بعد فشل موسكو في الاستيلاء على كييف خلال الأسابيع الأولى من الهجوم الروسي على أوكرانيا، ركّزت في أبريل/ نيسان الماضي أهدافها على الشرق الأوكراني وتحديدًا إقليم دونباس.
وتحوّلت مدينة سيفيرودونيتسك إلى نقطة محورية للهجوم، حيث اشتدت وتيرة المعارك الضارية فيها، بينما تسعى القوات الأوكرانية إلى منع روسيا من الاستيلاء على المدينة بأكملها.
وقصفت القوات الروسية سيفيرودونيتسك بالمدفعية الثقيلة محدثة دمارًا هائلًا وخسائر فادحة في صفوف القوات الأوكرانية.
والإثنين، دخلت القوات الروسية وسط المدينة، بينما قال الحاكم الأوكراني لمنطقة لوغانسك سيرهي هايداي إن القوات الروسية سيطرت على ما يصل إلى 70% من سيفيرودونيتسك.
وذكرت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية أن المدينة تعتبر جزءًا أساسيًا في أهداف موسكو المتمثلة في الاستيلاء على إقليم دونباس الذي يضمّ ما يُعرف بـ"جمهوريتي لوغانسك ودونيتسك" الانفصاليتين.
أين تقع سيفيرودونيتسك؟
تقع سيفيرودونيتسك في لوغانسك، بالقرب من الحدود مع دونيتسك، على بعد حوالي 90 ميلًا جنوب الحدود الروسية، وبالقرب من نهر دونيتس الذي يقطع شرق أوكرانيا.
ومعركة سيفيرودونتسك هي استمرار للصراع الذي بدأ مع الهجوم الروسي على أوكرانيا عام 2014. ومنذ ذلك الحين، تمّ تقسيم المنطقة إلى مناطق تسيطر عليها حكومة كييف وأخرى تحت سيطرة الانفصاليين المدعومين من روسيا. وشهدت المدينة قتالًا مطولًا على مدى السنوات الثماني الماضية على طول "خط الجبهة".
القوات الروسية تسيطر على نصف مدينة سيفيرودونيتسك الإستراتيجية شرقي #أوكرانيا #العربي_اليوم #روسيا تقرير: عمار السواد pic.twitter.com/VFOetrQwop
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) May 31, 2022
وبعد أن استولى الانفصاليون على مدينة لوغانسك، التي كانت العاصمة الإدارية لأوبلاست لوغانسك، اتخذت أوكرانيا من سيفيرودونيتسك عاصمة إدارية لها.
قبل الحرب، كان عدد سكان المدينة حوالي 100 ألف نسمة. وتُعرف منطقة دونباس بأنها المركز الصناعي لأوكرانيا. وتحتوي سيفيرودونيتسك على العديد من المصانع بالإضافة إلى مصنع آزوت للكيميائيات، وهو أحد أكبر مصنّعي الأسمدة النيتروجينية في أوكرانيا، حيث كان يتم تصدير الأسمدة المنتجة هناك إلى جميع أنحاء العالم.
ما هي أهميتها الاستراتيجية؟
خلال الأشهر الماضية، تجاوزت القوات الروسية الحدود الفاصلة بين المناطق التي يسيطر عليها الانفصاليون، وتلك التي تسيطر عليها الحكومة الأوكرانية.
وسيفيرودونيتسك هي واحدة من آخر المدن التي تقف في طريق سيطرة روسيا على لوغانسك. وتملك المدينة موقعًا إستراتيجيًا بما في ذلك موقعها على نهر دونيتس.
وقال مايكل كوفمان، مدير الدراسات الروسية في معهد أبحاث "سي أن إيه" في أرلينغتون بولاية فيرجينيا، لصحيفة "واشنطن بوست" الشهر الماضي، إن المدينة واحدة من 3 مدن تحتاج روسيا للسيطرة عليها في دونباس.
