يتحدث رئيس الوزراء اللبناني الأسبق فؤاد السنيورة في الحلقة الثالثة من إطلالته في برنامج "وفي رواية أخرى" عن مرحلة توليه وزارة المالية ومحاولاته لإصلاح المؤسسات والعوائق التي واجهها في تلك المرحلة من تاريخ لبنان.
كما يتناول السنيورة ما وصفه بـ"الكيد السياسي" الذي كان عائقًا أمام الإصلاحات ويرد على الاتهامات الموجهة له بالفساد وهدر المال العام، بالإضافة إلى حديثه عن العلاقة المتوترة بين الرئيس السابق إيميل لحود ورئيس الوزراء سابقًا رفيق الحريري والعلاقة مع النظام السوري.
ويسرد السنيورة تفاصيل عن اغتيال الحريري وتداعياته على لبنان والمنطقة، معتبرًا أن هذا الاغتيال كان مدبرًا من "دول عدة"، وأن لحود كان طرفًا في الأزمة التي شهدها لبنان وليس حكمًا، حسبما يقول.
ويتناول رئيس الوزراء اللبناني الأسبق في إطلالته المرحلة الثانية من رئاسة رفيق الحريري للحكومة بين عامي 2000 و2004 ودخول لاعب جديد في المشهد السياسي ألا هو الرئيس إيميل لحود، حيث اشتدت الخلافات بينهما في تلك المرحلة.
مرحلة "الكيد السياسي"
ويصف السنيورة المرحلة الأولى من حكومة الحريري (1998 إلى 2000) ووصول لحود إلى الرئاسة بأنها مرحلة لم تكن "هادئة"، معتبرًا أن هذا الأخير لجأ إلى "أساليب غير دستورية من أجل إحراج الحريري وبالتالي تطفيشه وقرر الحريري آنذاك الامتناع عن تأليف الحكومة".
رئيس الوزراء اللبناني السابق #فؤاد_السنيورة: هذه القصة الجميلة كانت وراء تسمية "السنيورة" 👇#وفي_رواية_أخرى pic.twitter.com/WclksL9TNn
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) December 20, 2022
ويلفت إلى أن تلك اللحظة شكّلت بداية ما يسمى بـ"الكيد السياسي" على مدى سنتين، وكان السنيورة يصرف الأعمال في حكومة رفيق الحريري الذي غادر البلاد ذلك الحين وجرى توجيه اتهامات للسنيورة بنيته "الهرب إلى البرازيل"، مشيرًا بالخصوص إلى بدء مرحلة "الاستهدافات والكثير من الشائعات المضللة من بينها ما يسمى بمحرقة برج حمود التي حصلت عام 1987 قبل الدخول إلى الحكومة".
ويوضح أنه جرى "استخدام القضاء كمخلب من أجل الانتقام من الخصوم السياسيين" في تلك المرحلة التي استمرت لنحو عامين، مبينًا أن تيار المستقبل خاض "معارضة حقيقية بكل معنى الكلمة وعلى مستوى عال من الأداء والحرفية".
ويشدد على أن تلك المعارضة كانت ضرورية في العمل السياسي في تلك المرحلة للاستفادة من تجربة المعارضة و"الإحساس بما يحس به الآخر". ويعرب عن اعتقاده بأنه تمكن هو والحريري من الاستفادة من "تجربة المعارضة".
حكومة الحريري
وعن تشكيل حكومة الحريري (2000 و2004)، يشير السنيورة إلى أنه لأول مرة طلب هو المشاركة في تلك الحكومة، حيث لم يعده الحريري حينها بتوزيره، لكنه "تفاجأ" بتكليفه بتولي وزارة المالية، وليس وزير دولة للشؤون المالية.
ويستذكر أن الحريري قال في إحدى الجلسات إن إعادة السنيورة وزيرًا أصيلًا للمالية في الحكومة هو من أهم إنجازاته السياسية حتى عام 2000.
تهم فساد
وفي الفترة التي تولى فيها السنيورة وزارة المالية بين عامي 2000 و2004 اتهم بهدر المال العام والتسبب في تنامي الدين والفساد ووصل الأمر إلى القضاء.
وحول هذه الاتهامات، يلفت السنيورة إلى أن الإنفاق العام يتم عبر قوانين تصدر عن مجلس النواب. ويقول: "كنت أكثر شخص يعارض التوسع في الإنفاق العام وطالبت بتطبيق الإصلاحات وبإعادة هيكلة المؤسسات وترشيد حجم نفقات الحكومة لتحقيق إدارة فعالة أكثر وكلفة أقل".
