قبل ستّة أيام فقط من الانتخابات النصفية، يلوّح الرئيس الأميركي جو بايدن باللافتة الحمراء، محذرًا الأميركيين من الفوضى وانفراط عقد الديمقراطية، ثمّ السقوط في حرب أهلية.
لوهلة، بدا الرئيس الأميركي وكأنّه يردّ على شكوك طائفة كبيرة من الأميركيين بالتصديق أنّ البلاد تسير نحو المجهول.
ففي كلمة متلفزة، بدت أقرب ما تكون إلى حصّة إرشادية، تناول بايدن، وعلى عجل، محاسن الديمقراطية ومحاذير بدائلها.
أكثر من ذلك، حاول إخافة الأميركيين من هزيمة وشيكة للديمقراطيين، قائلًا إنّ هذه السنة غير عادية.
كما حثّ بايدن الأميركيين على الوقوف صفًا واحدًا ضدّ ما سمّاه العنف السياسي وترهيب الناخبين، محذّرًا من تصاعد التطرف الجمهوري.
تخوّفات بايدن "لها ما يدعمها"
لعلّ أهمية هذا الخطاب تكمن في تزامنه مع ما ترجيحات عزّزتها استطلاعات الرأي، بأن يخسر الديمقراطيون أغلبيتهم في مجلس النواب لصالح الجمهوريين، فضلًا عن ظفرهم بأغلبية مقاعد مجلس الشيوخ.
وبمعنى أوضح، فإنّ تخوفات الرئيس الأميركي لها ما يدعمها على ما يبدو، إذ إنّ فوز الجمهوريين يعني بالضرورة وصول المدعومين من الرئيس السابق دونالد ترمب ممّن لم يعترفوا به صراحة رئيسًا للبلاد.
وقد تكون القصّة الأكثر إثارة للخوف بالنسبة لكثير من المعلّقين الأميركيين، هي ما تبنّاه بايدن في كلمته، أي أن يفوز الديمقراطيون وتخطئ الأرقام والتوقعات، وهو أمر نادر الحدوث عادةً، لكنه في حال حدوثه، سيدفع على الأرجح بعدد من قادة اليمين الجمهوري إلى رفض النتائج في مجموعة من الولايات المفصلية وإدخال البلاد في موجة فوضى.
ويتزامن كلّ ذلك أيضًا مع تداول معلومات صادرة عن جهات إنفاذ القانون تتحدث عن استعدادات للتصدّي لتضليل معلوماتي بعد الانتخابات يقوده المرشحون الخاسرون، وهو موجّه لأنصارهم عبر الإنترنت، هدفه التمرد على النتائج.
انتخابات التجديد النصفي للكونغرس.. بيانات تظهر تغيير مئات آلاف الأميركيين لانتمائهم الحزبي، والمرشحون يتسابقون لإقناعهم بالبقاء في نفس الحزب#العربي_اليوم #أميركا تقرير: ريما أبو حمدية pic.twitter.com/9m2dHuYDAq
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) November 3, 2022
هل تثير الانتخابات النصفية "الفوضى"؟
بالنسبة إلى الباحث في مركز التقدم الأميركي لورانس كورب، فلدى الرئيس الأميركي أسبابه التي تدفعه إلى التحذير من "الفوضى".
ويشير في حديث إلى "العربي"، من واشنطن، إلى أنّ بايدن يستند إلى العديد من "الشواهد"، بدءًا من اقتحام مؤيدي ترمب لمبنى الكابيتول بعد الانتخابات الرئاسية، وكذلك الهجوم الذي استهدف مؤخرًا زوج رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي.
ويتحدّث عن وجود أدلة على أن الكثيرين مستعدون للجوء إلى العنف لتحقيق أهدافهم، مشيرًا إلى أنّ استطلاعات الرأي تؤكد أنّ عددًا كبيرًا من الجمهوريين لا يرون أن الانتخابات تجرى على نحو عادل وهذا كان موقفهم من انتخابات العام 2020.
وبالنسبة إلى ما ترجّحه الاستطلاعات لجهة خسارة الديمقراطيين، يلفت كورب إلى أنّه جرت العادة في الانتخابات النصفية، أنّ الحزب الذي لا يمتلك السلطة يفوز وهذا ما حدث في عام 2018.
