الأربعاء 20 نوفمبر / November 2024

وسط صراع العسكر.. ما مصير الانتقال الديمقراطي في السودان؟

وسط صراع العسكر.. ما مصير الانتقال الديمقراطي في السودان؟

شارك القصة

فقرة من برنامج "قضايا" حول مصير الانتقال الديمقراطي وسط تدهور الأوضاع في السودان (الصورة: غيتي)
تدهور المشهد السوداني بسرعة إلى الاقتتال الدموي، وكأن أطراف الصراع كانوا في حالة هدوء تحضيرًا لمثل هذا السيناريو.

بعد سقوط نظام عمر البشير على وقع المظاهرات التي عمت السودان نهاية 2018، دخلت البلاد مرحلة جديدة تحت عنوان "التغيير والقطع"، مع إرث 30 عامًا من الاستبداد والديكتاتورية.

وتجنبًا للفراغ السياسي، أنشئ المجلس العسكري الانتقالي لإدارة مرحلة ما بعد البشير، إلا أن الاحتجاجات بقيت مستمرة للمطالبة بنقل السلطة إلى المدنيين.

واصطدم المتظاهرون بالعسكر أمام مقر قيادة الجيش، فيما عرف بموقعة فض اعتصام القيادة العامة في يونيو/ حزيران 2019.

وفي أغسطس/ آب من نفس العام، أي بعد مرور شهرين على تلك الواقعة، أنشأ مجلس السيادة السوداني لتسيير المرحلة الانتقالية، ثم تشكلت في سبتمبر/ أيلول حكومة مدنية برئاسة عبد الله حمدوك الذي قاد مفاوضات السلام بين الأطراف السودانية وصولًا إلى توقيع اتفاق جوبا في أكتوبر/ تشرين الأول 2020.

رئيس الوزراء السوداني السابق عبدالله حمدوك
رئيس الوزراء السوداني السابق عبدالله حمدوك - غيتي

وبدا للعالم أن مرحلة واعدة بانتظار السودانيين للانتقال إلى نظام سياسي ديمقراطي ينهي عقودًا من الاستبداد والعزلة الدولية، لكن انقلاب 25 أكتوبر 2021، الذي قاده العسكر بحجة تصحيح المسار، أنهى الأمل بانسياب العملية السياسية.

ومنذ الانقلاب، شهدت الساحة السودانية حالة من الانقسام والتباين بين القوى العسكرية والتيارات السياسية التي تعاني بدورها من التشظي والانشقاقات المستمرة بين مكوناتها بشأن العملية السياسية وكيفية إدارة البلاد.

فعلى خلفية الموقف من العسكر، انقسم ائتلاف الحرية والتغيير أكبر المشاركين في المرحلة الانتقالية بين مجموعة الميثاق الوطني المتحالفة مع العسكر والداعمة لقرارات عبد الفتاح برهان والمجلس المركزي للائتلاف الذي يعارض الانقلاب.

وبالتزامن مع الانشقاقات في المكون المدني، ظهرت تسريبات عدة تفيد بوجود تصدعات داخل المكون العسكري، وظهور خلافات بين قائد الجيش عبد الفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو "حميدتي"، إلا أنها بقيت تحت سقف الاتفاقات الموقعة بين العسكر والمدنيين إن كان لجهة الوثيقة الدستورية أو اتفاق جوبا للسلام.

لكن وما إن جاء الاتفاق الإطاري لإنهاء تبعات انقلاب 2021، حتى بدأت ملامح استقطاب جديد بين البرهان وحميدتي.

فهذا الأخير يرى أن الأطراف الموقعة على الاتفاق الإطاري كافية للمضي بالتسوية السياسية في البلاد، بينما أيد برهان توسيع الاتفاق ليشمل أكبر عدد ممكن من الكيانات المدنية والسياسية.

هكذا نقلت الخلافات من المكون المدني إلى المكون العسكري الذي لم يتفق أقطابه على كيفية تطبيق بنود إعادة هيكلة قوات الدعم السريع ودمجها في الجيش بعد فشل اللجان الفنية المكلفة من الجيش والدعم السريع في التوصل إلى أي اتفاق.

وسرعان ما تطور هذا الخلاف، حيث تدهور المشهد السوداني بسرعة إلى الاقتتال الدموي، وكأن أطراف الصراع كانوا في حالة هدوء تحضيرًا لمثل هذا السيناريو.