ويشير إلى أن هذه الشائعات التي طالته استمرت على مرحلتين الأولى بين عامي 1992 و1998 والثانية بين عامي 2000 و2004.
ويعتبر أن على من يتهمه بزيادة الدين العام الاطلاع على وضع لبنان عام 1992 حيث اضطر للاقتراض على أمل تحقيق الإصلاحات.
ويستذكر السنيورة أنه عند نهاية فترته الوزارية عام 2004 قدّم قانون موازنة عام 2005 قال إن لبنان يعاني من هدر للمال العام وشدد على ضرورة معالجة هذا الأمر.
وقال: "أنا كنت أول من دعا إلى اعتماد مفوضي مراقبة حسابات أساسيين لإدخال الحوكمة الحقيقية إلى إدارات الدولة ومؤسساتها".
ويلفت إلى أنه كان دائمًا يضع هذه المواد القانونية في الموازنة العامة المقترحة على مجلس النواب لكن يصار إلى شطبها إلى أن تمكن في المرحلة الأولى من خلال قانون أقره مجلس النواب عام 2001 أن يخضع جميع المؤسسات العامة إلى الرقابة التي تجريها المؤسسات الدولية.
كما يلفت إلى أن حكومته أقرت في عام 2006 مشروع قانون أرسل إلى مجلس النواب لإحالة كل ما يتعلق بالمؤسسات الحكومية إلى التدقيق الخارجي واللاحق الذي تجريه المؤسسات الدولية.
ويؤكد السنيورة أنه استعاد الانتظام في العمل المالي منذ عام 1993 وحتى عام 2004، حيث جرى تقديم الموازنات إلى مجلس الوزراء بداية وبعدها إحالتها إلى المجلس النيابي وإقرارها في المهل الدستورية. وقال: "هذا كان يحصل لأول مرة في تاريخ لبنان".
ورأى أن الكيد السياسي أدّى لأن يفقد المواطن ثقته بالدولة وأن يفقد لبنان ثقة المجتمعين العربي والدولي بالدولة اللبنانية.
وأضاف: "وقع لبنان بعد إطلاق تلك الشائعات في أزمة كبرى حيث إنه وعلى مدى سنوات منذ 2006 وحتى عام 2017 لم يكن للبنان أي موازنة عامة وآخر موازنة أقرها مجلس النواب كانت في حكومته الأولى عام 2005".
كان ذلك نتيجة محاولة حرف انتباه اللبنانيين عن المشكلات الحقيقية. وقال: "منذ عام 2006 كانت المشكلة الحقيقية مزيد من سيطرة حزب الله والخلاف حول موضوع تأليف المحكمة الدولية".
وإذ يتقبل أن المواطن اللبناني يلقي اللوم على جميع أطراف الخصومة السياسية آنذاك، يشير السنيورة إلى أنه الطرف الذي يتلقى الاعتداءات، ويعتز بأنه لم يخرج عن طوره ولا عن الواقعية والأخلاق في أي رد من الردود طوال تلك السنوات.
موقع إيميل لحود
ويعتبر أن ما حدث يدل على أهمية الدور الذي يلعبه رئيس الجمهورية الذي يفترض بأنه في النظام السياسي هو رمز وحدة الوطن وليس طرفًا أو جزءًا من السلطة التنفيذية بل يتعالى على الصراعات السياسية ويبت في حال حدوثها ويصوّب البوصلة.
ويقول السنيورة: "إيميل لحود جاء طرفًا ولم يكن حكمًا وبالتالي فقد صفته الحقيقية". ويعتبر أن ذلك كان نتيجة لخصومة سابقة حيث كان لحود قائد جيش وكان يسعى لأن يصبح رئيسًا للجمهورية عام 1995 لكن كانت هناك رغبة من قبل الرئيس السابق إلياس الهرواوي بأن يستمر رئيسًا للجمهورية تقابلها رغبة من قبل الرئيس السوري حافظ الأسد بذلك.
وبحسب رواية السنيورة، اتهم إيميل لحود الحريري بالتسبب بعدم توليه رئاسة الجمهورية عام 1995، وعندما أصبح رئيسًا للجمهورية عام 1998 جاء ومعه جبال من الكيد السياسي.
