الجمعة 22 نوفمبر / November 2024

"حرب الجنرالين" تحتدم في السودان.. من يتربع على عرش البلاد؟

المشهد السوداني
"حرب الجنرالين" تحتدم في السودان.. من يتربع على عرش البلاد؟
الإثنين 17 أبريل 2023

شارك القصة

اندلعت "حرب الجنرالين" في السودان بعد احتدام الخلاف بين حميدتي والبرهان اللذين بدأ كل منهما في حشد قواته وإصدار البيانات - غيتي
اندلعت "حرب الجنرالين" في السودان بعد احتدام الخلاف بين حميدتي والبرهان اللذين بدأ كل منهما في حشد قواته وإصدار البيانات - غيتي

بين قائد الجيش السوداني ورئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، ونائبه محمد حمدان دقلو، الشهير بـ"حميدتي"، اشتعلت ما يصحّ وصفها بـ"حرب الجنرالين" في السودان، والتي تبدو حامية الوطيس.

فصحيح أنّ حميدتي الذي تملأ كتفيه الرتب العسكرية والأوسمة، ويشارك في تقرير حاضر السودان ومستقبلـِه ليس جنرالاً ولم يتخرج من إحدى الكلياتِ العسكرية أو غيرِها من المؤسسات الجامعية بل هو تاجر إبل. 

لكنّ المصادفة ليست وحدها ما قاده إلى هذه المَكانة بل هذه القوات التي تحيط به، قوات الدعم السريع، أو "الجنجويد" المتهمة بارتكابِ فظائع في "دارفور" حتى أُطلق على أفرادها "رجال بلا رحمة".

دخل هؤلاء الرجال وقائدهم في صراع واشتباكات مسلحة مع الجيش وقائده الفريق أول عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة.

جاء ذلك بعدما طفا الخلاف على السطح وبدأ كل من دقلو والبرهان في حشدِ قواته وإصدار البيانات، قبل أن يتحوّل الصراع إلى اشتباكات مسلحة، ويزداد عنفًا وسـط حرب نفسية يخوضها الرجلان.

ويزعم كلّ من البرهان وحميدتي السيطرة على البلاد. فكلاهما متعطّش للنفوذ ولكل منهما جيش يحميه ودول تدعمه، ما يعقّد الأمور أكثر وأكثر.

كيف ولدت شخصية حميدتي العسكرية؟

وُلد حميدتي في إقليم دارفور غربي السودان عام 1975. لكنّ ميلاد شخصيتِـه العسكرية وقواتـِه التي نعرفها اليوم باسم قوات الدعم السريع كان في عام 2003. 

وحمل هذا التنظيم المسلح المكون من قبائل ذات أصول عربية، في البداية لقب "الجنجويد".. وتعني جِـنٌّ على جَـواد". وهو مصطلح ينطبق على حميدتي الذي حصل على "فرصة العمر" بعدما تفجّرت الصراعات بين الحكومة السودانية وحركات التمرد في دارفور. 

منح الرئيس السوداني حينها عمر البشير تفويضًا ودعمًا للجنجويد بقيادة ابن عم حميدتي موسى هلال. 

حميدتي في صراع دارفور

وكـ"الجنّ على الجواد"، اقتحم حميدتي مسرح الصراع بعد ارتكاب ميلشياتـه جرائم تصل حدّ "الإبادةِ جماعية"، بحسب الأمم المتحدة. 

قُتل خلال النزاع نحو 300 ألف شخص ونزح أكثر من مليوني شخص من منازلهم. وحسمت حرب دارفور في غضون خمسة 5 أعوام. 

وأُعلن حل ميليشياتِ الجنجويد، لكنّ حميدتي وابن عمـّه لم يخرجا من النزاع كما دخلاه. 

وأصبح موسى هلال مستشارًا بديوان الحكم في الخرطوم. وحينها، قرّب البشير حميدتي منه وأطلق عليه لقب "حمايتي".

وفي وقت اشتعلت فيه الأحداث من جديد في دارفور، عاد حميدتي إلى المشهد بتنظيم مسلح من 6 آلاف مقاتل انبثق مـن الجنجويد وأُطلق عليه "قوات الدعم السريع". 

