكرتيرة الوزارة أهانت المؤسسة العسكرية، معتبرًا أن هذا الأمر كان "بداية تعليمة" من النظام الأمني السوري اللبناني.
ويشدد على أنه لم يكن من بديل للحكومة في حينه غير مسار إعادة النمو وبناء البنى التحتية وتحسين المناخات الملائمة للاستثمار ولخلق فرص عمل جديدة من أجل إخراج البلد من أزمته.
تناتش الإدارة من قبل الأحزاب
السنيورة يؤكد أن هذا المسار كان يقتضي اللجوء إلى الاقتراض وحصول تقدم على مسار الإصلاح الحقيقي، متحدثًا عن مرحلة طويلة من الاستعصاء على الإصلاح.
ويقول إنه في عهده عادت الموازنات تقدم وتقر في الموعد الدستوري، متحدثًا عن سعيه لوضع تصور جديد للرواتب والأجور لقاء تغيير إصلاحي حقيقي بإعادة الاعتبار للكفاءة، إلا أنه كان هناك اعتصاء على الإصلاح.
ويضيف أنه تم تقديم مشروع قانون يتعلق بإصلاحات مرتبطة بزيادة الرواتب إلا أن الرئيس إميل لحود رفض الإصلاحات.
ويشير إلى أن كل الأحزاب المذهبية والطائفية كانت تريد السيطرة على الدولة وبات هناك تناتش على الإدارة قبل أن تتحول في وقت لاحق إلى الديمقراطية التوافقية.
وحول فرض الضريبة على القيمة المضافة، يلفت السنيورة إلى أن ذلك جاء لتأمين إيرادات لا تشكل أعباء على ذوي الدخل المحدود وبشكل لا يعرض الاستثمار للتراجع فضلًا عن استعادة الاقتصاد من الاقتصاد غير الشرعي، مؤكدًا أن هذه الضريبة كانت من أهم الإجراءات في وزارة المالية بعهده.