تدفع أوكرانيا ضريبة الاصطفاف الصعب أو حتى المستحيل، إذ إن روسيا تريدها أن تبقى شرقية، فيما يريدها الغرب خلاف ذلك.
فمنذ استقلالها عام 1991، بعدما كانت من الجمهوريات التي دقت المسمار الأخير في نعش الاتحاد السوفياتي، تتأرجح أوكرانيا بين السعي إلى تكامل أوثق مع أوروبا أو التبعية لروسيا.
ولطالما رأت موسكو في سحب ثاني أكبر دولة من حيث المساحة في أوروبا إلى المعسكر الغربي مصدر تهديد لمصالحها.
وخلال عام 1994، تم توقيع مذكرة "بودابست" للضمانات الأمنية بين أوكرانيا وروسيا والولايات المتحدة وبريطانيا، تنازلت بموجبها كييف عن ترسانتها النووية لموسكو مقابل الحماية الغربية.
وفيما ظلت عيون أوكرانيا متجهة صوب الغرب، طوال فترة التسعينيات، حافظت روسيا على هدوئها ما دام الغرب لم يسعَ بعد لضم كييف، ليحل عام 1997 وتعترف موسكو رسميًا من خلال ما يسمى العقد الكبير بحدود أوكرانيا بما فيه شبه جزيرة القرم.
انتخابات 2004
وأثناء الانتخابات الرئاسية في أوكرانيا عام 2004، دعمت روسيا بشكل كبير المرشح المقرب منها، فيكتور يانوكوفيتش، إلا أن "الثورة البرتقالية" حالت دون فوزه، وفاز بدلاً منه السياسي القريب من الغرب، فيكتور يوشتشينكو.
وخلال فترته الرئاسية قطعت روسيا إمدادات الغاز عن أوكرانيا مرتين. كما قُطعت أيضًا إمدادات الغاز إلى أوروبا.
وجاءت أولى محاولات الغرب لإدماج أوكرانيا وجورجيا في حلف شمال الأطلسي "الناتو" إبان حكم الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش عام 2008، إذ قوبل ذلك باحتجاج موسكو التي أعلنت بشكل واضح أنها لن تقبل الاستقلال التام لأوكرانيا.
وحاولت أوكرانيا الارتباط بالغرب من خلال اتفاقية تعاون مع الاتحاد الأوروبي. وفي صيف عام 2013، بعد أشهر قليلة من توقيع الاتفاقية، مارست موسكو ضغوطًا على كييف لتندلع بعد ذلك احتجاجات عارمة دفعت يانوكوفيتش للفرار إلى روسيا.
ضم روسيا لجزيرة القرم
واستغل الكرملين فراغ السلطة في كييف من أجل ضم القرم عام 2014، حيث كانت هذه الخطوة علامة فارقة وبداية لحرب غير معلنة، تموضعت إثرها قوات روسية في منطقة دونباس الغنية بالفحم شرقي أوكرانيا. كما أعلنت جمهوريتان شعبيتان في دونيتسك ولوغانسك، لتطلق موسكو عملية عسكرية.
وفي يونيو/ حزيران من نفس العام، التقى الرئيس الأوكراني المنتخب، بيترو بوروشينكو، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين لأول مرة بوساطة ألمانية وفرنسية، ومن خلال ذلك الاجتماع وُلد ما يسمى بـ"صيغة نورماندي".
وبعد الاتفاق، تحوّل الصراع إلى حرب بالوكالة تدور رحاها حتى اليوم. وبرعاية غربية تم الاتفاق على "مينسك 2"، وهي اتفاقية تشكل إلى اليوم أساس محاولات إحلال السلام، وما تزال بنودها لم تنفذ بالكامل بعد.
ويشتد رهان كييف على الالتحاق بالاتحاد الأوروبي وحلف الناتو، فتصعد موسكو من لهجتها برفض أي وجود للحلف على حدودها، والظاهر أن الغرب غير مستعد لقبول عضوية أوكرانيا في الكيانين بعد.
وفي ظل الهجوم الروسي حاليًا بات هذا الرهان صعبًا إن لم يكن مستحيلًا، فعلى أرضية تثبيته باعتباره واقعًا لا مفر منه قد تبنَى تسوية تنهي الحرب تحت عنوان "حياد أوكرانيا".