يعد تاريخ الثالث عشر من أبريل/ نيسان عام 1958 تاريخًا مفصليًا في ثورة التحرير الجزائرية، وذلك بعد أن فتحت جبهة التحرير جبهات أخرى للمواجهة مع فرنسا الاستعمارية وهي "المواجهة الرياضية".
بدأ الأمر حين قرر نجوم أساسيون على رأسهم مخلوفي وزيتوني مغادرة فرقهم الفرنسية سرًا. حينها تم اختيار التوقيت لتزامنه مع تحضيرات المنتخب الفرنسي لنهائيات كأس العالم 1958، وذلك لتشكيل فريق جبهة التحرير الوطني لكرة القدم.
في 13 مايو/ تموز من العام نفسه التحق جميع اللاعبين بتونس، لكنّ الاتحاد الدولي لكرة القدم "الفيفا" قد هدد ببرقية رسمية بإقصاء كل منتخب يجري مباراة مع منتخب جبهة التحرير.
سنة مفصلية
وتعليقًا على ذلك، يرى الصحافي المختص بالتاريخ عبد القادر جمعة أنّ سنة 1958 كانت "مفصلية" في تاريخ ثورة التحرير الجزائرية، ولا سيّما مع "الحدث الاستثنائي" الذي عاشته فرنسا مع عودة الجنرال شارل ديغول إلى السلطة.
ويشير في مقابلة مع "العربي"، إلى أن الجزائر شهدت في تلك الفترة "تحولًا أساسيًا" مع الدخول في ما يسمى بـ"الحرب الشاملة" باعتبار أنّ ديغول العائد إلى السلطة يريد تحقيق انتصارات على جيش وجبهة التحرير الوطني.
ويوضح أن جبهة التحرير بعد هذه التغيرات الفرنسية داخل الجزائر "ذهبت إلى فتح جبهات أخرى مع فرنسا الاستعمارية، من بينها المواجهة الرياضية أو المواجهة على مستوى كرة القدم".
انتفاضة مدروسة
بدوره، يرى المؤرّخ محمد لحسن زغيدي أن ثورة التحرير الجزائرية تعد مدرسة نموذجية عالمية، لأن كل ما فيها كان يقدّر بمقدار ويحسب بحساب ذو أبعاد، وهنا يبرز اختيار تواريخ المحددة التي كانت تحمل دلالات.
ويضيف: "خلال هذه الفترة كانت فرنسا لم تكن قد شكّلت الفريق الوطني الذي سيخوض كأس العالم وحسب، بل بدأت التدريبات لهذا الموعد الكروي الكبير".
وعرض برنامج "كنت هناك"، تسجيلًا إذاعيًا للقيادي في جبهة التحرير علام محمد ذكر فيه أن "الشعب الجزائري في ذلك الوقت كان في معركة تحريرية، ولم يكن هناك جزائري لم يشارك في هذه الثورة وهذا لم يمنع الإخوة الرياضيين من عدم المشاركة في هذه المعركة الشريفة لتحرير البلاد".
وأضاف: "ولهذا كان الإخوة مناضلين قبل التحاقهم بالثورة وتكوينهم للفريق، كل واحد كان مناضلًا في ميدانه الخاص الذي كان موجودًا به، بعدها تلقوا تعليمات لأن تعليمات الثورة كانت سرية".
نواة الثورة الكروية
بدوره، يستذكر محمد معوش لاعب فريق جبهة التحرير، كيف اهتدى المدرب محمد بومزراق عقب المشاركة في مهرجان الشباب في موسكو، إلى فكرة تكوين فريق وطني بالمحترفين.
فاتصل بومزراق حينها بأول لاعب في الفريق بن تيفور، الذي كان مناضلًا كبيرًا، وبعدها التقى معوش الذي كان جنديًا حينها، ببموزرق في باريس، حيث تم الاتفاق على إبقاء الأمر سرًا.
بعد ذلك، حدد بموزرق 13 أبريل/ نيسان موعدًا للقاء أعضاء الفريق في بلد أوروبي غير فرنسا، حيث اتخذ القرار بأن يلتحق كل لاعب كرة قدم جزائري في فريق جبهة التحرير.
رحلة الهروب
في المقابل رفض بعد اللاعبين الالتحاق، إلا أن النجوم الأساسيين قرروا المضي بمخططهم ومغادرة فرقهم، في "رحلة الهروب"، إذ غادروا بمجموعات عبر سويسرا وآخرين عبر إيطاليا متوجهين إلى تونس التي كانت آنذاك مقرًا لجبهة التحرير، وفق ما ذكر عبد القادر جمعة الصحفي المهتم بالتاريخ.
وفي 13 مايو/ أيار 1958 التحق الجميع بتونس بعد صعوبة تنقلهم، ليشكّل نواة منتخب قوي، فمن أول ظهور له كان يجري له مباريات ندية مع أقوى المنتخبات آنذاك.
أما الأنظار، فكانت متجهة نحو الهداف رشيد مخلوفي، الذي كان له اسم كبير في فرنسا وكانت الصحافة الفرنسية تراهن عليه، كونه هو من أهل فرنسا إلى كأس العالم.
ويقارب وزير الشباب والرياضة السابق رؤوف برناوي أهمية هذا الحدث بالقول: "لا أتصور أن لاعبين حاليين مثل بن زيمة أو كريستيانو رونالدو أو ميسي أن يتركوا فريقًا مثل ريال مدريد للالتحاق بفريق في بلد لم يحصل على استقلاله".
ويتابع: "في تلك الفترة كان اللاعبون يجهلون أن الجزائر ستحصل على الاستقلال ويتحولون إلى أبطال، بل دخلوا في هذا الأمر من باب التضحية".
خطف النجومية
ونجح فريق جبهة التحرير بخطف النجومية والأضواء الإعلامية من كأس العالم، ليعطي النجومية الإعلامية للثورة الجزائرية، بحسب المؤرّخ محمد لحسن زغيدي.
ومن عام 1958 إلى 1962، لعب فريق جبهة التحرير الجزائرية أكثر من 100 لقاء كروي، 60 منها كانت مباريات رسمية، وتعادل في 11 مقابلة، وانهزم في 4 فقط.
كما استقبل هذا الفريق بحفاوة من قبل قيادات عربية وفق زغيدي، وكانوا ينظرون إليه نظرة إكبار "وكأن الثورة الجزائرية تنتصر في ميدانهم، في وقت كانت الشعوب تناصر فريق جبهة التحرير على فرقها المحلية".