يعيش السكان في النقب على وقع أوضاع صعبة وغياب شبه تام للخدمات الأساسية من ماء وكهرباء وبنية تحتية، في وقت يجري فيه تنفيذ مخطط إسرائيلي يستهدف تهجيرهم للسيطرة على قراهم وأراضيهم جنوب فلسطين التاريخية.
ويقف عزيز صيّاح الطوري، شيخ قرية العراقيب، على أطلال قريته في النقب، مستذكرًا ما كانت عليه معالمها.
يشير بيده، وقد تحوّل المكان إلى فضاء مقفر تمامًا، إلى أماكن احتشاد الأهالي في مناسباتهم، فيقول هنا مركز ثقافي وقضاء عشائري، وهنا اجتمع الناس في أفراحهم وأتراحهم.
يستذكر الطوري في حديث إلى "العربي" أشجار الزيتون وعددها 4500 شجرة، قائلًا إنّ الأهالي اعتمدوا في "اقتصاد" حياتهم الريفية حتى عام 2010 على الزيت والزيتون.
وعندما يمرّ على الأشجار المثمرة الأخرى التي ناهز عددها الـ 800، يلفت إلى أن بينها التين والعنب والرمان والنخيل.
كلّ ما ذكره الطوري اقتلعته جرافات الاحتلال، سوّته أرضًا في إطار مخططها لتفريغ القرى من سكانها البدو العرب.
ويشير الرجل إلى شجرة كان الاحتلال قد اقتلعها إلا أنها نبتت من جديد، فيقول إنّ "الشجر يقاوم ويأبى أن يُمحى تاريخه، فكيف لنا كبشر أن يمحى تاريخنا؟".
ويردف: "ظروفنا صعبة لكننا نقاوم، هدموا البيت سنبقى نقاوم، هدموا الحياة سنبقى نقاوم".
سلب أراض
يشكل النقب ما يصل إلى 70% من مساحة فلسطين التاريخية، وتمتدّ مساحته على قرابة 13 مليون دونمًا من الأرض.
بحسب الناشط في مؤسسة "بدو بلا حدود" رأفت عوايشة، يقطن في تلك المنطقة 250 ألف عربي بدوي، لطالما اعتبرهم الاحتلال خطرًا ديموغرافيًا وتهديدًا جديًا.
ويتحدث عن قرابة 11 مخططًا فعالًا وضعها الاحتلال لسلب أراضٍ تصل مساحتها إلى 500 ألف دونم منهم، في استمرارية للعقلية نفسها التي سادت أيام النكبة وما قبلها.
وفيما يشير إلى مخطط حاول من خلاله الاحتلال عام 2013 سلب ما يقارب 800 ألف دونم من عرب النقب، يوضح أنه أُسقط بنضال جماهيري واسع.
غير أنه ينبّه إلى أن دولة الاحتلال طوّرت بعد ذلك من أدواتها، فأصبحت المخططات أكثر هدوءًا وغموضًا، بعيدًا عن سن قانون يتسبب بضجة إعلامية، والتعامل بالقوة الجارفة مع عرب النقب.
إلى ذلك، يلفت عوايشة إلى 3 أشكال من التجمعات السكانية في النقب وهي: البلدات المخططة، والقرى التي تم الاعتراف بها بعد نضال قضائي كبير، بالإضافة إلى 36 بلدة غير معترف بها وتضم غالبية سكان النقب.
ويردف بأن القرى غير المعترف بها تخلو من أي خدمات أساسية، فلا بنى تحتية ولا ماء أو كهرباء، وهدم بيوتها مستمر.
تهجير وتشجير
من ناحيته، يشرح الناطق باسم اللجنة المحلية لقرية الزرنوق، ما تشهده قرى النقب ومن بينها رخمة ومن قبلها العراقيب.
فيلفت إلى أن الأهالي مهدّدون بالترحيل والتهجير، شارحًا مخطط كل من الاحتلال وجمعية كاكال (الصندوق القومي اليهودي)، الذي يزعم القيام بعملية تشجير واسعة للمنطقة للقضاء على التصحر، في آلية تهدف في واقع الحال إلى محو المكان والاستحواذ على الأرض.
ويرى أن ما حدث في العراقيب من عملية تهجير وتشجير سيناريو يتكرر في قرية خربة الوطن أيضًا.
وينبّه إلى مشاريع بنى تحتية واسعة للحكومة الإسرائيلية، تحاول من خلالها تهجير قرى عربية مثل وادي النعم، وفق مخطط لتحويلها إلى منطقة عسكرية واسعة تُجرى فيها تجارب صاروخية.
ويؤكد التعويل على إصرار الأهالي على التصدي، الأمر الذي أثبت نجاعته في تجارب سابقة رغم الظروف الصعبة.
صمود ورباط
وهذا التصدّي يؤكده ماجد شنارنة، المتحدث باسم اللجنة المحلية في خربة الوطن، حيث يشدد على أن الأهالي آثروا دفع ضريبة الصمود والرباط بشكل يومي على ترك أراضيهم والتخلي عنها.
يشرح شنارنة في حديث إلى "العربي" أن جذور خربة الوطن طاعنة في التاريخ، وأنها ظهرت على عدة خرائط رسمية من الأرشيف العثماني، وبعضها نُشر قبل منتصف القرن التاسع عشر الميلادي.
وإذ يذكّر بالهجوم الذي تعرّضت له أراضي خربة الوطن ومحاولة جرفها وزرع أشجار فيها بحجة حماية الطبيعة، بنية الاستيلاء عليها، يؤكد أن مكان هذا المخطط هو مزبلة التاريخ، مشيرًا إلى روابط غريزية وعقدية وتاريخية تربط الأهالي بأرضهم.
بدوره، يذكر سلامة موسى، وهو من سكان خربة الوطن، أن أجداده عاشوا في هذه البلدة منذ مئات السنين.
وينفي لـ"العربي" أن يكون الأهالي يرفضون زراعة الشجر، متسائلًا: ما الفارق بين أشجارنا وأشجارهم، يقتلعون زيتوننا ويغرسون شجرهم.
إخلاء ومصادرة مواشي
من ناحيته، يكشف رئيس اللجنة المحلية في قرية بير هدّاج سليم الدنفيري أن الأهالي الذين يعتاشون بمعظمهم من الزراعة وتربية المواشي كانوا قد حصلوا على اعتراف بقرية تتوافق مع نمط عيشهم عام 2003، الأمر الذي تم التراجع عنه لاحقًا.
ويتوقف الدنفيري في حديث إلى "العربي" عند أساليب التهجير المتبعة ومنها أوامر الإخلاء وهدم البيوت ومصادرة المواشي، التي يتم أخذها إلى حيفا ويُدفع غرامات مالية باهظة لاستردادها.
فيؤكد الصبر والثبات، شارحًا أن أهالي بير هدّاج إن لم يكن لهم ما يريدون فسينتقلون للعيش في "بيوت الشعر"، وكلما تمّ هدها سنعيد بنائها.