يختم رئيس أركان الجيش العراقي السابق نزار الخزرجي سلسلة استعادية عبر "العربي"، تطرّق فيها إلى المشهد في ظل حكم نظام صدام حسين، بتقديم شهادته عمّا سُمي بـ"انتفاضة الجنوب" وخلافه مع رئيس البلاد ثم مغادرته إلى الأردن فأوروبا.
ويروي الخزرجي ضمن برنامج "وفي رواية أخرى" لما حدث في الناصرية، وما تبعه من تطورات، مسدلًا الستارة على جانب من الذاكرة كان قد كشفه في ثماني حلقات في حواره مع الزميل بدر الدين الصائغ.
يشدد الخزرجي على أنه يفخر بكل خطوة قام بها سابقًا وغير نادم عليها إطلاقًا، فماذا في إطلالته على المرحلة المشار إليها أعلاه؟
هجوم وإصابة وقتال مستمر
يعود رئيس أركان الجيش العراقي السابق نزار الخزرجي بالذاكرة إلى مطلع تسعينيات القرن الماضي، فيلفت إلى أنه كُلف بقيادة مقر عمليات الغرب في الناصرية، مع احتمال اندفاع القوات الأميركية باتجاه العراق بعد احتلاله للكويت، موضحًا أن وزير الدفاع آنذاك كان يعمل مع الحرس الجمهوري للدفاع عن البصرة.
ويشرح أن صدام حسين كلّفه بمهمة تشكيل هذا المقر لتلتحق به الفيالق المنسحبة الستة من داخل الكويت، فتكون تحت إمرته بغرض الدفاع عن العراق، نافيًا وجود أي انتفاضة أو شيء من هذا القبيل في ذلك الحين.
وبينما يشير إلى أنه و61 شخصًا من الجنود والطباخين كانوا معه في مقر قيادة الغرب في الناصرية، يقول إن المحافظ جاءه في اليوم التالي وأخبره بوجود تمرّد في أهوار الجبايش، حيث قتل المتمردون مدير الناحية والحزبيين.
ويلفت إلى أن المحافظ قال له بمرور ساعات إن تمردًا آخر حصل في ناحية كرمة بني سعيد وقُتل مديرها والحزبيون أيضًا، ثم مساء أعلمه أن تمردًا وقع في قضاء سوق الشيوخ فقُتل القائمقام والحزبيون ونُهبت المباني والمقرات وأُحرقت.
رئيس أركان الجيش العراقي السابق نزار الخزرجي: #صدام_حسين رجل مناضل لكنه كان نرجسيًّا، والمجموعة المحيطة به زينت له غزو #الكويت#وفي_رواية_أخرى #العراق pic.twitter.com/wWcWAdgvFk
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) May 17, 2022
وبينما يوضح أن المحافظ كان حينها برفقة شخصين لدى حضوره، قال إن أحدهم همس في أذن ضابط الركن الشخصي الخاص به قائلًا إنه سمع أن المتمردين سيهاجمون الناصرية غدًا.
وعلى الأثر أخبر الخزرجي المقر العام الذي أكد له أن الفيالق المنسحبة ستصلهم، بحسب ما يفيد، مشيرًا إلى أن صباح اليوم التالي شهد هجومًا على المحافظة، حيث قُتل المحافظ وألقيت جثته في الشارع.
ويردف أنه "بمرور ساعة أو أكثر تمت مهاجمة مقر الحزب، واستشهد جميع أعضاء الفرق بعدما قاوموا ببسالة"، لافتًا إلى أنه "تم تاليًا مهاجمة مقر قيادة الغرب، فقاتل من فيه دفاعًا عن النفس".
والخزرجي الذي يقول إن المهاجمين حازوا على أسلحة مختلفة بعد سيطرتهم على مقر الحزب، يشرح أن الهجوم على المقر راح يتطور بمرور الوقت.
ويروي أن "عددًا من المتمردين تمكنوا من اقتحام حديقة المقر قرابة الظهر، وأنه ومجموعة من الضباط والحماية قاموا على الأثر بثورة مقابلة، فطردوا المهاجمين خارجًا".
ويضيف أنه عند الرابعة عصرًا بدأ الهجوم على وقع التكبيرات، متحدثًا عن خروجه بمفرده إلى الحديقة لصد المهاجمين، وإصابته بأربع طلقات في البطن، وعودته أدراجه إلى الداخل.
