الثلاثاء 29 أكتوبر / October 2024

اندثرت ثم ظهرت واختفت.. رحلة بين "أساطير" القصور الحمراء في الجزائر

اندثرت ثم ظهرت واختفت.. رحلة بين "أساطير" القصور الحمراء في الجزائر
الثلاثاء 19 يوليو 2022

شارك القصة

ما تشهده القصور الحمراء في الجزائر ارتبط منذ زمن بعيد بتأويلات خارجة عن الطبيعة - غيتي
ما تشهده القصور الحمراء في الجزائر ارتبط منذ زمن بعيد بتأويلات خارجة عن الطبيعة - غيتي

لا تزال ظاهرة القصور الحمراء في منطقة تيميمون الجزائرية تثير الجدل، منذ تركها أصحابها إلى غير رجعة. كان ذلك قبل مئات السنين، ولم يبقَ من الأولين إلا ما تناقلته الأجيال عن أسباب اختفاء جلل. 

فليس سكان القصور الحمراء وحدهم من اندثروا بحسب المتداول. مساكنهم أيضًا امّحى وجودها، أو اختفت ثم عاودت الظهور قبل أن تغيب عن الأنظار مجددًا.

هل رمال الصحراء زحفت نحو البناء فابتلعته، أم أن البناء نفسه تحرّك فوق الأرض أو باتجاه باطنها؟ إلامَ يُعزى مصير القصور وقاطنيها، لعوامل الطبيعة أم قوى خارجة عنها؟

هذه الأسئلة وأخرى ينكبّ مهتمون على إيجاد إجابات عنها، فيما يستمر تناقل الأساطير التي تزيد من جاذبية المكان وفرادته.

القصور الحمراء في الجزائر هي عبارة عن قلاع وتحصينات بُنيت على مرتفعات صخرية
القصور الحمراء في الجزائر هي عبارة عن قلاع وتحصينات بُنيت على مرتفعات صخرية

القصور الحمراء في الجزائر.. تظهر وتختفي

يشير الدليل السياحي عبد الحي داو الحاج إلى وجود الكثير من الأحاديث والأقاويل حول وجود للجنّ وتحريم للمنطقة على البشر، ومن بين ما يقال أيضًا أنّ هناك منطقة رملية يُقتل أو يموت كل من يدخلها.

ويشرح أن القصور في منطقة قورارة هي عبارة عن قلاع وتحصينات بُنيت على مرتفعات صخرية وأحيطت بخنادق خوفًا من الاعتداءات والغزوات.

وبحسب داو الحاج، فقد شُيّدت بأشكال مختلفة؛ منها الدائري والمستطيل والمربع والبيضاوي أو على شكل قارب، والأخيرة نادرة جدًا.

ويلفت إلى أن هندسة البناء تعبّر عن ثقافات معينة، فالشكل المستطيل يرتبط بالهندسة المعمارية البربرية، والمربعة بنظيرتها العربية، أما الدائرية فترمز إلى الهندسة المعمارية اليهودية وإن كانت قليلة جدًا.

ويقول إن من القصور ما لم يبقَ له أي أثر بعدما طمرته الرمال، وإن سائحًا قصد قصر ذراع الموجود في منطقة تخلو من الواحات والآبار، فأشار إلى أن البناء اختفى بعدما شاهده واقترب منه، ثم وجده خلفه قبل أن يختفي من جديد. ويردف بأن قافلة من الإبل مرّت بالرجل وأرشدته إلى القصر واصطحبته إليه.

داو الحاج الذي يتوقف عند ما يُعرف عن الخوف المرتبط بالسير في الصحراء وما ينتج عنه من ظهور لسراب لا يلبث أن يزول، يشير إلى أن ما تشهده القصور ارتبط منذ زمن بعيد بتأويلات خارجة عن الطبيعة، على غرار دعوة أحد الصالحين بخراب قصر وتشتيت ساكنيه.

أمة غير مرئية وأولياء صالحون

في هذا الصدد، يتوقف عبد العالي باب الله، وهو ناشط في الحقل الثقافي، عند إحدى الروايات وفيها أن وليًا من الأولياء الصالحين جاء أهل هذه القصور. وبعدما رحبوا به أطعموه رملًا، فدعا عليهم بالشرّ، وقال لهم إن الرمل سيغزوهم كما أطعموه إياه.    

وباب الله الذي يلفت إلى أن القصور بُنيت من الطين الأحمر بحيث لا تعكس الضوء الساطع أو تؤذي النظر، يعرض ما يُقال بشأن خلاء قصر نتيجة دعوة عالم على من طردوه من ديارهم.  

كما يردف بأن قصر دبداب، الذي سكنته ولية من أولياء الله الصالحين تسمى عائشة بنت الحسن، تعرّض للغزو ففر أهله. وبينما بقيت عائشة تقاوم الغزو، قُتلت فدعت على أهل القصر بألا يعمروه أبدًا.

ويزيد القول: إن أحد أبناء عمومتها جاء ليحيي الإقامة في المكان يرافقه كلبه، فتساءل عندما جلس على الأطلال إن كان لهذا القصر أن يعمر مرة أخرى، فأجابه الكلب بـ"هيهات هيهات".

وإذ يوضح أن قصرًا اتخذه اليهود محطة للاستزادة بعدما غادروا المنطقة متجهين إلى المغرب، يقول إنه اختفى بمن فيه عند خروجهم منه. ويضيف أن القصر يظهر بمضيّ كل عشر سنوات، قبل أن يعاود الاختفاء.

وبحسب باب الله، فإن أصواتًا غريبة تُسمع ليلًا، والبعض يقرّ بأن المكان مسكون بشعب آخر وأمة غير مرئية.

تشير إحدى الروايات إلى أن وليًا من الأولياء الصالحين دعا على أهل القصور الحمراء بالشر بعدما أطعموه رملًا
تشير إحدى الروايات إلى أن وليًا من الأولياء الصالحين دعا على أهل القصور الحمراء بالشر بعدما أطعموه رملًا

اختفى إثر جريمة قتل

من ناحيته، يشير الباحث في تاريخ المنطقة حمو باقما إلى قصر اختفى إثر جريمة قتل. وفيما يسرد تفاصيل الرواية، يقول: إن عبد الجبار بن عبد الكريم الماغيري قُتل فاختفى القصر انتقامًا من القاتل ومن معه، ثم عاد إلى ما كان عليه.

ويردف بأن أطلالًا من ذلك القصر ما تزال قائمة إلى اليوم.

ويتوقف عند تاريخ قصر ذراع، فيوضح أنه كان معلمًا لقوافل المسافرين، التي كانت تتحرك من شمال الجزائر إلى جنوبها بغرض التجارة، لافتًا إلى أن القصر ظل ظاهرًا رغم الرمال المحيطة، وذلك لبنائه على منطقة مرتفعة.

ويقول الرجل: إن الأساطير تعيد اختفاء القصور إلى كرامات بعض الأولياء، بسبب ذلات أو أخطاء أو اعتداءات أو مظالم ارتكبت.

ويشدد على أن أسرارًا كثيرة تحتاج إلى دراسة الأكاديميين والباحثين، لا سيما مع شحّ المادة التاريخية وقلة المصادر، مشيرًا إلى أن الاعتماد على المصادر الشفهية يبقى غير كافٍ.

المزيد عن القصور الحمراء في الجنوب الجزائري في الحلقة المرفقة من برنامج "الجار الغريب".

المصادر:
العربي
Close