شهدت دول أوروبية عدة في 2022، صعودًا لأحزاب اليمين في ظل أزمات اقتصادية وسياسية تمر بها أوروبا، خصوصًا بسبب عدم تمكنها من حل مشكلات الهجرة واللجوء وتبعات الحرب في أوكرانيا.
وتُعد المظاهرات في العديد من العواصم الأوروبية مؤشرًا على تفاقم مشكلة التضخم وما يرافقها من أزمة أسعار الطاقة والمحروقات والأعباء الاقتصادية المترتبة عنها.
وتمكنت أخيرًا بيئة أحزاب اليمين من طرح نفسها بديلًا سياسيًا والوصول إلى السلطة في السويد وإيطاليا.
في هذا الصدد، يوضح أستاذ العلوم السياسية في جامعة جنيف حسني عبيدي أن هناك ظروفًا إقليمية تمر بها أوروبا من انكماش في الاقتصاد وعودة بعض التيارات التي تستخدم خطابًا هوياتيًا في ظل ضعف الأحزاب التقليدية سواء أكانت من اليمين المعتدل أو حتى اليسار.
ويمكن رصد المناخ اليميني في سويسرا كذلك، حيث تمكن اليمين أخيرًا من تعزيز صفوفه في الحكومة الفدرالية والفوز بمناصب أساسية.
وباتت أكثرية يمينية تحكم المجلس الفدرالي السويسري، بحيث تمكن اليمين بعد التعديل الوزاري الأخير من الحصول على الوزارات الوازنة.
فقد تولى ألبرت روستي الذي يرأس حزب الشعب اليميني وزارة الطاقة والبيئة برغم تاريخه في العمل لصالح شركات النفط، في تطور سياسي أثار اعتراض المدافعين عن البيئة، واعتبر مؤشرًا إضافيًا على صعود أجندة اليمين في موازاة تشريعات جديدة أدت إلى رفع سن التقاعد وتجميع الرواتب.
ويشير رئيس قسم الاقتصاد السياسي في مركز جنيف للدراسات ناصر زهير إلى أن اليمين المتطرف يحاول دفع الحكومة السويسرية من خلال بعض المقايضات كي تنخرط بشكل أكبر في الصراعات الدولية.
#جورجيا_ميلوني أوّل رئيسة للحكومة في #إيطاليا بعد فوز اليمين المتطرّف بالانتخابات التشريعية pic.twitter.com/2wsRGeVoBk
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) September 26, 2022
فخطاب الهوية وقضايا الهجرة والدين والأزمات الاقتصادية الناتجة عن الحرب في أوكرانيا، كلها عوامل أسهمت في انتعاش اليمين الأوروبي، في واقع يرجح استمراره العام المقبل بظل استمرار هذه الأزمات وتراجع الأحزاب التقليدية في معظم الدول الأوروبية.
صعود اليمين المتطرف في أوروبا
وفي السنوات الماضية أصبح صعود اليمين المتطرف اتجاهًا واسعًا عبر معظم دول أوروبا، ورغم أن الأفكار القومية دائمة الحضور في السياسة الأوروبية، لكنها تشهد حاليًا مستويات مرتفعة من التأييد لأحزاب أقصى اليمين وما تروج له من أفكار شعبوية متشددة.
ففي السويد صعد اليمين المتمثل بالحزب الديمقراطي من خلال خطاب رفض استقبال المهاجرين، وفي انتخابات سبتمبر/ أيلول الماضي، فاز هذا الحزب بالأكثرية مع تحالف يميني من عدة أحزاب.
ورغم استقبال برلين نحو مليون لاجئ بحلول عام 2016، فقد عزز حزب "البديل لأجل ألمانيا" اليميني مواقعه وحصد 89 مقعدًا في البرلمان.
وفي فرنسا حصلت مارين لوبان زعيمة حزب التجمع الوطني على 42% في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، كما نجح حزبها في الحصول على 89 مقعدًا في البرلمان.
وفي المجر، فاز حزب "فيد سيز" اليميني الراديكالي بحوالي 53% من الأصوات، ما سمح للشعوبي فيكتور أوربان بإعادة انتخابه رئيسًا للوزراء للمرة الرابعة وسط تنام واضح للتيار الشعبوي.
وفي بولندا، طالبت السلطات ألمانيا بـ1300 مليار يورو تعويضًا عن أضرار لحقتها خلال الحرب العالمية الثانية، فيما عده مراقبون جزءًا من الإستراتيجية الشعبوية لحزب القانون والعدالة الحاكم في وراسو.
أما نجمة اليمين الأوروبية الصاعدة حاليًا فهي جورجيا ميلوني، التي ترأس حزب "إخوة إيطاليا" والتي فازت في الانتخابات الأخيرة، وترأس تحالفًا يوصف بأنه الأكثر تشددًا في إيطاليا منذ انتهاء حكم موسوليني.
"مؤشرات خطيرة"
وفي هذا الإطار، يرى الكاتب الصحفي مصطفى طوسة في صعود اليمين القومي المتطرف في أوروبا والمطالبة بقضية التعويضات عن الحرب العالمية الثانية، مؤشرات خطيرة، تعطي فكرة حول نوعية التعايش السلمي بين مختلف مكونات المجتمع الأوروبي في المستقبل.
ويشير في حديث إلى "العربي" من العاصمة الفرنسية باريس، إلى أن هناك أطيافًا واسعة من المجتمعات الأوروبية تحمل المهاجر مسؤولية الأزمات الاقتصادية.
وفي إشارة للمطالبة بتعويضات الحرب العالمية الثانية، يلفت إلى أنها تعكس العقلية المتطرفة التي ترى في المهاجر الأجنبي تهديدًا على الأمن الاقتصادي والاجتماعي.
ويصف طوسة الحركات التي يشهدها العالم تجاه الأجانب بـ"العنصرية"، مشيرًا إلى أن الناخب الأوروبي يعطي صوته بزخم أكبر لهذه الحركات المتطرفة.
ويضيف طوسة أن أوروبا تعيش نوعًا من التناقض السياسي والازدواجية السياسية، مشيرًا إلى أن واقع الاقتصاد الأوروبي يقول إنه في حاجة إلى اليد العاملة الأجنبية وأنه مرغم على أن يفتح أبوابه لليد العاملة لكي يضمن وتيرة نموه الاقتصادية، فيما يقول الواقع السياسي بأن هناك أحزابًا تحمل الأجانب والمهاجرين منبع أزمتهم الاقتصادية.
ويتابع أنه لا يمكن اعتبار اليمين المتطرف في أوروبا كتلة سياسية متجانسة، مشيرًا إلى أن كل دولة لها واقعها الخاص، وأن موقف اليمين المتطرف هو التقوقع على الذات القومية.
ويخلص الكاتب الصحفي إلى أن اليمين المتطرف ليس لديه نظرة أوروبية شاملة، بقدر ما يدافع كل حزب أو حركة يمينية عن مصالح بلدها القومية.