منح البشير هذه القوات الشرعية الكاملة بإلحاقها بجهاز الأمن السوداني وموّلها من خزائن الدولة. وأصبح حميدتي يده اليمنى لقمع المتمردين في دارفور. ونال الرجل الذي لم يكن عسكريًا قـطّ رتبة عميد قبل ترقيته إلى رتبة لواء.  

وجاء ذلك تزامنًا مع زجّه بابن عمه ورفيق الأمس في السِـجن إثر انقلابه على البشير في دارفور. 

حميدتي وتجارة الذهب

كما أطلق له العنان ليحكم قبضتـه على تجارةِ أغلى موردٍ طبيعي في السودان وهو الذهب بعد أن استولى على مناجم في جبل عامر بدارفور. 

وكشفت مجلة "فورين بوليسي" أن إيرادات الذهب المستخرج من دارفور وغيره من المناطق تذهب لمليشيات موالية للحكومة، وأن حجم العائدات من تلك التجارة  تخطى مبلغ 123 مليون دولار بين عامي 2014 و2016. 

ونقلت وكالة "رويترز" عن مصادر مختلفة أن نفوذ عائلة حميدتي جعلها تتجاوز في بعض الأحيان قيود البنك المركزي على صادرات الذهب التي كانت تُـحوّل من دون رقيب أو حسيب إلى دبي.  

وقد بلغت مبيعاتُ الذهب للإمارات 30 مليون دولار خلال شهر واحد فقط  نهايةَ عام 2018.

اقتلاع نظام البشير

لم يكن موسى الوحيد الذي ضحي به حميدتي في طريقه إلى الخـرطوم إذ انقلب على حليفه القديم البشير الذي استنجد به للوقوف معه ضد المحتجين عام 2019. 

وانتشرت قوات الدعم السريع في الخرطوم بعدما فضّل حميدتي التخلي عن رداء الولاء. وبدأ الرجل الذي يمتلك حينها قوات تقدّر بـ40 ألف مقاتل يرى في نفسه حاكمًا جديدًا للخرطوم، بينما طويت إثر ذلك صفحة نظام البشير بهذه الكلمات: "أُعلن أنا وزير الدفاع، رئيس اللجنة الأمنية العليا اقتلاع ذلك النظام". 

وبذلك أصبح الطريق ممهدًا لحميدتي للانقضاض على السلطة. لكنّ الجيش الذي لم يتخرج فيه ولم يُـعدَّ أحد أفراده كان العقبة الوحيدة. 

البرهان وحميدتي.. دولة برأسين

هكذا، أمسى عبد الفتاح البرهان الذي عاش سنواتٍ في الظل داخل المؤسسة العسكرية يقود الجيش. 

وشارك البرهان خلال مسيرته في حربِ دارفور الثانية عام 2013. كما شغل مناصب عدة في المؤسسة العسكرية. وأشرف على القوات السودانية التي قاتلت في صفوف التحالف بقيادة السعودية في اليمن عام 2015، ليتدرّج من رتبة فريق ركن إلى رتبة الفريق الأول عام 2019 قبل أن يُصبح القائد العامّ للقوات المسلحة السودانية ورئيس المجلس العسكري الانتقالي الذي تولى قيادة حكم البلاد في أبريل/ نيسان 2019. 

وعـيّن البرهان حميدتي نائبًا له ليكون الرجل الثاني في الدولة بعد ترقيته إلى رتبة فريق أول. 

فأصبح السودان دولة برأسين يقودها جنرالان يمتلك كل منهما نفوذًا إقليميًا ودوليًا وقوات عسكرية، لينطلق السباق المحموم والمكتوم على كرسيّ الحكم في الخرطوم. 

تقاسم السلطة مع المدنيين

وأجبرت المظاهرات المستمرة والضغوط الدولية الجيش بعدها على التوصل إلى اتفاق لتقاسم السلطة مع المدنيين، ما أدى إلى تكوين مجلس سياديّ مدنيّ عسكري مشترك في أغسطس/ آب 2019، ترأسه عبد الفتاح البرهان.

وأصبح حميدتي نائبًا له وكان من المفترض أن يقود المجلس البلاد مدة ثلاث سنوات لحين إجراء انتخابات. وقد انبثقت منه حكومة انتقالية بقيادة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك.

