تتعرض بعض أقدم المواقع الأثرية في العراق للدمار بسبب تغير المناخ، حيث يؤدي ارتفاع تركيزات الملح فيها إلى تآكل الحجارة، وتسبب العواصف الرملية المتكررة في تآكل الآثار القديمة، بحسب صحيفة "الغارديان".
ويُعرف العراق بمهد الحضارة، فهناك ولدت الزراعة، وتم بناء بعض أقدم مدن العالم، مثل العاصمة السومرية أور.
كما تم تطوير أحد أنواع الكتابة الأولى وهي الكتابة المسمارية. وأوضحت أوغستا مكماهون، أستاذة علم آثار بلاد ما بين النهرين في جامعة كامبريدج، أن البلاد لديها "عشرات الآلاف من المواقع من العصر الحجري القديم عبر العصور الإسلامية".
وأضافت أن الأضرار التي لحقت بمواقع مثل بابل الأسطورية "ستترك فجوات في معرفتنا بالتطور البشري وتطور المدن المبكرة وإدارة الإمبراطوريات والتغيرات الديناميكية في المشهد السياسي للعصر الإسلامي".
تأثير الملح
وبلاد ما بين النهرين، الأرض الواقعة بين نهري العراق الحديث، غنية بالملح الموجود بشكل طبيعي في التربة والمياه الجوفية. وتذكر النصوص المسمارية مهنة جامع الملح وتصف استخدامه في كل شيء من حفظ الطعام إلى الرعاية الصحية والطقوس.
ويمكن للملح في التربة أن يساعد علماء الآثار في بعض الظروف، لكن يمكن أن يكون مدمرًا أيضًا ويدمر المواقع التراثية، وفقًا لعالم الآثار الجيولوجي جعفر الجوتيري، الذي وصف الملح بأنه "عدواني وسيدمر الموقع ويدمر الطوب والألواح المسمارية وكل شيء".
نقص المياه
وتتزايد القوة التدميرية للملح مع ارتفاع التركيزات وسط نقص المياه الناجم عن السدود التي بنتها تركيا وإيران، وسنوات من سوء إدارة الموارد المائية والزراعة داخل العراق.
ونقلت الصحيفة عن أحمد حمدان، مهندس مدني يدرس جودة المياه في أنهار العراق، قوله: "بدأت الملوحة في نهر شط العرب تزداد منذ التسعينيات".
وتفاقم أزمة المناخ المشكلة حيث تزداد درجات الحرارة والجفاف في العراق. وتقدر الأمم المتحدة أن متوسط درجات الحرارة السنوية سيرتفع بمقدار درجتين مئويتين بحلول عام 2050 مع زيادة أيام درجات الحرارة القصوى التي تزيد عن 50 درجة مئوية، في حين سينخفض معدل هطول الأمطار بنسبة تصل إلى 17% خلال موسم الأمطار، وسيزيد عدد العواصف الرملية والترابية عن الضعف، من 120 في السنة إلى 300.
المياه المالحة تغمر المواقع
وقال الجوتيري، أستاذ علم الآثار في جامعة القادسية والمدير المشارك لشبكة نهرين العراقية البريطانية التي تبحث في التراث العراقي: "في العشر سنوات المقبلة، ستكون معظم مواقعنا تحت المياه المالحة".
وبدأ الباحثون في ملاحظة الضرر الناجم عن الملح في المواقع التاريخية منذ حوالي عقد من الزمن.
وتعد مدينة بابل المعترف بها من قبل اليونسكو إحدى الأماكن التي تعرضت لأضرار جسيمة من الملح، حيث يكسو بريق مالح طوبًا طينيًا عمره 2600 عام.
وفي معبد عشتار، إلهة الحب والحرب السومرية، تنهار قاعدة الجدران حيث يتراكم الملح حتى يتبلور، مما يؤدي إلى تكسير الطوب وتفككه.
ومن المواقع الأخرى المتضررة، سامرا، عاصمة العصر الإسلامي بمئذنتها الحلزونية التي تتآكل بفعل العواصف الرملية، وأم العقارب بمعبدها الأبيض وقصرها ومقبرتها التي تبتلعها الصحراء.
عواصف رملية
ويساهم التغيّر المناخي في تكرر العواصف الرملية في العراق البلد شبه الصحراوي، خصوصًا في فصل الربيع. وقد ضربت عاصفة رملية الثلاثاء الماضي، مناطق واسعة في العراق، مسببة إصابات بحالات اختناق في صفوف الأهالي، دفعت الكثيرين للتوجه للمستشفيات.
وجاءت هذه العاصفة بعد أخرى مماثلة ضربت الأسبوع الماضي، أغلب مناطق العراق.
وبحسب المتحدث باسم دائرة الأنواء الجوية العراقية، عامر الجابري، فإن السبب الرئيس للعواصف الرملية، هو قلة الأمطار وتزايد التصحر مع انعدام الحزام الأخضر حول المدن.