الأحد 17 نوفمبر / November 2024

يحكم بعقلية الـ"كي جي بي".. كالوغين يكشف لـ"العربي" أسرار رجل روسيا القوي

يحكم بعقلية الـ"كي جي بي".. كالوغين يكشف لـ"العربي" أسرار رجل روسيا القوي

شارك القصة

يتناول الجنرال أوليغ كالوغين ضمن برنامج "وفي رواية أخرى" تفاصيل عمل بوتين في جهاز الـ"كي جي بي" (الصورة: غيتي)
يتحدث رئيس جهاز مكافحة التجسس سابقًا في الـ"كي جي بي" أوليغ كالوغين بالتفصيل عن سمات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وعن علاقته بيلتسن وما نقل عن وجود تسجيلات روسية لترمب.

كشف الجنرال أوليغ كالوغين رئيس جهاز مكافحة التجسس سابقًا في الـ"كي جي بي" عن مراحل سرية من حياة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حين كان ضابطًا في جهاز الاستخبارات السوفييتية.

وكشف كالوغين في مقابلته مع "العربي - أخبار" ضمن برنامج "وفي رواية أخرى"، عن علاقة جهازه بعدد من كبار المسؤولين الدوليين أمثال الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب.

ويُعدّ كالوغين، الذي كان له على مدى أكثر من ثلاثة عقود دور رئيسي في أهم وأشهر الأحداث أيام الحرب الباردة، أحد أقرب مساعدي رئيس الـ"كي جي بي" والزعيم السوفييتي السابق يوري أندروبوف ومشرفًا على عمليات اختراق حكومات ومسؤولي عدد من دول العالم.

علاقات متنوعة مع البلدان العربية

وفي الجزء الثالث، يوضح كالوغين طبيعة العلاقات التي ربطت القيادة المصرية مع جهاز الاستخبارات السوفييتية، معتبرًا أنها كانت "علاقة صداقة، لكنها لم تكن جيدة مثلما كان الحال مع سوريا" في تلك الفترة.

ويقول إنّ رئيس النظام السوري السابق وابنه الحالي كانا "تابعين مطيعين للاتحاد السوفييتي، حيث تمكن السوفييت من فرض قواعدهم بشكل جيد".

وبالنسبة إلى العلاقة بين الجهاز السوفييتي والمنظمات الفلسطينية وعلى رأسها منظمة التحرير الفلسطينية وحركة فتح، يشير كالوغين إلى أنه منذ إظهار المنظمات الفلسطينية موقفًا مناوئًا للغرب فقد حصلت تلك المنظمات على دعم السوفييت.

ويوضح أن المنظمات الفلسطينية حصلت على الدعم بالسلاح والمال، وأن "الأسلحة لم ترسل بصورة مباشرة إلى المنظمات الفلسطينية بل عبر دول ثالثة لتغطية التدخل السوفييتي".

ويلفت إلى أن البعض من الفلسطينيين تلقوا التدريبات في جهاز الـ"كي جي بي" باعتبار أنهم كانوا في حالة عداء مع القوى الغربية، وكانت هناك مصلحة سوفييتية في ذلك.

ويرى كالوغين أن الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات "لم يكن موضع ثقة تامة من قبل السوفييت" لكنه يعتبر أن ذلك يشكل "جزءًا من الثقافة التقليدية الروسية: لا تثق بأحد".

دور أفغانستان في تفكيك الاتحاد السوفييتي

وبالنسبة إلى اجتياح الاتحاد السوفييتي لأفغانستان في 24 ديسمبر/ كانون الأول عام 1974، يشرح الجنرال أوليغ كالوغين أنّه كان له دور في الملف الأفغاني لمرتين فقط، مرة باعتباره ضيفًا على الحكومة الأفغانية ثم حين كان ما يشبه الانقلاب في البلد وطرد الأعضاء المناصرين للسوفييت من الحكومة.

ويبين أنه في تلك الفترة كان فلاديمير كريتشكوف المسؤول المخابراتي الكبير في الـ"كي جي بي" مصرًا على اتهام الحكومة الأفغانية بـ"الولاء لأميركا والعمالة لها والخيانة"، متذكّرًا أنه دخل في "حالة مواجهة" معه حول هذا الموضوع.

ويؤكد في هذا السياق أن المسألة الأفغانية لعبت دورًا رئيسيًا في تفكيك جهاز الاستخبارات السوفييتية وانهيار الاتحاد السوفييتي بشكل عام.

وبالنسبة إلى تورط الـ"كي جي بي" في اغتيال رئيس الوزراء الأفغاني حفيظ الله أمين، يرى كالوغين أنّ المشكلة كانت تتلخص في كريتشكوف الذي شغل منصب رئيس الأمن والمخابرات السوفييتية والذي كان يعتقد أنه "لا يمكن أن يكون الأفغان حلفاء للاتحاد السوفييتي ولا يمكن الثقة فيهم".

ويصف كالوغين التدخل السوفييتي في أفغانستان بأنه كان "مأساويًا للشعب الأفغاني" وكان له تأثير سيئ على أفراد الجيش والمخابرات السوفييتية فمنهم من طرد من وظيفته بسبب آثار الحرب عليه.