رفع الوصاية السورية عن لبنان
وينفي السنيورة أن يكون للحريري دور في إصدار مجلس الأمن القرار 1559 الذي أوقف الوصاية السورية على لبنان، لكنه يؤكد أن الحريري علم بالجهود الأميركية والفرنسية التي كانت تبذل باتجاه الدفع باتجاه هذا القرار.
وقال: "الحريري كان راغبًا بأن يسترد لبنان سيادته وقراره الحر وعبر عن ذلك، لكنه لم يقم لإقناع الولايات المتحدة وأعضاء مجلس الأمن لإصدار هذا القرار".
ولفت السنيورة، إلى أن رئيس الجمهورية السابق ميشال عون عمل آنذاك من أجل إصدار قرار أميركي بمحاسبة سوريا.
وفي عام 2000 انسحب جيش الاحتلال الإسرائيلي من جميع المواقع التي كان يحتلها على الأراضي اللبنانية وتغيّرت الأوضاع في المنطقة العربية.
وقال السنيورة: "كان يفترض بالسوريين أن يدركوا هذه المتغيرات آنذاك وأن يتصرفوا على أساسها". فبعد أشهر على الانسحاب الإسرائيلي تولى بشار الأسد المسؤولية في سوريا عقب وفاة والده، و"كان هناك تعويل على تغيير في تصرف الأسد عن المرحلة السابقة".
القرار 1559 والتمديد للحود
واعتبر السنيورة أن اتهام الحريري بأنه كان خلف القرار 1559 ساهم بقرار تصفيته، فبنتيجة المحاكمات التي جرت وتحقيقات المحكمة الدولية لأجل لبنان اتهم عناصر من حزب الله كانت على تفاهم مع النظام السوري باغتيال الحريري، مضيفًا: "كان هناك من أخذ القرار وهناك من نفذ العملية".
ويروي السنيورة أنه في نهاية عام 2003 اجتمع الرئيس الحريري بالأسد و"كان اجتماعًا عاصفًا" حضره عدد من الضباط "ولم يتصرف الأسد مع الحريري بالطريقة الصحيحة بل كان اجتماعًا تهديديًا على خلفية التمديد للرئيس لحود في الرئاسة وإطباق النظام السوري الأمني على لبنان والطريقة التي يتعاطى بها لحود مع الحريري". وقد حرص الحريري أن لا يذاع شيء عن ذلك اللقاء وكتم ما جرى خلاله لكنه أخبر السنيورة بالأمر و"قد حمل الألم في قلبه". كذلك حرص الحريري على عدم التمديد للحود باعتباره "تمديدًا للأزمة".
وقال السنيورة: "كان النظام السوري يعتبر أن الطريق الوحيد لضمان سلطته على لبنان عبر التمديد للرئيس إيميل لحود ولا سيما في ظل الوجود الأميركي في العراق"، لذلك حاول الحريري إيجاد شخصية تطمئن النظام السوري وتحافظ على سيادة لبنان، وكان هناك توجه لتأييد جان عبيد.
وتابع السنيورة: "كان بإمكان الرئيس الأسد أن يتجنب الدخول في معمعة لكنه كان عنيدًا".
وبعد اجتماعه العاصف بالأسد، عاد الحريري إلى لبنان واجتمع بوليد جنبلاط الذي نصحه بالتجديد للحود والخروج من البلاد، بحسب السنيورة، الذي روى أحداث لقاء جمعه وباسل فليحان بالحريري في اليوم نفسه. وكان الحريري يقلب الموضوع في رأسه".
وقال السنيورة: "كان رأيي أن يغادر الحريري لبنان بعد أن يقدم استقالته دون أن يجدد للحود وكان فليحان يميل للموقف نفسه"، لكن الحريري كان يقول إن جماعة النظام السوري أي أبو عبدو الموجود في بيروت وأبو يعرب الموجود في عنجر كانوا كافلين بأن يغير الأسد طريقة التعامل مع الحريري بعد أن يوافق على التمديد للحود الذي لا يمكن أن يتم سوى عبر تعديل الدستور الذي يحصل عبر اقتراح تتبناه الحكومة وترسله إلى مجلس النواب لإقراره.
