معارك السودان.. كيف انتقل الصراع إلى إقليم دارفور؟
يتبادل الجيش السوداني وقوات الدعم السريع الاتهامات بشأن مسؤولية تصاعد أعمال العنف في إقليم دارفور، بعد أن امتد الصراع ليشمل باقي المناطق السودانية خارج الخرطوم، وقد وصل التوتر إلى أشده بعد اغتيال والي غرب دارفور.
ويأتي هذا التوتر في ظل تحذيرات أممية من كارثة إنسانية، بسبب أعمال القتال المندلعة هناك، وسط مخاوف من وقوع انتهاكات جسيمة في هذه المنطقة التي تكتنز إرثًا قديمًا من التجاوزات والاقتتال العرقي.
وبالعودة إلى تركيبة الإقليم، يُلاحظ أنه وبالرغم من كون معظم سكانه من المسلمين، إلا أن الفروق العرقية تفعل فعلها في تقسيم السكان بين قبائل عربية وإفريقية، وتكريسها الطبقية الاجتماعية والاقتصادية بين سكان الإقليم.
فمعظم القبائل العربية تتمركز في شمال دارفور، ومنها قبائل الزيادية وبني فضل والزريجات الذين يعرفون بزريجات الشمال.
وهذه القبائل أقل اختلاطًا بالقبائل الإفريقية التي تتركز في جنوب دارفور وغربية المتداخلة مع بعض القبائل العربية.
في المقابل تعيش بعض القبائل الإفريقية شمالي دارفور كقبيلة الفور التي ينسب إليها تسمية الإقليم، وقبيلة الزغاوة التي ينتشر أبناؤها في ثلاث دول إفريقية هي ليبيا وتشاد، بالإضافة إلى السودان.
وبهذا يصبح مفهومًا ذلك الحضور الكثيف للقبائل الإفريقية في غرب دارفور وأهمها المساليت والتاما والزغاوة مع وجود أقل للقبائل العربية التي تتمركز غالبًا في جنوب دارفور كالهبانية والتعايشة.
هذه التركيبة السكانية ستكون لاحقًا أحد أهم مسوغات الاستقطاب القبلي والعرقي مضافًا إليها الجوانب الاقتصادية والاجتماعية، حيث همش إقليم دارفور تنمويًا وتعليميًا، وعانى سكانه من الفقر وشح المياه مع تكرار مواسم الجفاف.
وعلى هذه الأرضية، اندلعت أحداث دارفور في فبراير/ شباط 2003، عندما أعلنت حركة تحرير السودان والعدل والمساواة تمردًا مسلحًا وهاجمت مقرات الشرطة والجيش احتجاجًا على تعسف الحكومة المركزية في الخرطوم وممارساتها ضد القبائل غير العربية.
واتهمت الحكومة السودانية آنذاك بقيادة حملة تطهير عرقي، ودعمها لميليشيات الجنجويد التي تتكون من أبناء القبائل العربية لقتال الحركات المتمردة.
ووقعت أثناء القتال انتهاكات للسكان المحليين بحسب تقارير دولية وأممية، وقد حملت المؤسسات الدولية ومنظمات حقوق الإنسان الجنجويد مسؤولية الممارسات العنيفة بالتواطؤ مع النظام السوداني السابق بقيادة عمر البشير، الذي أعاد تنظيمها فيما بعد لتصبح تحت مسمى قوات الدعم السريع كذراع عسكري للحكومة في دارفور.
لذلك فإن الصراع القائم حاليًا بين الجيش وقوات الدعم السريع قد يجد له امتدادًا اجتماعيًا في بعض الولايات إقليم دارفور، لا سيما مع الدعوات التي تحض على حمل السلاح تحت عناوين الدفاع عن الذات وحماية الممتلكات.
جبهة مواجهة بين الجيش والدعم السريع
وتعد دارفور جبهة مواجهة بين قوات الدعم السريع والجيش السوداني، فما إن اندلع القتال في العاصمة الخرطوم، حتى تدحرجت العمليات القتالية على امتداد الأقاليم والولايات السودانية، لكنه اليوم يكتسب أهمية خاصة في دارفور.
فالإقليم الواقع غرب السودان بتركيبته القبلية والاجتماعية تجعل انعكاسات الصراع عليه أكثر خصوصية بالنظر إلى السوابق التاريخية التي جعلت منه مسرحًا لصراع دموي طويل بداية القرن الحالي، بحسب متابعين لتطورات أزمة دارفور.