كما يؤكد أن الحدث التاريخي في أفغانستان كان له التأثير الكبير على المعارضة داخل الاتحاد السوفييتي والذي أدى لاحقًا إلى انهيار الاتحاد. ويرى أن "الخسارة لم تكن مادية بقدر ما كانت معنوبة، لأن المواطنين السوفييت كانوا يعتقدون أنهم يستطيعون أن يهزموا أيًا كان".

تهمة "العمالة" لـ"CIA"

وبعد أكثر من عشرين عامًا من العمل في جهاز الـ"كي جي بي" والتدرج في المناصب القيادية، أصبح كالوغين أصغر جنرال في جهاز الاستخبارات السوفييتية، حيث حصل على أوسمة وتقدير من كبار المسؤولين في الاتحاد السوفييتي.

وبعد هذه المسيرة تم إعفاء كالوغين من منصبه في قسم مكافحة التجسس، الذي يعد من أهم الأقسام في جهاز المخابرات السوفييتية، واتُهم بـ"العمالة" لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية "CIA".

ويصف الجنرال أوليغ كالوغين تلك الوقائع بـ"المخزية" ويعتبر أنها واحدة من القصص الحزينة في حياته. ويتذكّر بأن "الأمور ساءت داخل كي جي بي بسبب مكائد مديره المباشر مما دفع يوري أندروف (رئيس الجهاز في تلك الفترة) إلى استدعائه لمكتبه".

ويشرح أنّ أندروف اقترح عليه أن يتولى منصبًا كنائب أول لرئيس جهاز الاستخبارات السوفييتية في مدينة لينينغراد (سانت بطرسبرغ) على أن يعود لاحقًا بعد عامين من ذلك، لكن أندروف وافته المنية في تلك الفترة".

لكنه يوضح أن مديره المباشر استمر في ملاحقته واختلق رواية عن تجنيده بالعمل مع وكالة الاستخبارات الأميركية حين كان يدرس في جامعة كولومبيا وأنه كان يهدف إلى "اختراق الاتحاد السوفييتي من الداخل وتدميره".

ويؤكد كالوغين أنه رغم تلك الاتهامات "لم يخطر بباله أن يخون بلده في أي وقت من الأوقات"، وذلك رغم أنه تعرض للاعتقال والمحاكمة وقد نجا من ذلك بأعجوبة، حسب ما يوضح، من الملاحقة القضائية بعد أنّ ترشح للبرلمان وحصوله على الحصانة البرلمانية.

بوريس يلتسن يعتبر أن اختياره لبوتين كخليفة له "كان من أكبر أخطائه" (الصورة: غيتي)
بوريس يلتسن يعتبر أن اختياره لبوتين خليفةً له "كان من أكبر أخطائه" (الصورة: غيتي)

علاقات متميزة مع يلتسن وغورباتشوف

وبين عامي 1989 و1991، أي قبيل سقوط الاتحاد السوفييتي كان كالوغين من المعارضين بشدة لعمليات القمع التي مورست في تلك الفترة من قبل السوفييت وأيضًا من المناهضين للفساد في جهاز المخابرات السوفييتية الـ"كي جي بي".

ويشرح الجنرال أوليغ كالوغين علاقته بالرئيس الروسي السابق بوريس يلتسن لافتًا إلى أن الأخير كان "يريد تعيينه رئيسًا للمخابرات الروسية، إلا أنه قيل له إنّ ذلك سيقسم المؤسسة إلى نصفين بين عدو وصديق لأن نصف الموظفين في الجهاز كانوا يعتقدون أنه خائن".

ويصف كالوغين يلتسن بأنه كان "حكيمًا" وأنه عين في مكانه على رأس الجهاز المخابراتي صديقه يفكيني بريماكوف "الذي كان متعمقًا في السياسة".

ويذكر أنه كان لديه علاقة "جيدة وودية" مع رئيس الاتحاد السوفييتي حينها ميخائيل غورباتشوف، معتبرًا أنه كان "رجلًا لطيفًا للغاية، لكنه كان ضعيفًا بالنسبة إلى النظام السوفييتي الذي كان يتطلب إصلاحًا شاملًا" في تلك الفترة.

ويبين أن غورباتشوف، الذي نزع عنه رتبته العسكرية وأعفاه من منصبه، "اعتذر له عن ذلك حين التقى به في واشنطن قبل سنوات"، لكنه يرى أن آخر رئيس للاتحاد السوفييتي "لم يقم بما يكفي للحفاظ على وحدة الاتحاد السوفييتي".

بوتين يحكم بعقلية الـ"كي جي بي"

ويرى رئيس جهاز مكافحة التجسس سابقًا في الـ"كي جي بي" أوليغ كالوغين أنّ الرئيس الروسي الحالي فلاديمير بوتين، الذي عمل تحت إشرافه في الجهاز الاستخباراتي السوفييتي حينما كان عميلًا، يدير روسيا حاليًا بعقلية الـ"كي جي بي" السابقة.

