مرّت عقود منذ أن ارتكب الاحتلال الإسرائيلي مجزرة كفر قاسم، لكن أحداثها ظلت حيّة في ذاكرة الناجين، الذين رووا تفاصيلها للأجيال المتعاقبة.
شهداؤها، وعددهم قارب الخمسين، يظل جرح فقدانهم عميقًا في قلوب أقاربهم، وتُستعاد صور العديد منهم وقد جُمعت بالأبيض والأسود، ليذكّر من خلالها الفلسطينيون في كل مرة بارتكابات الاحتلال المستمرة بحق هذه الأرض وأصحابها.
ويُدرجون مجزرة كفر قاسم ضمن لائحة المجازر الإسرائيلية التي تطول باضطراد، منذ عقود مضت وحتى اليوم.
العدوان الثلاثي ومجزرة كفر قاسم
ارتكب الاحتلال الإسرائيلي مجزرة كفر قاسم في 29 أكتوبر/ تشرين الأول 1956، اليوم الأول للعدوان الثلاثي البريطاني الفرنسي الإسرائيلي على مصر بهدف الإطاحة بنظام جمال عبدالناصر عقب تأميم قناة السويس.
ويقول مؤرخون إن إسرائيل هدفت من ورائها إلى ترهيب أصحاب الأرض الفلسطينيين ودفعهم إلى الهجرة، على غرار ما حصل مع أهالي كفر ياسين التي شهدت مجزرة في 9 أبريل/ نيسان 1948.
شهداء مجزرة كفر قاسم | ٢٩ أكتوبر ١٩٥٦ *نُشرت في جريدة الاتحاد - ٤ أكتوبر ١٩٥٧ pic.twitter.com/AXuynUVoFQ
— The Palestinian Archive الأرشيف الفلسطيني (@palestinian_the) June 1, 2022
بالعودة إلى ذلك اليوم، فرضت قيادة جيش الاحتلال حظر تجول على القرى العربية في "المثلث الحدودي" الممتد من أم الفحم شمالًا إلى كفر قاسم جنوبًا، من الساعة الخامسة مساء حتى السادسة من صباح اليوم التالي.
وقد أمر يسخار شدمي، قائد الكتيبة في حرس الحدود الإسرائيلي، بإطلاق النار "على كل من يُخالف حظر التجوال في تلك القرى".
ولما كان 400 شخص من أبناء كفر قاسم يعملون خارجها، فإن مختارها رد على مجموعة من قوات حرس الحدود طلبت منه إبلاغ الأهالي بقرار منع التجول، بأن نصف ساعة لن تكفي لإبلاغهم.
لكن شدمي كان قد اختصر مصير هؤلاء عندما سُئل عنهم بعبارة "الله يرحمهم". وهكذا بدأت مجزرة كفر قاسم عند الساعة الخامسة مساءً.
"أوقفوا السيارات وأطلقوا النار"
يستذكر إسماعيل بدير، وهو أحد الناجين من مجزرة كفر قاسم، في حديث سابق مع "العربي" كيف أوقف أحد عناصر قوات الاحتلال السيارة التي كان يستقلها.
يكشف أنه "تم السؤال عن مسقطنا، وبالإجابة بأننا من كفر قاسم، جاء الرد "احصدوهم"، أي اقتلوهم"، فبدأ إطلاق النار على المركبة.
ويقول إن أحد رجال القرية جاء يومها لملاقاة نجله، الذي كان قد خرج بأغنامه إلى الحقل، فأطلقت قوات الاحتلال النار عليهما وعلى نحو 6 نعاج من القطيع.
بدورها، تروي هناء عامر أنها كانت في ذلك اليوم في رحلة العودة من عملها في قطاف الزيتون بمنطقة اللد.
كانت حينها في الرابعة عشرة من عمرها، وبينما لاحظ سائق السيارة ما كان يحصل فإنها ومن كانوا في الخلف لم يتنبهوا لذلك.
تستذكر هناء التي أُصيبت يومها في رأسها وقدمها، الصوت الذي أمر السائق بالتوقف قبل أن يتم إطلاق "البارود" على أرجل الركّاب وهي منهم.
محاولة "إخفاء" الجريمة
استشهد برصاص الاحتلال في مجزرة كفر قاسم 49 شخصًا، نصفهم من النساء والأطفال، وكانوا من العمال والمزارعين العائدين إلى مدينتهم، فيما أُصيب العشرات بجروح بليغة.
عقب ذلك، حاولت الحكومة الإسرائيلية إخفاء الجريمة، وسعت لأسابيع لمنع وصول تفاصيلها إلى الرأي العام، وأخضعت عددًا من المتورطين فيها لمحاكمة صورية.
نال هؤلاء أحكامًا بالحبس لفترات متفاوتة تراوح بعضها بين 15-17 عامًا، لكنها خُفّفت لاحقًا ولم يقضوا أكثر من عامين في السجن.
أما قائد الكتيبة في حرس الحدود الإسرائيلي، يسخار شدمي، فإن عقوبته كانت التوبيخ، ودفع بحسب موقع "عرب 48" غرامة مقدارها قرشًا إسرائيليًا واحدًا.
وفي العام الماضي، أسقط الكنيست الإسرائيلي مشروع قانون لتخليد ذكرى مجزرة كفر قاسم وجعله يوم حداد رسمي، وكانت قد تقدمت به النائبة العربية بالكنيست الإسرائيلي عايدة توما سليمان عن "القائمة المشتركة".