فقد أشعل الانتشار الكبير لقوات الدعم السريع حول المرافق الحيوية وقطع الطرق الرئيسية وردة فعل الجيش الحاسمة بالدخول في المواجهات الدامية، الساحة السودانية وأطاح بحلم السودان في تحقيق انتقال سياسي سلمي نحو نظام ديمقراطي.

فعلى الرغم من تعثر المسار السياسي في عدة محطات نتيجة البحث عن صيغ توافقية تلبي أكبر قدر ممكن من مطالب الأطراف السودانية المختلفة، بقي صوت الرصاص بعيدًا والحوار مرجعًا لحل النزاعات إن كان لجهة الخلاف بين المكونين العسكري والمدني، أو الخلاف بين الأحزاب والكيانات المدنية التي انقسمت على ذاتها معطية للعسكر الحجة في الوصاية على المراحل الأولى من العملية الانتقالية.

فعندما كان المشهد السياسي السوداني منقسمًا بين مكونين عسكري ومدني، لم يظهر الصراع بشكل فاقع بين الجيش وقوات الدعم السريع، بل يمكن القول إن الصدام كان مؤجلًا حتى يحين موعد الحسم بشأن هيكلية قوات الدعم السريع شبه النظامية ودمجها في المؤسسة العسكرية الرسمية.

وكان الانقسام بين أطياف المكون المدني مفهومًا، بسبب تباين الرؤى السياسية، وتبعثر القراءات المتعلقة بمستقبل السودان، وتبدل الولاءات والتحالفات على إيقاع المصالح والمكاسب السياسية، قبل أن يستقر السودان على شكل نهائي للنظام السياسي والاحتكام إلى اللعبة الديمقراطية في البلاد.

أما وقد وقع الانقسام بين أطراف المكون العسكري، فإن الاحتكام للقوة لن يكون سوى مسألة وقت.

فحميدتي المطلوب للجنائية الدولية، يرى أن بنود الإصلاح الأمني والعسكري الخاصة بضم قوات الدعم السريع إلى الجيش يجب أن تمتد إلى 10 سنوات خشية استبعاده قبل انتهاء العملية الانتقالية، وهو بذلك يريد ضمان لعب دور أساسي في صياغة المرحلة النهائية التي تضمن موقعه ونفوذه الذي راكمه على مدى العقدين الماضيين.

محمد حمدان دقلو وعبد الفتاح البرهان
محمد حمدان دقلو وعبد الفتاح البرهان - غيتي

ويبدو أن شعور فائض القوة وشبكة العلاقات والتحالفات التي نسجها حميدتي في الداخل والخارج منحته الجرأة لمواجهة الجيش، ولو سبّب ذلك سفكًا للدماء، بينما يسعى البرهان، ومن ورائه الجيش، إلى تقليص نفوذ قوات الدعم السريع الذي بات جيشًا موازيًا بحد ذاته ينافس الجيش النظامي في الصلاحيات والمسؤوليات.

وفي تجارب التحول الديمقراطي، غالبًا ما تكون المؤسسة العسكرية متماسكة أمام المجتمع السياسي والمدني، فإما مغالبة وإخضاع للجميع بمنطق القوة، أو انكفاء وانسحاب لإفساح المجال أمام انسياب العملية السياسية، وحصر الصراع ضمن الأطر القانونية والديمقراطية.

لكن السودان أمام حالة من الانقسام بين أطياف المكون العسكري المتصارعة على السلطة، لتجد القوى المدنية نفسها في خضم حرب قد تنسف كل أحلام التحول الديمقراطي في البلاد.

"الانتقال الديمقراطي"

وفي هذا الإطار، يرى أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر في جامعة قطر أحمد أبو شوك، أن الانتقال الديمقراطي كان أولى ضحايا الاقتتال الدائر في السودان، مشيرًا إلى أن كثيرًا من الناس يعتقدون أن هذا جزء من المد الثوري الذي يجب أن يصل إلى نهاياته.

وفي حديث لـ"العربي" من استديوهات لوسيل، يضيف أبو شوك أن ما حدث من مواجهات عسكرية قد أفرز حركة ارتدادية واضحة في مسار الانتقال الديمقراطي، موضحًا أن هذه المرحلة تقتضي أن يكون هناك تقاسم شمولي للسلطة.