ويذكر كالوغين بحديث للرئيس الروسي السابق بوريس يلتسن قال فيه بأن اختياره لبوتين خليفة له "كان من أكبر أخطائه"، مشيرًا إلى أن اسم يلتسن بعد ذلك "أزيل من معظم المنشورات الروسية المعاصرة وأنه وسم بالخيانة".

ويرى أن بوتين "يريد أن يظهر بصورة الرجل الذي استعاد مكانة البلاد العظيمة، ولكن ليس بالإيديولوجية الشيوعية بل عن طريق ترسيخ صورة روسيا العظمى، تمامًا مثلما حصل أيام ألمانيا النازية زمن هتلر".

ويوضح كالوغين أنه يعرف عن الرئيس الروسي الكثير، لكنه يبين ضرورة معرفة أنه "رجل وحيد، ليس لديه زوجة وأن ابنتاه متزوجتان، حيث كانت واحدة تعيش في ألمانيا والأخرى في مكان ما من روسيا".

ويلفت إلى أن بوتين كان أحد الموظفين العاديين الذين يتبعون إدارته في سانت بطرسبرغ، مبينًا أن حياته المهنية تحسنت حينما تم اختياره من قبل عمدة سانت بطرسبرغ أناتولي سوبتشاك ليكون ضابط ارتباط.

ويوضح أن بوتين منذ ذلك الحين أصبح ثاني أو ثالث شخصية مهمة في سانت بطرسبرغ. كما أن سوبتشاك زكَّاه لدى يلتسن الذي نقله في ما بعد إلى موسكو وهكذا تطورت مسيرة بوتين في قيادة روسيا.

عمل بوتين في "ألمانيا الشرقية"

وينقل كالوغين عن يلتسن قوله إنّه ارتكب أخطاء كثيرة في حياته، لكن من الأخطاء البارزة "كانت حربه في الشيشان واختيار خليفته".

وينفي المسؤول السابق في المخابرات السوفييتية صحة المعلومات التي يتناقلها الإعلام الروسي الآن حول عمل الرئيس فلاديمير بوتين في محطة "كي جي بي" في ألمانيا الشرقية.

ويقول: إنّ بوتين عمل ضابطًا في الكي جي بي ضمن اتفاق الصداقة السوفييتية مع ألمانيا الشرقية، وأنه لم يكن في مواجهة حقيقية مع أجهزة الأمن والمخابرات الغربية.

ويوضح أنه وجه انتقادات لبوتين منذ فترة طويلة، فهو يعرفه جيدًا منذ عمله معه في مكتب المخابرات، ويتفق مع المقولة القائلة بأنه: "ذكي وماكر وغير أخلاقي".

وبشأن مخاوفه على حياته من الرئيس الروسي، يقتبس كالوغين مقولة تم التحدث بها داخل روسيا: "كالوغين لو كان يعيش في أوروبا أو مكان آخر لكان قد مات منذ زمن طويل، لكنه يعيش في الولايات المتحدة حيث لا يمكن فعل أي شيء له".

ويقول كالوغين في هذا السياق: إنه لم يحصل أي اغتيال سياسي على يد السوفييت في الأراضي الأميركية.

تسجيلات روسية لترمب

وبالنسبة لاختراق روسيا للنظام الانتخابي الأميركي والمساهمة في وصول الرئيس السابق دونالد ترمب إلى رئاسة الولايات المتحدة عام 2016، يشير أوليغ كالوغين إلى أنه "لا يعلم حقيقة حول هذا الأمر"، لكنه يوضح أن "ترمب سافر إلى روسيا منذ سنوات عديدة".

ويقول: "كان ترمب يلهو في روسيا. أعلم أن الروس قد قاموا بتوثيق ذلك عبر تسجيلات مرئية. لقد سجل الروس بعضًا من لهو ذلك في روسيا وهو أمر جعل البعض يعتقد أنه أرغمه على أن يكون هادئًا وودودًا تجاه بوتين".

ويضيف: "أعلم أيضًا أن مكتب التحقيقات الفيدرالية (FBI) حصل على تسجيلات ترمب في روسيا من أرشيف الـ"كي جي بي"، لذلك كان ترمب يشعر بالتهديد دائمًا".

ويرجح كالوغين أن حادثتين قد حصلت فيهما عملية توثيق مع ترمب داخل روسيا، ويبين أن "بعض الوثائق المهمة جدًا والمتعلقة بترمب موجودة في حوزة مكتب التحقيقات الفيدرالية".

ويرفض كالوغين الجزم بشأن النفوذ الروسي داخل الولايات المتحدة بعد وصول ترمب إلى الرئاسة، لكنه يعتقد أن التأثير الروسي كان أكبر من الآن حينما كان ترمب رئيسًا. ويعتبر أن الرئيس الأميركي جو بايدن "شديد الصلابة في تصريحاته العامة حول روسيا".

ويعيش كالوغين في الولايات المتحدة منذ عام 1992، ولم يعد إلى بلده منذ وصول بوتين إلى السلطة حيث وصفه علانية بـ"الخائن".

تابع القراءة
المصادر:
العربي