ويشير كذلك إلى أنّه عندما يتعرض الاقتصاد لمشاكل فإنّ الشعب يصوت لصالح الحزب الذي يكون خارج السلطة، معتبرًا أنّ المشكلات الاقتصادية التي وقعت ناجمة بشكل أساسي عن وباء كوفيد-19 وحرب أوكرانيا.
لكنّه يشدّد على أنه "حتى لو سيطر الجمهوريون على مجلس النواب لن يستطيعوا أن يسيطروا على مجلس الشيوخ بسهولة".
مخاوف بلا أساس.. الديمقراطيون سيخسرون
في المقابل، يستبعد رئيس مؤسسة المصلحة الوطنية في واشنطن خالد صفوري حدوث أيّ فوضى، ويعرب عن اعتقاده بأنّ مخاوف بايدن لا أساس لها، لسبب بديهي وهو أنّ الديمقراطيين سيخسرون الانتخابات، وفق ما يقول.
ويعرب في حديث إلى "العربي"، من واشنطن، عن اعتقاده بأنّ خسارة الديمقراطيين ستكون كبيرة في مجلس النواب، وقد تكون خسارتهم كبيرة أيضًا في مجلس الشيوخ، "وبالتالي ليس هناك داعٍ للجمهوريين ليقولوا إنّ هناك تزويرًا في انتخابات سيربحونها".
ويعتبر أنّ "الموضوع سيحل نفسه بنفسه طالما أنّ الديمقراطيين فشلوا على مستوى الأداء ولم يستطيعوا شرح المشاكل للشارع الأميركي".
ويلفت إلى أنّ الجمهوريين من جهتهم، يحاولون التركيز على جملة من المواضيع التي تثير الرأي العام وتشمل، إضافة إلى الاقتصاد والتضخم، موضوع الأمن وانتشار الإجرام والهجرة غير الشرعية.
ويقول: "هذه اللعبة لعبها ترمب سابقًا ويلعبها الكثير من أعضاء الحزب الجمهوري، وبمعنى آخر، فالجمهوريون يلعبون لعبة لعبها مثلهم الأعلى الآن أي دونالد ترمب".
أميركا مقبلة على "أزمة دستورية عميقة"
أما الباحث في المركز العربي للأبحاث بواشنطن أسامة أبو ارشيد، فيلفت إلى أنّ خطاب بايدن قد يكون له بعد سياسي أنه يريد أن يحرف النقاش بعيدًا من الاقتصاد والتضخم.
ويشير أبو ارشيد في حديث إلى "العربي"، من بيروت، إلى أنّ استطلاعات الرأي تؤكد أنّ هذين الموضوعين هما الأهم بالنسبة للناخب، فيما يدرك بايدن أن الديمقراطيين فشلوا في التصدي لهما.
ولذلك، فإنّ الرئيس الأميركي يريد أن يقول إن مستقبل الديمقراطية هو القضية الأهمّ ومستقبل الاستقرار في هذه البلاد، وفقًا لأبو ارشيد.
ويلفت إلى أنّ البعد الثاني يكمن في أنه يدرك أنه لو خسر بعض الجمهوريين في بعض الولايات المتأرجحة سيتبنون شعار أنّ هذه الانتخابات مزيّفة كما يتبنون أن الانتخابات الرئاسية الأخيرة مزيفة.
أما البعد الثالث والأهم، بحسب أبو ارشيد، فيكمن في أنه لو أصبح لدينا أغلبية جمهورية يتبنون نظرية المؤامرة في تلك الانتخابات، فإن هؤلاء سيكونون في موقع يؤهّلهم لكي يعيدوا النظر في نتيجة الانتخابات في حال ما تم تنازعها، وهؤلاء قد يثيرون صراعًا أهليًا أو أزمة سياسية عميقة.
ويخلص إلى أنّ تحذير بايدن وإن كان في سياق سياسي، يتعامل مع واقع حقيقي أن أميركا قد تكون مقبلة على أزمة دستورية عميقة لأن هناك تشكيكًا الآن في شرعية المؤسسات السياسية وهذه هي الخطورة الأساسية، مشدّدًا على أنّ تسييس الملف ديمقراطيًا أو جمهوريًا يضاعف من حجم الأزمة أكثر ممّا يحلّها.