إلا أنه يشير إلى أنه في حال كانت القضايا المطروحة فيها تصفية حسابات، فهي ستثير التحديات، إضافة إلى أن المواجهة العسكرية أفرزت مقاربات يصعب فهمها وحلها، حيث إن الطرفين يطالبان برأس الآخر حتى تتم المفاوضات.

ويلفت أبو شوك إلى أن السودان أمام تحديات عديدة، منها أن البلاد في حالة حرب دعائية واضحة من الطرفين، بحيث لا يمكن أن نأخذ المعلومات التي يعلنها أي طرف على أنها صحيحة، إضافة إلى ذلك لا يستطيع الإعلام أن يصل إلى مناطق الصراع، لافتًا إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي عقدت أيضًا المسألة من خلال ضخها كمًا هائلًا من المعلومات.

سيناريوهان للانتقال الديمقراطي

ويردف أن الطرفين وافقا على الهدنة لحفظ ماء وجهيهما أمام الضغوط الإقليمية والخارجية، لكن في قرارة نفسهما فهما حريصان على تسجيل نقاط لأن هذه حرب "كسر عظم"، حسب تعبيره.

ويوضح أبو شوك أنه في حال دخلت المؤسسة العسكرية في تفاوض مع حميدتي بعد كل هذا الدمار، فهي تسقط أخلاقيًا، وإذا ارتضت الأطراف الوسيطة بأن يكون حميدتي والبرهان جزءًا من المفاوضات فهذا خطأ فادح.

ويرى أبو شوك أن الانتقال الديمقراطي في هذه الحالة يكون في وضع عسير، وسيواجه سيناريوهين، الأول هو أن يحقق الجيش انتصارًا كاسحًا على حميدتي، ويعود كمرحلة انتقالية لكي يكسب الرأي العام السوداني المحلي بالعودة للاتفاق الإطاري بشرط أن يوسع أفق وفضاء الاتفاق ليشمل كل الناس بما في ذلك عناصر النظام القديم، مشيرًا إلى أن هذا الأمر سيواجه معارضة سياسية قوية جدًا ربما تقود مرة أخرى إلى إعادة قوى الثورة.

أما السيناريو الثاني، حسب أبو شوك، فهو أن يكون هناك ضغط دولي وإقليمي عبر دخول حميدتي والجيش في مفاوضات، مشيرًا إلى أن بقاء الرجلين لا يضمن استدامة أي انتقال ديمقراطي.

ويرى أبو شوك أن هذه الحرب تأتي على حساب المواطن السوداني، وأنها ستحدث دمارًا من الصعب معالجته في السنوات المقبلة، حيث أنها أخرت وأفقدت السودان أرواح بشرية، إضافة إلى ذلك أفقدته بعض المؤسسات المادية.

وبينما هناك من يتهم ويسمي قوى الحرية والتغيير - المجلس المركزي بأنها راهنت على محمد حمدان دقلو، يوضح أبو شوك أن هذه القوى ساندت حميدتي لأنها اعتقدت أنها خطوة تساعد في تحقيق نقلة سياسية، إضافة إلى ذلك، فهي تعتقد أن حميدتي يمكن أن يكون حائط صد ضد قوى النظام القديم.

ويلفت أبو شوك إلى أن الاتفاق الإطاري كان قد أشار إلى نقطتين تخدمان حميدتي، الأولى دعم قوات الدعم السريع دون تحديد سقف زمني، مشيرًا إلى أن بعض القوى السياسية تقول إن هناك اتفاقًا آخر لدعم قوات الدعم السريع لمدة 10 سنوات، مبينًا أنه في حال إعطائه هذه المهلة فسينتصر على البرهان.

أما النقطة الثانية في الاتفاق الإطاري، حسب أبو شوك، فهي توضح أن رئاسة الدعم السريع في فترة الدمج تكون تحت قيادة رئيس مجلس السيادة المدني الذي لم يختر بعد.

ويخلص أن حلم السودانيين بحكومة مدنية منتخبة أصبح يبعد رويدًا رويدًا، موضحًا أنه في كل تجارب الانتقال الموجودة في العالم. إذا لم يكن تقاسم السلطة شاملً، وقضايا الانتقال متفق عليها وإجراءات العملية الديمقراطية هي مطلب أساسي بالنسبة لكل القوى، فسيكون هناك صعوبة في الانتقال المدني الديمقراطي.

تابع القراءة
المصادر:
العربي
تغطية خاصة
Close