يحصل المزيد والمزيد من الناس من حول العالم على اللقاحات المضادة لكوفيد-19، بشكل يومي، إلا أن الدراسات الحديثة تكشف أن عددًا كبيرًا من البشر لا يزالون يرفضون اللقاحات رغم الخطر الكبير الذي قد يشكله فيروس كورونا.
فعلى سبيل المثال، أظهرت مجلة الجمعية الطبية الأميركية أن 32% من المواطنين في الولايات المتحدة أعربوا عن عدم رغبتهم في التطعيم ضد كورونا.
وأحدث مجموعة من المشككين في اللقاح هم آباء لأطفال الذين حصلوا مؤخرًا على موافقة السلطات الصحية بتلقيح أبنائهم، وفقًا لموقع "إن بي سي نيوز".
لكنّ هذا الميل إلى رفض اللقاحات ومناهضتها ليس وليد كوفيد-19 الذي أججه استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لنشر نظريات المؤامرة أكثر من أي وقت مضى، بل يعود إلى القرن الثامن عشر حين أعطيت أولى الجرعات اللقاحية.
تاريخ التطعيمات
يشير موقع "هيستوري أوف فاكسيين" إلى أن الصينيين هم أول من استخدموا التلقيح، وتحديدًا ضد مرض الجدري منذ عام 1500 عن طريق استنشاق مسحوق مصنوع من قشور جرب الجدري من أجل حماية أنفسهم من المرض.
وكان ذلك تحديدًا قبل ما يقرب من 300 عام من إطلاق إدوارد جينر اللقاحات في الغرب عام 1796 عن طريق أخذ السائل من نفطة جدري البقر وخدشه في جلد المريض.
فمن حينها شهدت الأجيال مقاومة شديدة من قبل الأفراد المتشككين، نجمت من تأثيرات جانبية إلى دراسات زائفة ونظريات مؤامرة.
1796: بداية المخاوف
وفي تقرير لوكالة "فرانس برس" عن منحى مناهضة اللقاحات على مر الأجيال، ذكر أنه على مدى عصور تسبب مرض الجدري بوفاة الملايين أو تشوّههم إلى أن تم القضاء عليه في العام 1980 من خلال التلقيح.
هذا الفضل يرجع إلى الطبيب الإنكليزي إدوارد جينر الذي خطرت له فكرة استخدام فيروس جدري البقر الأقل شدة لطفل لتحفيز استجابته المناعية بعدما لاحظ أن من يعملون في حلب البقر نادرًا ما يصابون بالجدري، وكان ذلك عام 1796.
وتكلّلت العملية التي أطلق عليها جينر تسمية "فاكسينوس" (مشتقة من بقرة بالغة اللاتينية) بالنجاح، لكنها أثارت تشكيكًا ومخاوف، إذ عام 1802 نشرت رسوم كرتونية تظهر تحوّل الملقحين إلى وحوش بهيئات أنصاف بشر وأنصاف بقر.
وقبل جينر كانت تعتمد ضد الجدري وسيلة تلقيح تنطوي على مخاطر أكبر نقلتها الكاتبة الإنكليزية ليدي ماري وورتلي مونتاغيو من الدولة العثمانية إلى أوروبا تقوم على تحفيز المناعة بشكل مصطنع ضد الأمراض المعدية.
وكان يصار إلى حقن الأفراد بالسوائل التي تحتويها البثور أو فرك الجلد بقشور الجدري المجففة. والإصابات الناجمة عن هذه الآلية غالبًا ما كانت طفيفة لكنّها أعطت الأفراد مناعة.
1853: تطبيق إلزامية التلقيح
بحسب "فرانس برس" أصبحت بريطانيا عام 1853 أول دولة كبرى تفرض إلزامية تلقيح الأطفال ضد الجدري، بعد أن احتذت حذو بافاريا والدنمارك اللتين كانتا قد جعلتا التلقيح إلزاميًا قبل أكثر من ثلاثة عقود.
وعلى غرار ما يحصل اليوم قوبل ذلك بمقاومة قوية، بحيث استندت اعتراضات المؤمنين بنظريات المؤامرة والمشككين بأسس دينية، والتخوف من مخاطر حقن البشر بمنتجات حيوانية والتحجج بانتهاك الحريات الفردية.
وساهم ذلك في التوصل عام 1898 إلى ما اصطُلح على تسميته "بند الضمير" الذي يتيح إعفاء المشككين من إلزامية التلقيح.
1885: باستور وداء الكلَب
كان التطعيم ضد الكلب الذي طوره عالم الأحياء الفرنسي لويس باستور عام 1885 هو العملية الأخرى التي أثرت على الأمراض البشرية نهاية القرن التاسع.
أما تقنية باستور فترتكز على حقن الأرانب بفيروس جرى إضعافه.
لكن العملية أثارت مجددًا تشكيكًا وقد اتُّهم باستور بالسعي لتحقيق أرباح من لقاحه وبإعداد "الداء في المختبر".
العشرينيات: "العصر الذهبي" للّقاحات
وازدهرت اللقاحات في عشرينيات القرن الماضي وقد أعطيت جرعات لقاحية ضد السل (1921)، كما تم تطوير اللقاحات المضادة للخناق (1923) والكزاز (1924) والسعال الديكي (1926).