وبينما يشير إلى استمرار الجنود بالقتال، يقول إن المتمردين تمكنوا من الدخول إلى المقر، حيث تحوّل القتال من غرفة إلى غرفة، ثم بتضاعف أعداد المتمردين كان القرار بالصعود إلى الطابق الثاني، لقتالهم من مكان أعلى.
"مضطجع ينتظر الموت"
وبحسب ما يرويه الخزرجي، تمكن المتمردون ليلًا من إحضار الرشاشات الرباعية ومدافع 106، وقصفوا بشكل مركز على الغرف التي كان المسؤول العراقي السابق ومن معه يقاتلون من داخلها، فاحترق المكان.
ويلفت إلى أن أحد الضباط استطاع وسط الدخان رؤية الباب المفضي إلى السطح، فصعدوا إليه وبدأ القتال من هناك هذه المرة.
يقول الخزرجي إنه كان في ذلك الحين مضطجعًا ينتظر الموت، بسبب النزف المستمر جرّاء الإصابة، في حين عمل على توجيه عملية القتال.
ويستعيد مشهد "نفاد العتاد من الجنود، واحتراق الطابق الذي كانوا فيه، ووجودهم على السطح، وتوزع المتمردين في الحديقة"، لافتًا إلى توقف القتال والنداءات التي أطلقها المتمردون لإرسال من يحادثونه.
ويذكر أنه كلّف ضابط الركن الشخصي الخاص به للذهاب وتمرير الوقت قدر استطاعته، مشيرًا إلى أن رئيس المتمردين أكد له أن بإمكان الجنود النزول بأمان، وأنهم يريدون الفريق نزار.
وبحسب قوله، جاءه الرد من الضابط أنه إذا كان هناك أمان فهو أولًا للفريق نزار، فهو مجروح وقد يموت، ولكننا نرتضي الموت جميعًا ولا نسلمه لكم. ويردف بأن رئيس المتمردين قال له إن الأمان لهم جميعًا.
والخزرجي كان بصعود المتمردين إلى السطح قد أُغمي عليه، وفق تعبيره، لافتًا إلى أنه نُقل إلى المستشفى لتلقي العلاج.
وبينما يعرّج على ما كان قد أورده في مذكراته، من حيث أنه طلب من أحد مرافقيه، أن يجهز عليه فلا يقع في يد المهاجمين، يشرح أنه كان يخشى تسليمه ومن معه إلى إيران، لمعرفته بأن التمرد تقف من خلفه إيران وحزب الدعوة.
لدى نقله إلى بغداد، كان الخزرجي في وضع صحي سيئ جدًا؛ وفي هذا الشأن يلفت إلى أنه وضع في مستشفى رشيد العسكري مع رفاقه، ثم حضرت مجموعة من قصر صدام تعلمه أن أمرًا صدر من الرئيس العراقي بنقله إلى مستشفى ابن سينا المختصة بالقيادة وعائلة صدام.
ويكشف الخزرجي أنه رفض، غير أن زوجته تابعت مع الوفد وقالت لهم إنه وضعه سيئ وطلبت إليهم العودة صباح اليوم التالي لنقله.
ويردف بأن مدير المستشفى، وكان جراحًا كرديًا ممتازًا، قال لزوجته إنه لا يضمن بقاءه على قيد الحياة للغد، وإنه لا بد من إجراء عملية سريعًا بعدما وصل التسمم إلى مراحل متقدمة.
ويشير إلى أنه قال لصدام الذي عاده في اليوم التالي معاتبًا، إن الناس جميعهم قاتلونا هناك، فلم يقف أحد إلى جانبنا، فما الذي فعلناه لهم ليقاتلونا؟
وبينما يوضح أن الرئيس السابق الذي كان متأثرًا، قال له إن هكذا أمور يمكن أن تحصل، يشدد على أنه يفترض بالشعب أن يلتف حول حكومته عندما يهاجم من قبل الأجنبي، فيقاتل مع السلطة الوطنية.