وانخرط إقليم دارفور مع بداية الأحداث بالأعمال القتالية ذات الطابع العسكري البحت، عندما سيطرت قوات الدعم السريع على المطارات في شمال الإقليم وغربه، بهدف شل القوات الجوية وعمليات الإسناد التي تقوم بها لصالح الجيش وحرمانه من تغطيتها النارية.
ولأن أجزاء واسعة من الإقليم تشكل حاضنة لقوات الدعم السريع وريثة ميليشيات الجنجويد، فقد أدرك الجيش أهمية استعادة المبادرة في هذا الإقليم الذي يشكل المعقل الرئيسي لقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو المعروف بـ"حميدتي" ورجاله المنحدرين من قبائل ولايات دارفور العربية، إضافة إلى قطع خطوط الإمدادات القادمة منه إلى المناطق الأخرى في وسط وشرق السودان.
مع نهاية أبريل/ نيسان الماضي، بدأت العمليات القتالية تأخذ منحى تصعيديًا، لا سيما في مدينتي نيالا والجنينة عاصمة غرب دارفور، حيث استهدفت بعض الأحياء والأسواق مع وجود ملامح ذات صبغة عرقية، عندما اندلع الاقتتال بين قوات الدعم السريع وقبيلة المساليت في أحياء الجبل والجمارك والرياض ومقر قيادة الدعم السريع وجهاز المخابرات.
وقد يتخذ الاقتتال مسارًا مختلفًا فيما لو دخلت المجموعات المسلحة على خط المواجهات حتى لو كان تحت ذريعة حماية السكان والممتلكات، كما قال حاكم إقليم دارفور وقائد حركة جيش التحرير السوداني مني أركو مناوي في مناسبة سابقة، مما قد يعيد تشكيل المشهد المسلح في دارفور ما قبل اتفاق جوبا، حيث تتخذ عدة جماعات مسلحة من الإقليم مقرًا لها، مع ما يعنيه ذلك من صعود النزعة الانفصالية وإذكاء الحرب العرقية من جديد بين القبائل، بحسب متابعين لتطورات الأزمة السودانية.
ويخشى كثيرون من أن يؤدي استمرار الحرب وانفلات السلاح والأطماع بتحقيق مكتسبات مبكرة على الأرض إلى تفجير الصراع في دارفور من جديد، فيما يدخل الإقليم ومعه السودان في دوامة العنف التي دامت عقودًا طويلة قبل اتفاق السلام في جوبا.
كيف انتقل الصراع إلى دارفور؟
وفي هذا الإطار، توضح الباحثة السودانية في دراسات السلام وحقوق الإنسان سعاد مصطفى، أن الصراع في السودان انتقل إلى دارفور، لأن موطن قوات الدعم السريع الأصلي في هذه الإقليم على اعتبار أن حميدتي ينحدر من دارفور، مشيرة إلى أن هذه المنطقة هي منطقة صراعات إثنية ومنطقة صراعات ما بين حركات مسلحة وما بين الحكومة لعشرين عامًا.
وتضيف في حديث لـ"العربي" من مانشستر أن اندلاع الصراع في 15 أبريل في السودان تزامن مع مرور 20 عامًا على الحرب في دارفور، لافتة إلى أن الأوضاع لم تستقر حتى بعد ثورة ديسمبر/ كانون الأول 2018، وعقب تكوين الحكومة الانتقالية عام 2019، بل سادت التوترات والعلاقات ما بين الجهات التي كانت أصلًا تقوم بهذه الحرب سواء كانت الحركات المسلحة أو الدعم السريع.
وتردف أن دارفور كانت مؤهلة لأن تخوض الحرب، بعد اندلاع الصراع في السودان، مشيرة إلى أن الأوضاع في الإقليم استمرت بالتوتر والعنف، إلى أن أدى أخيرًا إلى قتل أو اغتيال والي غرب دارفور وموت الآلاف.
وتوضح مصطفى أن الصراع يتخذ شكلًا قبليًا، لأن دارفور إقليم موبوء بالحروب القبلية ما بين المجموعات العربية والسكان الذين يقال لهم الأصليون، كما أن الحركات المسلحة التي تطالب بالعدالة في الثروة، تحارب الجيش الذي يتكون من مؤسستين، الدعم السريع والقوات المسلحة.
وبشأن موقف الحركات المسلحة السابقة في دارفور والموقعة على اتفاق جوبا، تلفت إلى أن هذه الحركات ليس لها أي دور حتى اللحظة، مشيرة إلى أن حاكم إقليم دارفور لم يظهر في منطقة الجنينة الأكثر التهابًا وأكثر تأثرًا والتي تدور فيها الحرب.