بعد أن أصدرت محكمة كوبلنز جنوب غربي ألمانيا حكمًا بالسجن المؤبد على العقيد السابق في المخابرات النظام السوري أنور رسلان، بتهمة الإشراف على تعذيب سجناء بين عامي 2011 و2012، باشرت محكمة فرانكفورت اليوم الأربعاء، بمحاكمة طبيب سوري، بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وقتل معارض واحد على الأقل، حيث يواجه أيضًا حكمًا بالسجن مدى الحياة.
وينظر إلى هذه المحاكمات على أنها تعزيز دور القضاء الألماني في ملاحقة ممارسات رئيس النظام السوري بشار الأسد.
ووصل علاء موسى البالغ 36 عامًا إلى المحكمة، عند الساعة التاسعة مكبل اليدين ووضع في قفص الاتهام، وارتدى معطفا أخضر اللون مع قلنسوة من الفرو استخدمها لإخفاء وجهه، وبقي مطأطأ الرأس خلال التقاط الصور مكتفيًا بتبادل بعض الكلمات مع محاميه قبل تلاوة لبيان الاتهام.
وتلاحق النيابة العامة الفدرالية علاء موسى بتهمة ارتكاب "جرائم ضد الإنسانية" بموجب الولاية القضائية العالمية لألمانيا.
وسمح هذا المبدأ القانوني الأسبوع الماضي، بصدور حكم بالسجن مدى الحياة على أنور رسلان في أول حكم من نوعه في ألمانيا.
حقن معتقل
وأوقف علاء موسى في يونيو/ حزيران 2020 في هسن في غرب ألمانيا، وهو يحاكم أمام محكمة فرانكفورت في 18 حالة تعذيب معارضين للنظام السوري وبتهمة قتل معتقل بحقنة، ويواجه احتمال الحكم عليه بالسجن مدى الحياة.
ويشتبه في أن الطبيب الذي ينفي نفيًا قاطعًا أن يكون أقدم على الأفعال المتهم بها، قام بهذه الممارسات في مستشفيين عسكريين في حمص في وسط سوريا وفي العاصمة دمشق.
ويفيد معارضو النظام السوري، أن هذه الممارسات تثبت استخدام هذه المنشآت الصحية في أعمال القمع.
كذلك يشتبه في أن الطبيب قام بممارسات في سجن تابع لاستخبارات النظام السوري بين أبريل/ نيسان 2011، ونهاية 2012 في حمص.
وتفيد النيابة العامة المتخصصة في كارلسروه أن الطبيب "حقن معتقلًا بمادة قاتلة تسببت بوفاته في غضون دقائق قليلة" بعدما ضربه بهراوة.
وأوضح رينيه بانز أحد محامي المدعين بالحق المدني، لوكالة فرانس برس، أن هذه المحاكمة ستظهر خصوصًا أن "المستشفيات العسكرية كانت ولا تزال على الأرجح تستخدم بشكل منهجي ضد المجتمع المدني السوري إلى جانب سجون الاستخبارات".
ويشتبه في أن المتهم علاء موسى أيضًا رش في صيف 2011 أي السنة التي بدأت فيها الثورة السورية منذ مارس/آذار من العام المذكور، بالإيثانول الأعضاء التناسلية لمراهق وأضرم النار فيه باستخدام قداحة، في قسم الطوارئ في مستشفى حمص العسكري.
وقال بانز إن هذه الممارسات تظهر "مدى استخدام العنف الجنسي" في أعمال القمع في سوريا.
وقد تعرض معارضون بحسب الحالات، لضرب على الرأس والبطن والأعضاء التناسلية وعلى جروح مصابين بها.
ويشتبه في أن الطبيب عمد إلى تجبير كسر في العظم من دون بنج، ورش المطهرات التي تحوي على الإيثانول على جرح مفتوح قبل أن يضرم النار فيه، على ما تفيد معلومات استقاها القضاء.
كما أنه متهم بمحاولة حرمان السجناء من قدرتهم الإنجابية في قضيتين.
