أصبح ما يعرف بـ"وعد بلفور" الذي صدر يوم 2 نوفمبر/ تشرين الثاني عام 1917، فاتحة عصيبة ومأساوية في تاريخ فلسطين والعالم العربي، ويعيش بسببها الفلسطينيون صراعًا معقدًا منذ أكثر من 100 عام.
فمثل هذا اليوم منذ 105 أعوام، بعث وزير خارجية بريطانيا حينها آرثر جيمس بلفور رسالة عرفت فيما بعد باسم "وعد بلفور"، إلى اللورد ليونيل والتر روتشيلد أحد زعماء الحركة الصهيونية.
وبموجب هذه الرسالة، منحت بريطانيا "الحق لليهود في إقامة وطن قومي لهم في فلسطين".
وجاء في رسالة بلفور: "إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطنٍ قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية".
وعاش بلفور 82 عامًا، ورغم كل ما قام به بصفته سياسيًا، وجل ما وضعه من مؤلفات بصفته كاتبًا، بقي من ذكره 67 كلمة فقط أسست لمأساة شعبٍ كامل.
ازدراء استعماري
وفي حديث من عام 2020 مع "العربي"، لفت الكاتب والمؤرخ السياسي جيمس يار إلى أنه تم انتقاء كلمات الرسالة "بعناية" بحيث لم يكن هناك شيء سري إذ نصّت على دعم بريطانيا لتأسيس كيان يهودي ولم تذكر أبدًا كلمة دولة "شرط ألا يتعارض ذلك مع تطلعات المقيمين في فلسطين".
فالمثير للانتباه وفق يار هو أن المضمون "يشير فقط لليهود ويتجاهل باقي المجموعات الإنسانية.. فقط قال غير اليهود.. والكل أدرك حينها أنه خطاب موجه لليهود".
كما يتعارض الوعد مع أحد أهم مبادئ القانون الدولي، وهو مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها، وهذا ما أكّده آفي شليم أستاذ العلاقات الدولية في جامعة أكسفورد عام 2017 حينما قال إنه "لم يكن لبريطانيا أي حق قانوني لمنح فلسطين لليهود".
ويضيف: "ناهيكم عن أنه لم يكن لديها أي حق أخلاقي لفعل ذلك.. أعتقد أن التفسير الوحيد لما قامت به بريطانيا هو العقلية الاستعمارية لصانعي السياسة، لأنهم نظروا بازدراء لكل العرب في فلسطين".
السيطرة على القدس
وبعد نحو أسبوع من تاريخ الرسالة، دخل قائد القوات البريطانية الجنرال إدموند ألنبي مدينة القدس يوم 9 نوفمبر/ تشرين الثاني، لتقع المدينة لأول مرة تحت سيطرة الأوروبيين منذ عام 1187 بعد طرد الصليبيين على يد صلاح الدين الأيوبي.
ثم بعد نحو شهر، استقبل ألنبي في القدس صديقه الحميم حاييم وايزمن الذي كان يعد أحد أبرز قيادات الحركة الصهيونية، ودخل مع جيش ألنبي إلى القدس فيلق يهودي دُرب بتوجيه من وزير المستعمرات البريطانية آنذاك وينستن تشرشل.
بعد ذلك بعام، أعلنت كل من إيطاليا وفرنسا موافقتهما على "الوعد" قبل أن يتبع ذلك موافقة أميركية رسمية عام 1919، لحقتها موافقة يابانية في العام نفسه.
التهويد والنكبة
وعند صدور وعد بلفور لم يكن في فلسطين من اليهود سوى 50 ألفًا من أصل 12 مليون يهودي حول العالم، بحسب وكالة "وفا" الفلسطينية.
وبشهر أبريل/ نيسان 1920 اجتمع مندوبو كل من فرنسا وبريطانيا في سان ريمو الإيطالية فيما عرف بـ"مؤتمر سان ريمو"، اتفقا خلاله الطرفان على "منح" فلسطين لبريطانيا، حيث عين في العام نفسه أول حاكم بريطاني على فلسطين.
ووقع اختيار الحكومة البريطانية لمنصب المندوب السامي البريطاني، على اليهودي الصهيوني هربرت صموئيل الذي كان صديقًا لألنبي، وأحد أشد المتحمسين لتهيئة فلسطين حتى تكون وطنًا قوميًا لليهود.
وعد بلفور.. #بريطانيا إذ تعد المحتل أرضاً لا تملكها.. هذه هي قصته الكاملة pic.twitter.com/T7WInZishp
— أنا العربي - Ana Alaraby (@AnaAlarabytv) November 2, 2022
أما عام 1922، فأقرت عصبة الأمم الانتداب البريطاني على فلسطين خلال فترة الاحتلال البريطاني لفلسطين التي امتدت من عام 1917 إلى 1946.
خلالها، سهل البريطانيون الهجرة اليهودية من كافة دول العالم كما غضوا الطرف عن تسليح وتدريب العصابات الصهيونية مثل الهاغانا وشتيرن، رغم قيامها بأعمال عدوانية ضد الإنكليز أنفسهم.
هذه الفترة، شهدت أيضًا ثورات من الفلسطينيين مثل ثورة البراق عام 1929، والثورة الكبرى عام 1936.
وبعد انتهاء الانتداب البريطاني وخروج القوات البريطانية من فلسطين عام 1948، أعلن "قيام إسرائيل" وارتُكبت المجازر بحق الفلسطينيين وهجروا من أراضيهم قسرًا لتكون "نكبة 1948".
بريطانيا اليوم
واليوم، لا تزال بريطانيا ترفض حتى الآن الاعتذار عن وعد بلفور، وتعترف رسميًا بإسرائيل منذ 13 مايو/ أيار 1949.
حينها، تم تعيين السير ألكسندر نوكس هيلم أول قائم بأعمال بريطانيا في إسرائيل.
فبالذكرى المئوية لوعد بلفور، "احتفت" الحكومة البريطانية بمأدبة عشاء بمشاركة رئيسة الحكومة حينها تيريزا ماي والإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بحضور أفراد من عائلة بلفور.
حتى إن رئيسة الوزراء البريطانية المستقيلة ليز تراس صرحت إنها تفكر بنقل سفارة بلادها من تل أبيب إلى القدس المحتلة، عقب اجتماعها مع الإسرائيلي يائير لابيد، على هامش الدورة السابعة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك.