تضم الحرب بين إيران والعراق الكثير من الصفحات التي ما زالت محط الكثير من التساؤلات رغم مرور أكثر من 30 عامًا على انتهائها.
وتُعتبر مجزرة حلبجة وعمليات الأنفال، واحدة من هذه الأحجيات، التي يحاول رئيس أركان الجيش العراقي السابق نزار الخزرجي حلّها، في هذه الحلقة من برنامج "وفي رواية أخرى"، الذي يقدمه الزميل بدر الدين الصائغ.
كما يعرج الخزرجي، في الجزء السادس من سلسلة المقابلات، على أكثر من محطة في تلك الحرب، وصولًا إلى انتهائها وإعلان العراق انتصاره على إيران، إضافة لطلبه من الرئيس العراقي السابق صدام حسين السيطرة على منطقة الأهواز.
يبدأ الخزرجي هذه الحلقة بشرح عمل القوات المسلحة العراقية خلال الحرب، حيث ارتأى صدام حسين حينها ربط بعض الأقسام العسكرية به مباشرة.
ويلفت المسؤول العراقي السابق إلى أن صدام حسين ربط أجهزة المخابرات والمعلومات والقوات الجوية وقوات الحرس الجمهوري مباشرة به، وبالتالي باتت هذه الجهات تأخذ الأوامر مباشرة من رئيس الجمهورية.
ورغم هذا الارتباط، بقيت قيادة الأركان تستعين بتلك القوات، وذلك بعد أخذ الإذن من الرئيس، بحسب الخزرجي.
عمليات الأنفال
تُعتبر عمليات الأنفال واحدة من المعارك الأساسية التي خاضها الجيش العراقي ضد القوات المسلحة الكردية تزامنًا مع الحرب الإيرانية. وامتدت هذه العمليات على 9 مراحل، كان الخزرجي مسؤولًا عن أول ثلاثة منها إضافة للتاسعة.
ويشرح المسؤول العراقي السابق أن الدافع الرئيسي لبدء هذه العمليات هو مساعدة القوات العسكرية الكردية لإيران في فترة الحرب، ويقول: "في معركة الأنفال الأولى نجحنا بضرب قوات جلال طالباني، وانهارت على إثرها قيادة الاتحاد الوطني الكردستاني".
أما العملية الثانية، فكان هدفها حماية ظهر القوات العراقية أثناء قتال إيران في منطقة دربنديخان، خوفًا من أي عمليات التفاف من المسلحين الأكراد. وفي ما يخص معركة الأنفال الثالثة، فقد كانت تهدف لحماية سد دوكان من أي عملية كردية.
ويلفت إلى أن عمليات الأنفال، من الرابعة وحتى الثامنة، تولتها لجنة شؤون الشمال بمساعدة أفواج الدفاع الوطني الكردية، ولم تتدخل قيادة الأركان فيها.
وعن معركة الأنفال التاسعة والأخيرة، يوضح الخزرجي أن 17 قوة من الجيش و75 رتلًا للقوات المسلحة العراقية شاركت في العملية، واتخذت 95 اتجاهًا مختلفًا خلال القتال، مؤكدًا أنها أدت إلى طرد القوات الكردية خارج حدود العراق.
ورغم اتهامات بعض منظمات حقوق الإنسان حول سقوط المدنيين في هذه العمليات، ينفي الخزرجي حصول ذلك، مؤكدًا أنها محاولة من إيران وأميركا لـ"شيطنة الدولة العراقية".
مجزرة حلبجة
في 16 مارس/ آذار 1988، اتّهم صدام حسين بتنفيذ مجزرة في مدينة حلبجة العراقية، مستخدمًا أسلحة كيميائية ضد المدنيين، وسط اتهامات بقيادة الخزرجي لتلك العمليات.
وفي هذا الصدد، يؤكد رئيس أركان الجيش العراقي السابق أنه علم بحصول ضربة في حلبجة من قبل بعض الأشخاص أثناء تواجده مع وزير الدفاع في دربنديخان.