وتحاول روسيا قطع القوات الأوكرانية الموجودة هناك عن خطوط الإمداد إلى الغرب. ويساعد الاستيلاء على سيفيرودونيتسك روسيا على مهاجمة مدينة ليسيتشانسك المجاورة وتأمين السيطرة الكاملة على منطقة لوغانسك. ومن هناك، يمكنهم الانتقال جنوب غربًا إلى دونيتسك.
لكن نهر دونيتس لا يزال يمثل عقبة أمام تقدّم القوات الروسية إلى ليسيتشانسك، الواقعة على الجانب الآخر من النهر وإلى دونيتسك.
وقال سيرغي غايداي حاكم لوغانسك، السبت، إن القوات الروسية قامت بتفجير الجسور لمنع أوكرانيا من استقدام تعزيزات أو مساعدات.
وأضاف معهد دراسة الحرب أن المشاكل المتعلقة بالقوة القتالية والروح المعنوية ساهمت في إحراز روسيا تقدمًا تدريجيًا فقط في دونيتسك المجاورة. وبالنسبة لأوكرانيا، فإن التمسك بسفيرودونيتسك سيمنع الكرملين من تحقيق انتصار كبير في حرب استمرت لفترة أطول مما كان متوقعًا، وتأتي بتكلفة كبيرة على موسكو.
وصرح غايداي لوسائل الإعلام المحلية يوم الجمعة، أن القوات الأوكرانية تمكّنت من استعادة السيطرة على 20% من المدينة. لكن معهد دراسة الحرب يرجّح أن تنسحب أوكرانيا من المدينة لتعزيز قواتها في أماكن أخرى، بدلًا من اتخاذ موقف يائس أخير كما فعلت قواتها في ماريوبول.
وذكرت وزارة الدفاع الروسية، السبت، أن بعض الوحدات الأوكرانية تنسحب من سيفيرودونيتسك.
القوات الروسية تجبر الجيش الأوكراني على الانسحاب من سيفيرودونتسك بعد أن كبدته خسائر فادحة #روسيا #أوكرانيا تقرير: عادل ضيف الله pic.twitter.com/ZqiOE4U3wd
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) June 5, 2022
ما هي أهميتها الرمزية؟
منذ عام 2014، كانت سيفيرودونتسك نقطة اشتعال بين أوكرانيا وروسيا، حيث استولى عليها الانفصاليون المدعومون من روسيا لفترة وجيزة.
بالنسبة لروسيا، يوفّر الاستيلاء على المدينة نصرًا رمزيًا تشتد الحاجة إليه بعد انتكاسات كبيرة خلال الحرب. وسيسمح ذلك للكرملين بإعلان التقدم نحو هدفه المتمثل في "تحرير" دونباس، وهي المنطقة التي يتحدث فيها جزء كبير من السكان اللغة الروسية كلغة أولى.
ووصف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الروس والأوكرانيين بأنهم "شعب واحد" وسعى إلى تقويض فكرة الدولة الأوكرانية، زاعمًا أنه ينوي "الدفاع" عن المتحدثين باللغة الروسية في الشرق الأوكراني. واعترف بوتين بأن منطقتي دونيتسك ولوغانسك مستقلتان قبل أن الهجوم على أوكرانيا في فبراير/ شباط الماضي.
والشهر الماضي، قالت الولايات المتحدة إن موسكو تستعد لضم المناطق إلى جانب مدينة خيرسون الجنوبية.
لكن هؤلاء السكان الذين يتحدثون الروسية يعارضون سيطرة روسيا على مناطقهم، حيث دفعتهم الحرب إلى التخلّي عن اللغة الروسية كوسيلة لمقاومة العدوان.
ومن المرجّح أن يكون انتصار روسيا على سيفيرودونيتسك باهظ الثمن: فقد غادر معظم سكانها، ولا يزال هناك حوالي 13000 مدني يحتمون في المدينة.
وقال أولكسندر ستريوك، رئيس بلدية سيفيرودونيتسك، إن القتال دمّر جميع البنية التحتية الحيوية. بينما أكد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إن 90% من منازل سيفيرودونتسك تعرّضت لأضرار.