تبدأ الحكومة اللبنانية مناقشة موازنتها وسط مخاوف من زيادات كبيرة في الأسعار وفي الضرائب في ظل التفاوض مع صندوق النقد الدولي.
وتلمح الحكومة إلى احتمال رفع أسعار الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والماء والاتصالات، فيما يشير خبراء الاقتصاد إلى مواد تسمح لمجلس الوزراء لاحقًا برفع التسعيرة بحجة ارتفاع سعر صرف الدولار.
لكن اللبناني أصلًا يدفع ثمن هذه الخدمات مرتين، فمرة للدولة ومرة ثانية لتغطية عجز الدولة عن تأمين هذه الخدمات، كالكهرباء مثلًا، بحيث يدفع المواطن فاتورة الكهرباء الأساسية كما يدفع أيضًا لصاحب المولد الكهربائي الذي يمده بالطاقة خلال ساعات التقنين.
ضرائب جديدة على شعب يعاني
ويرزح لبنان تحت وطأة أزمة اقتصادية كبيرة مستفحلة منذ عامين، ويبدو أنه رغم ذلك لم يقتنع المواطنون بما تحاول الحكومة تقديمه لحلّها، لا سيما لجهة فرض ضرائب جديدة على شعب يعاني أصلًا.
وتشرح الصحافية الاقتصادية اللبنانية عزة الحاج حسن أن مشروع الموازنة هو مادة تتيح للحكومة تحديد سعر صرف الدولار بما يتناسب وحجاتها، التي ستستوفي بموجبها الضرائب والرسوم.
وتضيف الحاج حسن في حديث إلى "العربي": "ربما نشهد لاحقًا قراراً حكوميًا يرفع سعر صرف الدولار الذي تستوفى بموجبه الضرائب".
لكن أكثر ما يقلق الشارع وخبراء الاقتصاد هو ارتباط هذه الموازنة بالمفاوضات الجارية مع صندوق النقد الدولي، ما يعني تكبيلها بشروط الصندوق التي يقولون إنها لا تراعي الفئات الأشد فقرًا.
وقد سربت في الآونة الأخيرة مسودة الموازنة المحتملة، وفيها ما يشير بطياتها إلى السعي الحكومي لرفع الإيرادات فيما الإنفاق الاجتماعي على التعليم والصحة والسكن وغيرها من الأمور التي تمس حياة الناس شبه غائب عن رادار الموازنة الموعودة.
تراجع "غير واقعي" في سعر الصرف
ومن بيروت يتحدث الخبير الاقتصاد إيلي يشوعي لـ"العربي" أكثر عن مشروع الموازنة المرتقب مناقشته غدًا الإثنين، في ظل التحسن الطفيف بسعر صرف الليرة مقابل الدولار بشكل قد يكون "مقصودًا" من المصرف المركزي، وفق قوله.
ويشير يشوعي إلى أنه في غياب ما يسمى المعطى المالي أي التراجع "غير الواقعي" في سعر الصرف، إذ لم تسترجع أموال المودعين ولم ينتهِ التفاوض مع صندوق النقد الدولي أو تدفق الدولار بشكل في السوق وزيادات الاستثمارات، فإنّ هذا التراجع يعد بالتالي سياسيًا.
ولذلك، يحذر يشوعي من أن سعر الصرف هذا "سرعان ما سيعود إلى مستواه الاقتصادي الطبيعي"، ويشرح أن الفجوة المالية بين الكتلة النقدية بالليرة اللبنانية كبيرة وستزيد مع موازنة 2022 لتفوق الـ 50 ترليون ليرة خلال العام الجاري.
هل من "تواطؤ"؟
ومقارنةً مع الاحتياطات المتوافرة حاليًا في مصرف لبنان المركزي من العملات الأجنبية، يتخوف الخبير الاقتصادي من تكون "هوة سحيقة مفتعلة وسياسية".
أما عن تبعات هذا الأمر فيقول يشوعي إنه سيخلق خوفًا عند الجميع بشكل عام، وبشكل خاص عند من يصفهم بـ"صغار حاملي الدولار"، متهمًا حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بالتواطؤ مع شركات صيرفة كبيرة لتحقيق هذا التراجع الكبير بسعر الصرف.
ويتابع: "خلف ما حصل اتفاق سياسي قضائي.. وبالتالي فإن كبار حاملي الدولار من التجار وغيرهم على دراية بهذه اللعبة وعلم بأن ما يحصل هو مؤقت وسيعود سعر الصرف إلى الارتفاع وذلك لأن البنك المركزي فقد كل إمكانياته على التدخل والمحافظة على الليرة".