وكاد كرسيُّ الحكم أن يُسحب من تحت الرجلين ليتخليا مؤقتًا عن صراعهما على الحكم. وتضافرت جهودهما لإعادته إلى القيادة العامة في انقلاب 25 أكتوبر/ تشرين الأول عام 2021. 

وبعدما فرغ الثنائي من حمدوك عاد الشقاق من جديد بينهما. وبينما يصر البرهان على أن الانقلاب كان ضروريًا، قال حميدتي إنه كان "خطأً" وقد أعاد فلول النظام السابق، "خطأ انقلاب 25 أكتوبر/ تشرين الأول، الذي تبيّن لي منذ يومه أنه لم يكن لما رغبنا فيه أولاً ليُصبح للأسف بوابة لعودة النظام البائد مما دفعني لعدم التردد بأن أعود عنه إلى الصواب". 

تحركات دولية منفردة

وتجلّى الصراع على السلطة أيضًا بتحركات دولية وإقليمية منفردة إذ ذهب حميدتي للقاءِ مسؤولين إسرائيليين من دون علم منافسه لتعزيز حضوره السياسي.

وكشفت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية في تحقيق خاص أنّ حميدتي لجأ إلى تل أبيب بحثًا عن أجهزة تجسس متطورة فمنحته الأخيرة برنامجًا عالي الدقة تُطلق عليه اسم "المفترس"، في وقت أشرف فيه البرهان على التطبيع مع إسرائيل، فأرسل مبعوثًا خاصًا من مجلس السيادة إلى تل أبيب لتعزيز العلاقات. واستقبل وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين في الخُـرطوم. 

وباتت عاصمة اللاءات الثلاث تعرف بالعكس تمامًا بعدما صرح كوهين عقب لقائه البرهان قائلًا: "نعود من الخرطوم بنعم 3 مرات، للسلام وللمفاوضات وللاعتراف بإسرائيل". 

أكثر من ذلك، فإنّ أهداف حميدتي، قادته إلى مغازلة روسيا المتهمة بسرقة الذهب في السودان. فقبل ساعات من بـدء الاجتياح الروسي لأوكرانيا، حطّت طائرة في مطار موسكو وعلى متنها حميدتي برفقة وفدٍ وِزاري. وانتهت تلك الزيارة التي وصفها الرجل بـ"الناجحة" بعد 8 أيام إلى أن "العلاقات الروسية السودانية، تاريخية قائمة على التعاون والاحترام المتبادل".

حرب الجنرالين في السودان

بحلول 13 أبريل/ نيسان 2023، احتدم الخلاف بين الجنرالين وبدأ كل منهما في حشد قواته وإصدار البيانات.

وبعد يومين فقط من البيانات والشد والجذب، تحوّل الصراع إلى اشتباكات مسلحة وأغلق مطار الخرطوم وتوقفت حركة الطيران، لتـصدر قوات الدعم السريع أول بيان للشعب السوداني، عبّرت فيه عن مفاجأتها بقوة كبيرة من الجيش تحاصر مقرَّها. وردّ الجيش بتعميم للمواطنين بالتزام منازلهم واتهم الدعم السريع بمهاجمة قواته.  

وخلال ذلك، تطورت الاشتباكات وازدادت عنفًا حول مقر الجيش وسـكن البرهان وحميدتي. كما امتدت إلى مناطق في الخرطوم ومدينة مروي شمالي البلاد. وأعلنت قوات الدعم السريع سيطرتَها على القصر الجمهوري ومطاراتِ الخرطوم ومروي والأُبيض. 

لكن المؤسسة العسكرية نفت هذا الإعلان وقالت إنها سيطرت على قيادة القوات الخاصة التابعة لما سمّـتها "ميليشيا الدعم السريع". 

ووسـط كلّ هذا، لا تتوقف المخاوف من تأزم الصراع في السودان الذي يسير بخطى ثابتة باتجاه الانهيار، وربما الحرب الأهلية. 


كل ما تحتاجون معرفته عن "حرب الجنرالين" في السودان، وكيف احتدم الصراع بين حميدتي والبرهان، والذي أدخل البلاد في حرب لا يُعرف كيف ستنتهي، تجدونه في الحلقة المرفقة من "في العمق"، إنتاج "أنا العربي".

المصادر:
العربي
Close