وفي هذه الفترة بدأ استخدام أملاح الألمنيوم لزيادة فاعلية اللقاحات.
لكن بعد أكثر من نصف قرن أصبحت هذه الأملاح مصدر تشكيك، وساد اعتقاد بأنها تؤدي إلى التهاب اللفافة البلعمية الذي يتسبب بإصابات عضلية وإرهاق.
فيما كان منتصف القرن العشرين وفق موقع "هيستوري أوف فاكسين" وقتًا نشطًا للبحث والتنمية في مجال التطعيم، حيث أدت طرُق تنمية الفيروسات في المختبرات إلى اكتشافات وتجديدات سريعة، بما في ذلك تطوير لقاح لشلل الاطفال.
1998: دارسة زائفة حول التوحد
عززت في العام 1998 نظريات المؤامرة ضد اللقاحات، بعد دراسة نشرتها صحيفة "ذا لانست" الطبية الرائدة تتحدث عن وجود صلة بين التوحد والجرعة الثلاثية المضادة للحصبة والنُّكاف والحصبة الألمانية.
وبعد سنوات تبيّن أن الدراسة التي أعدّها آندرو ويكفيلد وزملاؤه زائفة وقد حذفت من الصحيفة كما شطب ويكفيلد من السجل الطبي.
وعلى الرغم من خلوص دراسات لاحقة إلى عدم وجود صلة كتلك، لا يزال المناهضون للقاحات يعتمدون دراسة ويكفيلد مرجعًا لهم، إذ عاودت دراسة ويكفيلد الظهور في الولايات المتحدة عام 2016 في فيلم "فاكسد" المثير للجدل والذي يروجّ لنظريات مؤامرة.
2009: مخاوف إنفلونزا الخنازير
تسببت "أنفلونزا الخنازير" عام 2009 التي تعرف أيضًا بـ"إتش1إن1" الناجمة عن فيروس من سلاسة الأنفلونزا الإسبانية الفتاكة، بقلق بالغ.
لكن تبين لاحقًا أن الـH1N1 لم يكن فتاكًا بقدر ما كان يعتقد وتم تلف ملايين الجرعات اللقاحية التي أنتجت لمكافحته مما أشاع أجواء انعدام الثقة إزاء حملات التلقيح.
وقد تفاقمت الأوضاع سوءًا بعدما تبين أن "بانديمريكس" وهو أحد اللقاحات المضادة يزيد من مخاطر الإصابة بالتغفيق أو النوم القهري.
2020: خرافات حول شلل الأطفال
بعد القضاء عليه في إفريقيا في آب/ أغسطس 2020 بفضل اللقاحات، لا يزال شلل الأطفال ينشط في باكستان وأفغانستان حيث لا يزال المرض متوطنًا.
وتسهم نظريات المؤامرة المناهضة للقاحات في فقدان مزيد من الأرواح من جراء هذا المرض.
ففي أفغانستان مثلًا تعارض حركة طالبان حملات التلقيح وتعتبرها مخططات غربية لإصابة الأطفال المسلمين بالعقم، بحسب ما نقلت "فرانس برس".
لكن الحركة بعدما عادت إلى السلطة العام الماضي قرّرت التعاون مع منظمة الصحة العالمية ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف" بهذا الشأن.
2020 إلى اليوم.. مناهضة لقاحات كورونا
بدأت بريطانيا في ديسمبر/ كانون الأول 2020، حملة تطعيم شاملة ضد فيروس كورونا لتكون أول دولة تقر لقاح "فايزر"، للترافق هذه الحملة مع انتشار كبير لنظريات المؤامرة والشائعات بشأن جدوى اللقاح الأميركي وغيرها من التطعيمات العالمية في جميع أنحاء الكوكب.
فقد شهدنا في العامين الماضيين ترويجات واسعة لمظاهر انعدام الثقة والمعلومات المضللة ولا سيما على الفضاء الرقمي، رافقتها في الشارع احتجاجات لآلاف المناهضين لإجراءات الإغلاق والتطعيم من مختلف البلدان.
رغم توصل البشر إلى لقاح ضد #كورونا، لكن الأمر لم يسلم من الخرافات ونظريات المؤامرة كذلك.. فما حقيقتها؟ 🤔 pic.twitter.com/ThkBdSIEaW
— أنا العربي - Ana Alaraby (@AnaAlarabytv) December 7, 2020
ولم يكتفِ المحتجون بالرفض وحسب بل عبروا عن عدم ثقتهم بحكومات بلادهم، متهمين وسائل الإعلام أيضًا "بخدمة أجندات"، فيما لم تسلم منظمة الصحة العالمية أيضًا التي وجهت نحوها سهام "التضليل" عبر إخفاء حقيقة الجائحة.
كما يعمد عدد من النشطاء إلى استغلال وفاة أشخاص بعد تلقي اللقاح وهم في سن الشيخوخة أو يعانون من ظروف صحية خاصة لدعم المواقف السلبية إزاء حملات التلقيح، عبر الاستناد إلى حقائق ناقصة أو محرّفة.