ولدى تواصله مع بغداد لمعرفة ما حصل، أكدت السلطات المختصة أن القوات العراقية لم تنفذ أي ضربة على المدينة المذكورة. ويضيف الخزرجي: "عند انتهاء الحرب، وبعد التواصل مع القوات الجوية، أكدوا أن العراق لم ينفذ أي ضربة هناك".
من هنا، يتهم الخزرجي القوات الإيرانية بتنفيذ العملية، قائلًا: "حلبجا سقطت بيد الإيرانيين قبل يومين من الحادث، ومن ثم استقروا في وادي الظلام وليس في المدينة، كما أن المدنيين غادروا المنطقة لدى وصول الجيش الإيراني، لذا ما هو المبرر لتنفيذ ضربة كيميائية هناك؟".
ويضيف: "بعد الحرب، فحصت اللجان الدولية المنطقة، وبعد التحليل، وجدوا أن المادة الكيميائية المستخدمة لا ينتجها العراق، بل هي موجودة في إيران".
ويتطرق إلى استخدام العراق للأسلحة الكيميائية في الحرب، مؤكدًا أن الأمر كان يحصل بإيعاز مباشر من صدام حسين شخصيًا، وكان يحصل لاستهداف القوات الإيرانية فقط التي استخدمت بدورها هذا النوع من العتاد.
السيطرة على الأهواز
ينتقل الخزرجي خلال المقابلة مع "العربي"، إلى موضوع منطقة الأهواز في إيران، حيث يؤكد أنه اقترح على صدام حسين تنفيذ عملية عسكرية سريعة للسيطرة عليها، وإفقاد طهران إحدى أهم المدن نظرًا لغناها بالنفط، "إلا أن رئيس الجمهورية رفض ذلك".
ويقول: قبيل انتهاء الحرب، وبعد عملية "توكلنا على الله 4"، كانت القوات الإيرانية ضعيفة جدًا، لذا ارتأيت أنه من الأفضل استغلال الوضع عبر السيطرة على الأهواز.
ويضيف: حينها، طلبت من رئيس الجمهورية السماح بدخول المنطقة عبر 4 فيالق من الجيش، وكان يمكنني القيام بذلك في أسبوع واحد فقط. وبعد السيطرة عليها، كان يمكننا البقاء هناك أو تسليمها للانفصاليين في الأهواز.
ولدى عرض الموضوع على الرئيس، طلب منه هذا الأخير التكتم على الموضوع قائلًا: "لا تخبر أحدًا بهذا المشروع، ولا أريد حتى أن تحلم به".
ويعتبر الخزرجي أن صدام حسين كان يهدف إلى بقاء الموضوع سريًا، "إلى أن انتهت الحرب ولم نتمكن من تنفيذ العملية".
ويتابع قائلًا: "لو وافق صدام حسين على العملية لكانت إيران اليوم دولة ثانوية في المنطقة، وكان ستفقد الكثير من قوتها، لأن تلك المدينة هي المصدر الأساسي للنفط في إيران".
وقف إطلاق النار
في 8 أغسطس/ آب 1988 ختمت الحرب العراقية الإيرانية آخر صفحاتها، بعد إعلان صدام حسين النصر على طهران.
ويشدد الخزرجي على أن ما حصل هو "نصر كبير، رغم نقصانه بسبب عدم السيطرة على الأهواز".
ويلفت إلى أنه عند وقف إطلاق النار، كانت القوات الإيرانية قد وصلت إلى أضعف حالة لها، وهذا ما أجبر مؤسس الثورة الإسلامية روح الله الخميني على القبول بوقف القتال.
ما هي نتائج الحرب مع إيران، وما هي المكاسب التي حققها العراق بعد وقف إطلاق النار؟ الإجابة في الحلقة المرفقة من برنامج "وفي رواية أخرى" على شاشة "العربي".