تتصاعد الاتهامات ضد روسيا بارتكاب "جرائم حرب" في أوكرانيا، مع تزايد حصيلة القتلى المدنيين والاستخدام الواضح للأسلحة التي يمكن أن تعرض غير المقاتلين لخطر متزايد.
وسجّلت الأمم المتحدة سقوط 227 قتيلًا مدنيًا بينهم 15 طفلًا حتى يوم الأربعاء من الهجوم الروسي على أوكرانيا، مرجّحة أن تكون الحصيلة الفعلية أعلى من ذلك بكثير.
وبينما ضاعفت القوات الروسية قصفها على المدن الأوكرانية في الأيام الماضية، وصف الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الهجوم الروسي بالمدفعية على خاركيف، ثاني أكبر مدن البلاد، بأنه "جريمة حرب"، داعيًا المحكمة الدولية إلى التدخّل.
ووجّه مسؤولون غربيون، بمن فيهم رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، اتهامات مماثلة. لكن الرئيس الأميركي جو بايدن قال، الأربعاء، إنه "من السابق لأوانه القول" ما إذا كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين "مجرم حرب".
وفي مكالمة هاتفية بينهما أمس الخميس، أكد بوتين لنظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون أن القوات الروسية تبذل "كل ما في وسعها للحفاظ على حياة المدنيين".
ونقلت صحيفة "واشنطن بوست" عن خبراء قولهم إنه من الصعب إثبات جرائم الحرب خاصة في السياق الأوكراني، مضيفين أن المساءلة غالبًا ما تكون بعيدة المنال أيضًا.
ما هي جريمة الحرب؟
وفي هذا السياق، أوضح ويليام شاباس، أستاذ القانون الدولي في "جامعة ميدلسكس" في لندن، أن التعريف التقني الدقيق لجرائم الحرب يشير إلى انتهاكات القانون الدولي الذي يحكم السلوك في القتال وأثناء الاحتلال. وهذه الانتهاكات منصوص عليها في المعاهدات الدولية مثل اتفاقيات جنيف لعام 1949 ونظام روما الأساسي، الذي أنشأ المحكمة الجنائية الدولية في عام 2002 لمحاكمة الأفراد المسؤولين عن جرائم الحرب، إلى جانب الجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية.
وشرح أن جرائم الحرب تشمل الاستهداف المتعمد للمدنيين، والهجمات التي تسبّب خسائر كبيرة في صفوف المدنيين رغم أنها لم تكن تستهدفهم، والهجمات على المستشفيات والمدارس والمعالم التاريخية وغيرها من المواقع المدنية الرئيسية، واستخدام الأسلحة الكيميائية وبعض الأسلحة الأخرى مثل الذخائر العنقودية التي تبعثر القنابل الصغيرة بشكل عشوائي وتترك ذخائر غير منفجرة تشكل خطرًا على المدنيين بعد الصراع، وهي أسلحة تحظرها العديد من الدول، لكن ليس روسيا وأوكرانيا.
لكنه أشار إلى أن الكثير من أعمال العنف المروّعة التي أدت إلى مقتل مدنيين لن تتوافق مع التعريف. وقال: "إن استخدام روسيا المزعوم لتلك الأسلحة في أوكرانيا، وكذلك أسلحة الفراغ، ليس بشكل تلقائي غير قانوني، إذ يعتمد هذا التحديد على ما إذا كانت روسيا قد اتخذت خطوات لتجنّب إيذاء المدنيين".
وأضاف أن القانون الدولي حول النزاع يحكم أكثر من مجرد قتال، مشيرًا إلى أن أوكرانيا عمدت إلى نشر صور ومقاطع فيديو للجنود الروس الأسرى والمتوفين على الإنترنت، وهو ما قد "يُشكّل انتهاكًا لاتفاقيات جنيف".
من لديه سلطة التحقيق؟
من جهته، شرح جيمس جو، أستاذ السلام والأمن الدوليين في كلية كينغز بلندن، أن السلطات الأوكرانية تتحمل المسؤولية الرئيسية للتحقيق في الانتهاكات التي تقع على أراضيها، لكن هذا سيتطلب عمل نظام العدالة الأوكراني.
كما يمكن للمحكمة الجنائية الدولية التحقيق في الانتهاكات، ولكن بما أن روسيا وأوكرانيا ليستا عضوين في المحكمة، هذا يمنعهما من تقديم ادعاءات للمدعين العامين في المحكمة.