وفيما يستذكر "الحرب مع إيران، التي يعدّها من وجهة نظره دفاعية، والخطأ الكبير في اجتياح الكويت، والتحالف الذي قادته أميركا"، يؤكد أن هذه الظروف أوجدت نوعًا من التذمر لدى الشعب، لكن هذا لا يعني أن ينتفض في هكذا ظرف على حكومته. ويلفت إلى أن إيرانيين كانوا يقودون المتمردين.
في نهاية المطاف استجمعت السلطة العراقية نفسها وسيطرت على المحافظات، فماذا عن حقيقة ما سُمي بعملية "قمع انتفاضة الجنوب"؟.
يوضح الخزرجي أن العراق مُنع من استخدام طائراته وسط تفوق جوي أميركي، وأن قطعات من الجيش والحرس المنسحبة قامت بتطهير المناطق.
وبينما يصف ما جرى بأنه "أمر طبيعي"، يسأل: "بعد سيطرة مجموعة من العناصر المتمردة على مؤسسات حكومية ومحافظات، هل تسترجعها السلطة الوطنية أم تبقيها؟".
ويلفت إلى أن القتال كان محدودًا جدًا، والعناصر المتمردة سرعان ما كانت تنهزم بوصول الجيش، تاركة سلاحها، متحدثًا عن إلقاء القبض ـ بعد عودة الهدوء ـ على بعض رؤوس التمرد.
ويقول إن هؤلاء أُحضروا إلى بغداد وخضعوا للاستجواب واعترفوا وأُعدموا، وعددهم قد يكون 50 أو 60 أو 70 شخصًا، أما الحديث عن آلاف فهو مجرد كلام.
ويشدد على أن التقارير التي تحدثت عن آلاف القتلى والمقابر الجماعية والإعدامات، كلامها غير دقيق، لعدم حدوث قتال فعلي.
صدام حسين يكرم نزار الخزرجي
كان نزار الخزرجي يتعافى من جراحه في منزله، عندما تلقى اتصالًا يُعلمه أن الرئيس العراقي سيكرم خمسة أشخاص، هو أحدهم.
يومها، أكد نزار الخزرجي، بحسب قوله، عدم استطاعته الحضور لعدم قدرته على ارتداء ملابسه العسكرية جراء الإصابة.
وفيما يلفت إلى أن التكريم كان عبارة عن "سيف أم المعارك" وأنواط شجاعة، يقول إنه لم يكن مقتنعًا، "فنحن كنا خارجين من حرب وممزقين إربًا، وسقط آلاف الشهداء، وحوصر العراق، ووقعت انتفاضات هنا وهناك، فعلى أي أساس نكرم؟".
ويقول: إن "من المؤكد أن رفضه هذا نُقل من جانب عبد حمود بشكل قد يكون مبالغًا فيه، فانزعج الرئيس"، عازيًا اعتقاده إلى مضايقات كثيرة بدأت على الأثر؛ وتركزت بشكل خاص على أولاده.
ويضيف أن هذا الأمر دفعه إلى اعتبار أنه مستهدف بعائلته، نافيًا محاولته حينها الاتصال بصدام لإعلامه بأمر المضايقات، حيث يقول إنه قطع حينها الخيوط وأراد البقاء في داره والعيش بهدوء، لكن لم يُسمح له بذلك.
عن اختلاف نبرته في الحديث عن صدام حسين خلال استعادته لسنوات معرفته به، يشدد على أن الرئيس العراقي السابق مناضل بعثي وطني، لكنه في الوقت نفسه نرجسي ودكتاتوري والأسوأ من كل ذلك أن المجموعة التي أحاطت به وسمع منها كانت سيئة.
ويعرب عن اعتقاده بأن حبل الود انقطع بينهما منذ "حادثة الكويت"، لافتًا إلى أن مغادرة العراق كانت الحل لحماية عائلته بعد التعرّض للمضايقات.
والخزرجي الذي يشدد على أنه يفخر بكل خطوة قام بها سابقًا، وغير نادم عليها إطلاقًا في كل مراحلها، يشير إلى أن التخطيط للخروج من البلاد تطلب منه التخطيط لنحو ستة أشهر، بكتمان شديد.
كيف تمكن من الخروج من العراق للاستقرار في الأردن وأي دور لعبه مسعود البرزاني في ذلك، ولمَ غادر إلى أوروبا، وماذا عن رأيه بحكام العراق اليوم؟. الإجابات في الحلقة المرفقة من "وفي رواية أخرى".