في لهجة تصعيدية جديدة ضد المناهضين لإجراءاته المتخذة قبل نحو ثمانية أشهر، رفض الرئيس التونسي قيس سعيّد اليوم الجمعة، الحوار مع من وصفهم بـ"من نهبوا مقدرات الشعب وأرادوا الانقلاب على الدولة".
وخلال اللقاء مع أمين عام الاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي وأعضاء المكتب التنفيذي للاتحاد في قصر قرطاج، قال سعيّد: إنّ "الحوار سيكون بناء على مخرجات الاستشارة الوطنية".
وأكد الرئيس التونسي أنّ اجتماع اليوم "دليل على أن الحلول لن تنفرد بها جهة واحدة"، وذلك بعد توجيه انتقادات واتهامات له بالتفرد بالسلطة منذ اتخاذه إجراءاته الاستثنائية في 25 يوليو/ تموز الماضي.
واعتبر سعيّد أن "الحلول ستستند على الحوار الذي لا يمكن أن يكون مع من نهبوا مقدرات الشعب ولا زالوا ينكلون به في معاشه، أو مع من أرادوا الانقلاب على الدولة وتفجيرها من الداخل"، من دون أن يسمي أشخاصًا أو جهات.
صدور نتائج الاستشارة الوطنية الإلكترونية
وجاء هذا اللقاء مع أكبر نقابة عمالية في البلاد، بعد أن أظهرت نتائج الاستشارة الإلكترونية التي أعلنت في وقت سابق اليوم الجمعة، رغبة 86.4% من المشاركين البالغ عددهم قرابة نصف مليون شخص، بالتحول إلى نظام رئاسي في البلاد.
وأطلق الرئيس سعيّد الاستشارة الوطنية الإلكترونية، منتصف يناير/ كانون الثاني الماضي؛ بهدف "تعزيز مشاركة المواطنين في عملية التحول الديمقراطي"، واستمرت حتى 20 مارس/ آذار الماضي.
ومنذ أن عرضت الاستشارة على التونسيين عبر الإنترنت، رأى فيها مناهضو "الانقلاب على الدستور"، أنها ستكون منطلقًا رئيسيًا في التعديلات الجوهرية التي ينوي إدخالها الرئيس سعيّد تحت شعار "السيادة للشعب".
ودعت قوى معارضة إلى مقاطعة الاستشارة، وقالت إن سعيّد "يمهد بها لإجراء تعديلات لا سيما على الدستور لتعزيز عملية جمع كل السلطات بيده"، فيما يقول سعيّد إنها "تهدف لجمع آراء المواطنين حول مواضيع سياسية واجتماعية واقتصادية".
وفي أول تعليق للرئيس سعيّد على النتائج خلال اجتماعه مع وزير تكنولوجيات الاتصال، قال إن "الاستشارة شهدت 120 ألف هجمة إلكترونية ومحاولة لإفشالها من الداخل والخارج، وجرى التصدي لها".
كما اعتبر أن "من يروجون لإجراء انتخابات تشريعية خلال 3 أشهر بعد حل البرلمان يحلمون ويجب أن يستفيقوا، هدفنا حماية الدولة واستمراريتها، لا أن نسرع لتحديد موعد انتخابات مبكرة".
وأقر البرلمان التّونسي المجمد، في جلسة عامة افتراضية، الأربعاء الماضي، قانونًا يلغي الإجراءات الاستثنائية التي بدأها الرئيس سعيّد في 25 يوليو/ تموز الماضي، ومنها تجميد اختصاصات البرلمان وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية وحل المجلس الأعلى للقضاء.
وبعد ساعات، أعلن سعيّد حل البرلمان "حفاظًا على الدولة ومؤسساتها"، معتبرًا أن اجتماع البرلمان وما صدر عنه "محاولة انقلابية فاشلة"، بحسب كلمة متلفزة، ما أثار جدلًا واسعًا لدى الرأي العام في البلاد، بين تأييد ومعارضة للقرار.
خشية من مرحلة الصدام
وفي هذا الإطار، اعتبر الكاتب الصحافي صلاح الدين الجورشي، أن الوضع السياسي في تونس قد يدخل مرحلة صدام فعلي بين رئاسة الجمهورية، والخصوم السياسيين لقيس سعيّد، عقب حل البرلمان.
وأضاف الجورشي في حديث إلى "العربي"، من تونس، أنه "عقب اجتماع البرلمان قرّر سعيّد التخلص منه، وبالتالي وضع النواب أمام تحدي كبير وإحالتهم على القضاء بتهم خطيرة قد يصل الحكم فيها إلى الإعدام".
واستدرك قائلًا: "لذلك تونس في مرحلة ترقب، ولا سيما أن الجميع يدعون إلى التعقل لتجنب حدوث صدام فعلي بين الطرفين".
وفي حديث مع "العربي" أمس الخميس، اعتبر الرئيس التونسي الأسبق محمد المنصف المرزوقي، أن الرئيس الحالي قيس سعيّد "لا يتمتع بالشرعية" لحل البرلمان، مطالبًا النواب بتجاهل قراراته ومواصلة العمل، والشعب بالعودة إلى "المقاومة المدنية".
وقال المرزوقي، إن سعيّد "يتقدم منذ 8 أشهر خطوة بعد خطوة في انقلابه"، في إشارة إلى إجراءات الرئيس الاستثنائية التي بدأ باتخاذها في 25 يوليو/ تموز الماضي، وشملت تجميد البرلمان والتفرد بالسلطة التنفيذية.
هدّد باللجوء للجيش وتوعّد النواب بالإقصاء من الانتخابات.. #قيس_سعيّد يحلّ البرلمان بعد عقد جلسة افتراضية لإنهاء التدابير الاستثنائية#تونس@AnaAlarabytv pic.twitter.com/FMf9jpK2ah
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) March 31, 2022
وترفض قوى سياسية واجتماعية إجراءات سعيّد الاستثنائية وتعتبرها "انقلابًا على الدستور"، بينما تؤيدها قوى أخرى ترى فيها "تصحيحًا لمسار ثورة 2011" التي أطاحت بالرئيس زين العابدين بن علي.
وقال سعيّد، الذي بدأ في 2019 فترة رئاسية تستمر 5 سنوات، إنّ إجراءاته هي "تدابير في إطار الدستور لحماية الدولة من خطر داهم"، وشدد على عدم المساس بالحريات والحقوق.
وبالنسبة إلى العديد من التونسيين، يبدو أن تعديل الدستور من جانب سعيّد منفصل تمامًا عن واقعهم اليومي المتمثل خاصة في تفاقم البطالة وارتفاع الأسعار ونقص حاد في عدة سلع رئيسية وأدوية، حيث تلوح في الأفق أزمة في المالية العامة.