ويُمكن لدول أخرى إحالة الانتهاكات إلى المحكمة الدولية.
ونقلت الصحيفة عن كريم خان، المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، قوله إن مكتبه تلقى إحالات من 39 دولة حتى يوم الأربعاء.
ما هي الأدلة المطلوبة لملاحقة الجناة؟
وذكرت صحيفة "واشنطن بوست" أن محقّقي المحكمة الجنائية الدولية بدأوا في جمع الأدلة، وناشد خان البلدان أن تمنح مكتبه موارد إضافية. لكن الخبراء يؤكدون أن هذه الأدلة "يجب أن تكون كثيرة وصلبة".
وقال إليوت هيغينز، مؤسس "بيلينغ كات" (موقع إلكتروني للصحافة الاستقصائية)، لصحيفة "الغارديان" البريطانية، إن منظمته تعمل مع آخرين للحفاظ على أدلة جرائم الحرب المحتملة التي سيتم قبولها في المحكمة.
وبما أن تفاصيل الهجوم الروسي على أوكرانيا تتكشف عبر مقاطع الفيديو والصور التي تنتشر على وسائل التواصل الاجتماعي، قالت "واشنطن بوست" إن هذا التوثيق يمكن أن يساعد في التحقيق.
لكن خبراء القانون الدولي يقولون إن عائق الأدلة في قضايا جرائم الحرب مرتفع. فالحرب عمل دموي، ومن المتوقع سقوط ضحايا من المدنيين. وفي كثير من الحالات، يتطلب إثبات أن قتل المدنيين يندرج ضمن إطار "جريمة حرب"، أن تظهر نية المهاجم في إيذاء المدنيين أو ضرب أهداف محظورة مثل المستشفيات والمدارس.
وأوضح غاو أن محاسبة كبار المسؤولين تتطلب عادة التدرّج في التسلسل القيادي.
من جهته، قال شاباس إن "النسبية" معيار شخصي غير محدد بوضوح، مضيفًا أنه "من الصعب للغاية إثبات الجرائم في ساحة المعركة، وأن هناك عددًا قليلًا جدًا من المحاكمات الناجحة لهذه الأنواع من الجرائم".
وتزداد عملية بناء القضية تعقيدًا بسبب تزايد عدم وضوح الخطوط الفاصلة بين المدنيين والمقاتلين. فالأوكرانيون الذين حملوا السلاح وتجمعوا لصنع زجاجات مولوتوف، ووفق شاباس، "يفقدون وضعهم باعتبارهم مدنيين بموجب القانون الدولي عندما يقاتلون".
تسليح المدنيين في العاصمة الأوكرانية #كييف واستعدادات حثيثة لحرب شوارع المزيد من التفاصيل مع مراسلنا 👇#روسيا #أوكرانيا #الحرب_الروسية_الأوكرانية تابعوا المزيد عبر البث المباشر للتلفزيون العربي على يوتيوبhttps://t.co/DUMyi3CyCS pic.twitter.com/Jd9CwWOB6H
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) March 4, 2022
هل يمكن محاسبة المسؤولين الروس؟
بعد أسبوع من الهجوم، بدأت الدعوات للمساءلة تتردد بالفعل في جميع أنحاء العالم.
وفي هذا الإطار، قال غاو: "حتى لو كان الدليل موجودًا، فإن محاكمة المسؤولين الروس -ناهيك عن بوتين- أمر غير مرجح"، ما يمنع حدوث تغيير سياسي كبير في روسيا.
وأضاف: "طالما ظلت الحكومة الروسية غير راغبة في التعاون، والروس المتهمون بارتكاب جرائم لا يسافرون إلى الخارج، فليس هناك الكثير الذي يمكن للمدعين الدوليين القيام به".
ورغم ذلك، أكد غاو أنه من المهم جمع الأدلة على جرائم الحرب المحتملة والجرائم ضد الإنسانية وحفظها، لأن "الظروف في روسيا قد تتغيّر".
وأضاف: "لا أحد يحب أن يوصف بأنه مجرم حرب، لذلك هناك تأثير نفسي وسياسي محتمل مهم يمكن اكتسابه بشكل طارئ من التحقيقات".
وقالت الصحيفة إنه "حتى لو لم يواجه المرتكبون أي عقوبة، إلا أن تخزين الأدلة يمكن أن يكون بمثابة تصحيح حاسم للروايات الكاذبة".