وعمل الطبيب المتهم أيضًا في المشفى العسكري 601 بالمزة في دمشق، الذي شوهدت مشرحته وفناؤه، بحسب هيومن رايتس ووتش، في مجموعة من الصور التي تصور حجم التعذيب الذي تتبناه الدولة ضد المدنيين.
وأعطت هذه الصور دليلًا ملموسًا للعالم لحجم التعذيب في سجون النظام السوري، بعدما قام المصور وهو عسكري انشق عن النظام، بتهريبها إلى الخارج، وعرف باسم مستعار وهو "قيصر"، قبل أن يقر الكونغرس الأميركي "قانون قيصر"، وشرع بتطبيقه في 17 يونيو/حزيران 2020، وخصص لمعاقبة الداعمين والمتعاملين مع النظام السوري.
عنف جنسي
من جانبها، جوندولا فينس بوير المتحدثة باسم المحكمة قبل بدء المحاكمة "كان السجناء مدنيين معارضين لنظام الأسد، والاتهام الموجه له أنه استهدف عن عمد هؤلاء الأشخاص لقمعهم".
وقالت أنتونيا كلاين المستشارة القانونية في المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان، الذي يدعم الادعاء في القضية، إن العنف الجنسي باعتباره جريمة ضد الإنسانية سيلعب دورًا مهمًا في المحاكمة.
وقالت كلاين "تُظهر المحاكمة أيضًا... مدى تنوع الجرائم وبأي حجم ستواصل الحدوث".
وقال المحامي السوري أنور البني، الذي يرأس جماعة حقوقية في برلين ساعدت في رفع القضية ضد علاء م.، إن المحاكمة ستتمخض عن المزيد من الأدلة على أن الحكومة السورية حرضت على التعذيب للتغلب على الانتفاضة ضد الأسد.
كيف غادر سوريا
وغادر المتهم سوريا في منتصف عام 2015 منتقلًا إلى ألمانيا بفضل تأشيرة دخول صادرة من ألمانيا لسوريين يمارسون بعض المهن التي تعاني فيها البلاد "من نقص" من بينها الطب.
وأصبح واحدًا من خمسة آلاف طبيب سوري في ألمانيا، ساهموا في تخفيف عجز حاد في العمالة بالقطاع الطبي.
ومارس علاء موسى وهو جراح عظام، مهنة الطب في مستشفيات عدة قبل أن يتعرف عليه لاجئون سوريون.
ولدى توقيفه في يونيو/حزيران 2020 كان يمارس مهنته في عيادة إعادة تأهيل جسدي في باد فيلدونغن الهانئة وهي منتجع للمياه المعدنية في هسن. وكان زملاؤه يجهلون ماضيه.
وذكر علاء موسى أنه لم يواجه مشكلة كمسيحي في العيش في سوريا، قبل الحرب، وأضاف أنه دفع 8000 دولار للإعفاء من الخدمة العسكرية الإلزامية هناك.
ويعتبر المدعون العامون في كارلسروه أن علاء موسى، وهو أب لطفلين، مؤيد متطرف للنظام السوري، كان يعامل المعارضين كـ"الصراصير" ويشارك "دونما تحفظ" في قمعهم.
ورحبت منظمة هيومن رايتس ووتش غير الحكومية قبل بدء الجلسة "بهذه المحاكمة الثانية في ألمانيا بتهم الجرائم ضد الإنسانية المرتكبة في سوريا التي تظهر أن جهود القضاء بشأن الفظائع المرتكبة في هذا البلد تتوسع".
ويستخدم المدعون الألمان قوانين السلطة القضائية العالمية التي تسمح لهم بالسعي لمحاكمة المشتبه بارتكابهم جرائم ضد الإنسانية في أي مكان في العالم.
وقال البني "نأمل أن يحكم عليه بالسجن مدى الحياة"، مضيفًا أنه يتوقع أن تصل المحكمة إلى حكم بنهاية العام الجاري.