ويشرح السنيورة أن الرأي آنذاك استقر على أن يصار إلى عقد جلسة لمجلس الوزراء والذهاب نحو آلية التمديد للحود، وحاول السنيورة أن يتغيّب عنها، لكن الحريري طالبه بالحضور حيث إن تغيبه قد يعني عدم نية الحريري بالمضي قدمًا نحو التمديد، وأقر التمديد.
وطالب الحريري بعقد اجتماع للحكومة بعد يومين ليثبت النوايا السورية بالنهج الجديد، لكن لحود الذي حضر الجلسة ألغى عددًا من البنود من على جدول الأعمال وهو ما أثار استياء الحريري الذي غادر بعدها لبنان إلى سردينيا.
اغتيال الحريري
وفي شباط/ فبراير 2005 اغتيل رفيق الحريري. وفي هذا السياق، قال السنيورة: "جرى سحب القوى الأمنية المواكبة لرفيق الحريري بأمر من مدير عام قوى الأمن الداخلي وبموافقة رئيس الجمهورية".
وأضاف أن الحريري كان يستبعد دائمًا فكرة اغتياله التي كانت ضربًا من الجنون حيث كان لذلك الاغتيال تداعيات على أكثر من صعيد لبناني وعربي ودولي مستمرة لليوم.
واعتبر السنيورة أن من "أراد اغتيال الحريري كان يريد وضع يده على لبنان وعلى سوريا والعراق وبعد ذلك على اليمن. لكن النتيجة كانت مختلفة وهي "خروج سوريا من لبنان لكن كان بديل سوريا قد أصبح جاهزًا وهو حزب الله حيث كانت إيران تخطط لهذا العمل".
وقال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق: "إن اغتيال الحريري لم يكن عملًا مرتكبًا من أشخاص بل كان عملًا منسقًا ومدبرًا من أكثر من دولة".
المحكمة الدولية
وأشار إلى أن المحكمة الدولية اتهمت وأدانت خمسة أشخاص من حزب الله باغتيال الحريري، لافتًا إلى أن إقرار المحكمة الدولية واجه عقبات مختلفة.
وعبّر السنيورة عن اعتقاده بأن النظام السوري كان على بينة وموافقة على اغتيال الحريري، حيث إن المحكمة الدولية لا تدين نظاما أو حزبا. ولفت إلى تسوية فعلية مع الصين وروسيا لتجنب وضعهما فيتو في مجلس الأمن.
وأحدث غياب الحريري فراغا سياسيا كبيرا فهو "لديه تأييد واسع وكان مدعومًا من الدول العربية، إضافة إلى علاقات شخصية جيدة مع دول العالم".
وبحسب السنيورة، كان هناك رأي عربي بأن لا يتم اختيار سعد الحريري لرئاسة الحكومة، فأصر سعد الحريري على أن يتولى السنيورة تشكيل الحكومة.
والتقى السنيورة بلحود وطلب منه أن تكون علاقتهما مباشرة دون مراسيل، ثم بالبطريرك مار نصرالله بطرس صفير وأخبره بأنه يريد تأليف حكومة لكل اللبنانيين. كما التقى رئيس مجلس النواب نبيه بري. وفي يوليو/ تموز ألف السنيورة حكومته.
وواجهت الفترة التي تولى فيها رئاسة الحكومة اتهامات بالفساد لخصها التيار الوطني الحر في كتاب "الإبراء المستحيل". ويرد السنيورة أن "حكومته أرسلت موازنات 2006 و2007 وحتى عام 2009 ورفض بري استقبال بعضها بدعوى أن الحكومة غير دستورية".
واعتبر السنيورة أن القاعدة الاثني عشرية تطبق لمدة شهر لتسيير الأمور الضرورية وليس لسنوات.
ويؤكد أن مبلغ الـ11 مليار دولار صرف في السنوات التي تولى فيها رئاسة الحكومة بناء على قوانين. وللرد على "الافتراءات" بحق السنيوة، أصدر تيار المستقبل كتاب "الافتراء في كتاب الإبراء"، ثم أصدر السنيورة كتابين هما "المالية العامة بين التسييس والتضليل" و"الدين العام اللبناني".
وأشار السنيورة إلى أن الذي رد على كل هذه الافتراءات هو مدير المالية العامة الذي ينتمي لفريق الثامن من آذار حين قال عندما سئل عن الـ11 مليار: "هذه مسجلة في دفاتر وزارة المالية وفي قيود جميع الوزارات المعنية قرشًا قرشًا".