يصادف اليوم السبت، الثاني من نوفمبر/ تشرين الثاني، الذكرى الـ107 لصدور ما يُعرف بـ"إعلان بلفور المشؤوم"، الذي منحت بموجبه بريطانيا الحق لليهود في إقامة وطن قومي لهم في فلسطين.
وتحل ذكرى "وعد بلفور" هذا العام في ظروف صعبة ما زال يعيشها الشعب الفلسطيني الذي يعاني من وحشية وقمع وقتل وتهجير وحرب إبادة مستمرة في قطاع غزة.
فمنذ أكثر من عام، تشن إسرائيل عدوانًا على غزة، أسفر عن مئات آلاف الشهداء والجرحى، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قتلت عشرات الأطفال والمسنين.
قصة "وعد بلفور"
وفي 2 نوفمبر/ تشرين الثاني 1917، أرسل وزير خارجية بريطانيا في تلك الفترة، آرثر جيمس بلفور، برسالة إلى اللورد ليونيل والتر روتشيلد أحد زعماء الحركة الصهيونية آنذاك، لتُعرف فيما بعد باسم "وعد بلفور".
وبموجب هذه الرسالة منحت الحكومة البريطانية حقًا مزعومًا لليهود في تأسيس وطن قومي لهم في فلسطين، وفقًا للمقولة المزيفة "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض".
وجاء في نص الرسالة: إن "حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية".
وتابعت: "على أن يكون مفهومًا بشكل واضح أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة الآن في فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في البلدان الأخرى".
وصدر الوعد وتعداد اليهود في فلسطين حينها لا يزيد عن 5% من مجموع عدد السكان، وأرسلت الرسالة قبل أن يحتل الجيش البريطاني فلسطين.
ويطلق المناصرون للقضية الفلسطينية عبارة "وعد من لا يملك لمن لا يستحق" لوصفهم الوعد.
"إقامة كيان لليهود على أرض فلسطين"
وكان "إعلان بلفور" بمثابة الخطوة الأولى للغرب على طريق إقامة كيان لليهود على أرض فلسطين؛ استجابة مع رغبات الصهيونية العالمية على حساب شعب متجذر في هذه الأرض منذ آلاف السنين، حسب وكالة الأنباء الفلسطينية "وفا".
وجاء الوعد بعد مفاوضات استمرت 3 سنوات بين الحكومة البريطانية من جهة، واليهود البريطانيين والمنظمة الصهيونية العالمية من جهة أخرى، واستطاع من خلالها الصهاينة إقناع بريطانيا بقدرتهم على تحقيق أهداف بريطانيا، والحفاظ على مصالحها في المنطقة.
وكانت الحكومة البريطانية قد عرضت نص إعلان بلفور على الرئيس الأميركي ولسون، ووافق على محتواه قبل نشره، كما وافقت عليه فرنسا وإيطاليا رسميًا عام 1918، ثم تبعها الرئيس الأميركي ولسون رسميًا وعلنيًا عام 1919، وكذلك اليابان.
وفي 25 أبريل/ نيسان عام 1920، وافق المجلس الأعلى لقوات الحلفاء في مؤتمر سان ريمو على أن يعهد إلى بريطانيا بالانتداب على فلسطين، وأن يوضع وعد بلفور موضع التنفيذ حسب ما ورد في المادة الثانية من صك الانتداب.
وفي 24 يوليو/ تموز عام 1922 وافق مجلس عصبة الأمم المتحدة على مشروع الانتداب الذي دخل حيز التنفيذ في 29 سبتمبر/ أيلول 1923، وبذلك يمكننا القول إن إعلان بلفور كان وعدًا غربيًا وليس بريطانيًا فحسب، حسب وكالة "وفا".
ردود أفعال العرب تجاه إعلان "وعد بلفور"
في المقابل، اختلفت ردود أفعال العرب تجاه الإعلان بين الدهشة، والاستنكار، والغضب، وبهدف امتصاص حالة السخط والغضب التي قابل العرب بها إعلان بلفور، أرسلت بريطانيا رسالة إلى الشريف حسين، بواسطة الكولونيل باست، تؤكد فيها الحكومة البريطانية أنها لن تسمح بالاستيطان اليهودي في فلسطين إلا بقدر ما يتفق مع مصلحة السكان العرب، من الناحيتين الاقتصادية والسياسية.
ولكنها في الوقت نفسه، أصدرت أوامرها إلى الإدارة العسكرية البريطانية الحاكمة في فلسطين، أن تطيع أوامر اللجنة اليهودية التي وصلت إلى فلسطين في ذلك الوقت برئاسة حاييم وايزمن خليفة مؤسس الحركة الصهيونية ثيودور هرتزل، وكذلك عملت على تحويل قوافل المهاجرين اليهود القادمين من روسيا وأوروبا الشرقية إلى فلسطين، ووفرت الحماية والمساعدة اللازمتين لهم.
أما الشعب الفلسطيني فلم يستسلم للوعود والقرارات البريطانية والوقائع العملية التي بدأت تفرض على الأرض من قبل الحركة الصهيونية وعصاباتها المسلحة، بل خاض ثورات متلاحقة، كان أولها ثورة البراق عام 1929، ثم تلتها ثورة 1936.
من جهتها، اتخذت الحركة الصهيونية العالمية وقادتها من هذا الوعد مستندًا قانونيًا لتدعم به مطالبها المتمثلة، في إقامة الدولة اليهودية في فلسطين، وتحقيق حلم اليهود بالحصول على تعهد من إحدى الدول الكبرى بإقامة وطن قومي لهم، يجمع شتاتهم بما ينسجم وتوجهات الحركة الصهيونية.
وذلك جاء بعد انتقالها من مرحلة التنظير لأفكارها إلى حيز التنفيذ في أعقاب المؤتمر الصهيوني الأول، الذي عقد في مدينة بازل بسويسرا عام 1897، والذي أقرّ البرنامج الصهيوني، وأكد أن الصهيونية تكافح من أجل إنشاء وطن للشعب اليهودي في فلسطين.
وتبدو الإشارة إلى إعلان بلفور في نص وثيقة الاستقلال المعلنة مع قيام إسرائيل، دليلًا فصيحًا على أهمية هذا الوعد بالنسبة لليهود، حيث نقرأ في هذه الوثيقة: "الانبعاث القومي في بلد اعترف به وعد بلفور..."، حسب وكالة "وفا".
وتمكن اليهود من استغلال تلك القصاصة الصادرة عن آرثر بلفور المعروف بقربه من الحركة الصهيونية، ومن ثم صك الانتداب، وقرار الجمعية العامة عام 1947، القاضي بتقسيم فلسطين ليحققوا حلمهم بإقامة إسرائيل في 15 مايو/ أيار عام 1948، وليحظى هذا الكيان بعضوية الأمم المتحدة بضغط الدول الكبرى.