عند تنظيم أي نزهة ترفيهية مع الأصدقاء وغيرهم، أصبح الهمّ الأساسي هو التقاط الصور ورفعها على وسائل التواصل الاجتماعي، بدلًا من الاستمتاع باللحظة.
فيستخدم 500 مليون شخصٍ يوميًا خاصية القصص "الستوري" على تطبيق إنستغرام، حيث يتم تصوير 93 مليون "سيلفي" بشكل يومي من أماكن مختلفة في العالم.
هذا ويستغرق أي شخص يلتقط "سيلفي" 26 دقيقة، لتقرير ما إذا كانت الصورة مناسبة للنشر أو لا، قبل مشاركتها على مواقع التواصل الاجتماعي.
أرقام تحكي كثيرًا
هذه الأرقام تحكي كثيرًا، ولرصد هذه الظاهرة أجرت جامعة "نيويورك ستيرن" لكلية الأعمال اختبارًا شمل مجموعة كبيرة من الشبان والشابات الذين طلب منهم تصوير أنفسهم، حيث قيل لهم أن هذا الأمر سيخدم هدفين.
فتظهر نتائج البحث، أن الذين تصوروا بهدف النشر فقط كانوا سعداء بمقدارٍ أقل مقارنة باللذين تصوروا بهدف توثيق التجربة فقط.
إضافة إلى ذلك، فإن الهمّ الأساسي لأفراد المجموعة الأولى كان عن كيفية تقييمهم من الآخرين.
إدمان مستجدّ
ومتابعةً لهذا الموضوع، يشرح الاختصاصي في الطب النفسي الدكتور فضل شحيمي أن معظم الناس يعتقدون أن الإدمان يرتبط بالمواد المخدرة فقط، إلا أن كل عادة لا يستطيع الفرد السيطرة عليها، أو سوء استخدام شيء ما أو سلوك معين تندمج جميعها تحت خانة الإدمان، ومن ضمنها مواقع التواصل الاجتماعي.
وتعدّ "السوشيال ميديا" وما يرافقها من منشورات، أمرًا مستجدًّا نسبيًا في العالم، ويمكن أن ترتبط في كثير من الأحيان بإدمان في السلوك أو العادات.
حب الظهور
أما سبب هذا التعلق الشديد بالنشر، فيعود أولًا وفق شحيمي، إلى طبيعة الإنسان الذي يحب الظهور، ففي حال كان لدى الفرد تقديرًا منخفضًا لذاته منعه من تحقيق هذه الغاية في الحقيقة، فسيلجأ إلى سبيل آخر لتحقيق هدفه، وأتت مواقع التواصل الاجتماعي لتشكّل له وسيلة للتعبير عن نفسه بدون أي إحراج أو انتقاد مباشر من الآخرين.
فيقول الاختصاصي من بيروت: "أصبح لدى الفرد حاجز بينه وبين باقي الناس، فهو اليوم يلتقط صورة له وينشرها وهو يشعر بالأمان كونه لن يواجه ردود فعلٍ سلبية بشكل مباشر، على عكس ما كان يحصل في السابق حيث كان الانتقاد مباشرًا".
وعليه، أسقطت مواقع التواصل الاجتماعي مفهوم الرهاب الاجتماعي الذي كان يختبره الإنسان قبل فترة من الزمن، وفق شحيمي.
في السياق، يلفت الاختصاصي في الطب النفسي بحديث مع "العربي" إلى اختلاف أنماط الشخصيات بين فرد وآخر، إذ هناك نمط من الشخصيات يحب الظهور ووجد في "السوشيال ميديا" وسيلة أسهل لتحقيق غايته، فأصبح لديه سوء استخدام لهذه الوسيلة.
في المقابل، هناك أناس لا يحبون الظهور سواء في الحياة الحقيقة أو الرقمية.
"تغطية النقص"
ومن منظور علمي نفسي، يرى شحيمي أن الالتقاط المكثّف لـ"سيلفي" يهدف في معظم الأحيان إلى "تغطية النقص" أكثر من تعزيز الثقة بالنفس.
فتكرار محاولات "السيلفي" تهدف إلى التقاط الصورة الأفضل والأجمل، هذا بالإضافة إلى تزيين الصورة بأدوات ليست حقيقية مثل "الفيلتر"، كما يدلّ على أن هذه العادات يريد من خلالها المستخدم أن يظهر للناس بأفضل حال.
تداعيات "إدمان السيلفي"
وعن انعكاسات هذا السلوك على الأفراد، فيشير الاختصاصي إلى أن مدمن التقاط الصور الشخصية ونشرها قد يواجه ما يعرف بـ"عوارض الانسحاب"، أي على سبيل المثال إذا انقطع المستخدم المدمن عن الإنترنت أو طرأ عطل على التطبيق، فسيعاني من عوارض شبيهة عندما يبتعد الإنسان عن أي إدمان آخر.
ويضيف شحيمي: "دماغ الإنسان فيه ما يعرف بجهاز المكافأة، أي كلما قام مدمن مواقع التواصل الاجتماعي بتكثيف صور السيلفي كلما رفع هذا الجهاز منسوب الدوبامين المرتبط بالشعور بالسعادة. فإذا توقف هذا الأمر بشكل مفاجئ سينعكس ذلك إلى زيادة بالتوتر والقلق الذي قد يصل إلى ضيق في التنفس وتسارع بضربات القلب، وغيرها من العوارض".